هذه عقیدتی

اشارة

الفتلاوی، علی، 1960-م

هذه عقیدتی/ تألیف علی الفتلاوی. الطبعة الثانیة منقحة.کربلاء: العتبة الحسینیة المقدسة، 1429ق. = 2008م

263ص. (قسم الشؤون الفکریة والثقافیة؛ ه)

المصادر فی الحاشیة

1. الشیعة-اصول الدین-حوارات. 2. الشیعة-عقائد. ألف. عنوان.

4ه_ 2ف/216 BP

1784

مکتبة العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ

ص: 2

ص: 3

هذه عقیدتی

سلسلة حواریة عقائدیة مبسطة

بقلم

الشیخ علی الفتلاوی

إصدار

قسم الشؤون الفکریة والثقافیة

فی العتبة الحسینیة المقدسة

شعبة الدراسات والبحوث

ص: 4

جمیع الحقوق محفوظة

للعتبة الحسینیة المقدسة

الطبعة الثانیة منقحة

1430ه_ - 2009م

العراق: کربلاء المقدسة - العتبة الحسینیة المقدسة

قسم الشؤون الفکریة والثقافیة - هاتف: 326499

Web: www.imamhussain-lib.com

E-mail: info@imamhussain-lib.com

ص: 5

المقدمة

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد الذی منّ علی عباده بمعرفته وفطرهم بفطرته، والصلاة والسلام علی خاتم رسله وسید خلقه محمد المصطفی وعلی آله الحفظة لشرعه وسلم تسلیماً کثیراً.

کل شیء لا یبتنی علی أساس وأصل لا بقاء له ولا فائدة فیه، فإن ظهر للوجود یظهر خاویاً، وان لمع شکله صدأ مضمونه فسرعان ما یتلاشی وجوده، وهذه قاعدة جاریة فی کل شیء، فلذا أجمع العقلاء علی أن لکل فرع أصلاً یرجع إلیه، وهذا ما أکده خالق العقلاء سبحانه؛ إذ جعل لدینه أصولاً یستند إلیها وأسساً یعتمد علیها، وفروعاً یتعبدها، فالدین الإسلامی الذی ختمت به الأدیان، والشریعة المحمدیة التی توجت بها الشرائع لا تخرج عن هذه القاعدة فصارت لدیننا الحنیف أصول وفروع وسنن، نستطیع تسمیتها بعلم العقائد وعلم الفقه وعلم الأخلاق، وهذه الارکان الثلاثة هی التی ینال بها الإنسان قربه الإلهی، ولکل منها دوره الضروری فی بناء

ص: 6

شخصیة الإنسان، حیث یهتم علم العقائد ببناء عقل الإنسان وتوجیه فکره صحیحاً خالیاً من الخرافة والأساطیر، وبعیداً عن الجهل والضلال، کما یهتم علم الفقه ببیان علاقة الإنسان مع خالقه وعلاقته مع من یشارکه هذه المعمورة، ویقوم علم الأخلاق بتهذیب روح الإنسان فیمنع عنها الرذائل ویحلیها بالفضائل.

جاء کتابنا الموسوم ب_(هذه عقیدتی) لیسلط الضوء علی العلم الأول وهو علم العقائد بأسلوب حواری بسیط علی غرار الحواریات الفقهیة مع بعض الاختلاف الیسیر. یستطیع امتصاصه جمیع من یقرأه، خالیاً من الاستدلال المعقد، والبرهان المستصعب الذی لا یعرفه إلاّ أهل الاختصاص کما اننا تصرفنا ببعض النصوص لیسهل فهمه علی القارئ الکریم، وضمّنّاه التعریف بأصول الدین الخمسة، فضلاً عمّا هو محل جدال ونقاش معتمدین فی ذلک علی ما درسناه أولاً وما جاء فی کتب أهل الاختصاص ثانیاً، فخرجت سلسلة حواریة ذات حلقات متناسقة جرت بین صدیقین یهمهما طرح الحقیقة ومعرفتها.

الشیخ علی الفتلاوی

ص: 7

تمهید

…الحلقة 1: تمهید

سمع حسن صدیقه أنور یقول: أنا رأیتک صدفة عندما جئت من عملی، فأجابه حسن: لا تقل صدفة فإن الصدفة أمر مرفوض فی الإسلام، ولکن قل لقاء غیر مقصود أی توافق مجیئی ومجیئک فی نقطة الالتقاء.

أنور: لماذا لا یعترف الإسلام بالصدفة؟

حسن: لأن معنی الصدفة هو وقوع شیء دون وجود أسباب لوقوعه.

أنور: وما الضیر فی وقوع أشیاء دون أسباب؟

حسن: أنه مخالف لقانون الحیاة.

أنور: وما هو قانون الحیاة فی هذا الأمر؟

حسن: أن لکل شیء سببا، کما ورد عن الأئمة علیهم السلام: «أبی الله إلا أن تجری الأمور بأسبابها فإن لکل شیء سبباً»، وکذلک ما أکده العقل الذی لا یرضی إلا بهذه القاعدة وهی لکل شیء سبب أو (لکل معلول علة).

ص: 8

أنور: ولکن المقصود من قولی (صدفة) لیس نفی الأسباب بل المراد أنی غیر قاصد لرؤیتک عندما خرجت.

حسن: هذا لا یسمی صدفة، وإنما یصح تسمیته بلقاء غیر مقصود، ولکن تمّ بأسبابه الطبیعیة.

أنور: إذن ما هی الصدفة التی یرفضها الإسلام؟

حسن: هو قول المادیین الذین یتکلمون عن الوجود بأنه وجد من غیر موجد أی من غیر علة.

أنور: طالما فتحنا هذا الحدیث العقائدی هل بإمکانی أن أسأل بعض الأسئلة العقائدیة؟

حسن: علی الرحب والسعة، وأنا أشجع المؤمنین أن یسألوا عن أمور دینهم، فقد ورد فی الحدیث الشریف: «سل عن أمور دینک حتی یقال لک مجنون»، فلا حیاء فی العلم، بل قد یکون السؤال واجباً فیما یخص المسائل الابتلائیة.

أنور: إذن أرجو أن تسمع أسئلتی وتوسع صدرک لجهلی بهذه الأمور.

حسن: کلی آذان صاغیة، ولا أدّعی أننی عالم بکل شیء فهذا لا یدّعیه أحد، ولکن لی من الثقافة الإسلامیة الحقة ما أستطیع بموجبها أن أجیبک إن شاء الله تعالی.

أنور: أنا أسمع أنه لا یجوز التقلید فی أصول الدین، ما هو المقصود من ذلک؟

ص: 9

حسن: أولاً لابد أن تعرف شیئاً عن أصول الدین یا أنور.

أنور: نعم، نعم بکل محبة.

حسن: أصول الدین هی الأسس التی یبتنی علیها الدین الإسلامی، فکل أساس یسمی أصلاً، وهذه الأصول عددها خمسة کما ورد فی کتب العلماء.

أولها: التوحید، ومعناه أن نعتقد بأن الله واحد لا شریک له ولا مثیل وله الصفات الکاملة العلیا، وهذا ما أکده القرآن الکریم فی سورة التوحید: ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ یَلِدْ وَلَمْ یُولَدْ (3) وَلَمْ یَکُن لَهُ کُفُوًا أَحَدٌ)) (1).

ثانیها: العدل، وهو أن نعتقد بأن الله تعالی یستحیل أن یظلم أحداً من خلقه، کما ورد فی قوله تعالی: ((وَأَنَّ اللّهَ لَیْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِیدِ))(2).

ثالثها: النبوة، وهی أن نعتقد بأن الله تعالی أرسل الأنبیاء والرسل لهدایة الخلق، کما ورد فی قوله  تعالی:((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِن قَبْلِکَ))(3).

رابعها: الإمامة، وهی أن نعتقد بأن الله تعالی جعل أئمة خلفاء لهؤلاء الرسل والأنبیاء یحافظون علی رسالاتهم، ویبلغون دین الله سبحانه، کما ورد فی قوله تعالی: ((وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً یَهْدُونَ بِأَمْرِنَا))(4).


1- سورة الإخلاص، الآیة: 1 - 4.
2- سورة آل عمران، الآیة: 182.
3- سورة الرعد، الآیة: 38.
4- سورة الأنبیاء، الآیة: 73.

ص: 10

خامسها: المعاد، وهو أن نعتقد بأن الله سبحانه سیجمع الناس للحساب فی یوم معین، کما ورد فی قوله تعالی:((إِنَّ الَّذِی فَرَضَ عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لَرَادُّکَ إِلَی مَعَادٍ))(1).

وقد ذکر العلماء أن هذه الأصول یجب معرفتها بشکل شخصی وبحسب قابلیة الفرد المسلم، فلا یجوز التقلید فیها.

أنور: ولکن کیف نطالب من لا یقرأ ولا یکتب من المسلمین بمعرفة هذه العقائد؟

حسن: مسألة الاعتقاد لا تتعلق بالقراءة والکتابة، بل تتعلق بالفهم والقبول، وهذا یأتی عن طریق العلم المسموع، کما یأتی عن طریق العلم المطبوع وهذا ما أکده قول أمیر المؤمنین علیه السلام: «العلم إما مطبوع أو مسموع»، وأحب أن أسوق لک بعض ما نقل فی إثبات وجود الخالق؛ إذا سمح وقتک بذلک.

أنور: نعم وأنا فی شوق لمعرفة ذلک.

حسن: یروی أنه عندما سُئل أعرابی عن وجود الله تعالی، فأجاب البعرة تدلّ علی البعیر، والأثر یدلّ علی المسیر، أ فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج لا تدلّ علی اللطیف الخبیر؟!، وما روی عن العجوز التی کانت تغزل صوفها فسئلت عن ذلک فأجابت: ما یدلّ علی وجود الله سبحانه مغزلی، فإن حرکته تحرک وإن ترکته سکن، فکیف نری هذا الوجود الواسع دون أن یکون له موجد وخالق؟، فذلک الأعرابی وتلک العجوز تکلما علماً دون أن


1- سورة القصص، الآیة: 85.

ص: 11

یقرءا أو یتعلما شیئاً، ولکن تمّت هذه المعرفة بالتفکر والفهم، وهذا ما أشار إلیه القرآن الکریم فی قوله تعالی:

((إِنَّ فِی خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّیْلِ وَالنَّهَارِ لآیَاتٍ لأُوْلِی الألْبَابِ (190) الَّذِینَ یَذْکُرُونَ اللّهَ قِیَامًا وَقُعُودًا وَعَلَیَ جُنُوبِهِمْ وَیَتَفَکَّرُونَ فِی خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً))(1). وهناک کثیر من الآیات الکریمة التی تدعو إلی التفکر.

أنور: حسناً، هذا کلام صحیح ومتین، فهل لک أن تشرح لی شیئاً عن التقلید وبعض ما یدور حول التوحید من المسائل العقائدیة؟

حسن: نعم إن شاء الله تعالی فی الجلسة القادمة.

…الحلقة 2: فی التقلید

أنور: سلام علیکم أخی حسن، هل نحن علی ما اتفقنا علیه من إتمام الجلسة؟

حسن: علیکم السلام ورحمة الله وبرکاته، نعم إن شاء الله.

أنور: إذن حدثنی عن التقلید وما معناه.

حسن: التقلید فی اللغة: هو أن نضع قلادة فی رقبة المقلّد، وأما معناه عند أهل الاختصاص فهو اتباع الفقیه فی مسألة أو مسائل شرعیة اتباعاً


1- سورة آل عمران، الآیة: 190 - 191.

ص: 12

عملیاً أی تطبیق فتوی المجتهد، فإذا أنت عملت بفتوی المجتهد عملیاً صرت مقلداً له.

وهذا لا یجوز فی أصول الدین، وإنما فقط فی فروع الدین وهی: الصلاة، الصوم، الزکاة، الحج، الخمس، الجهاد، الأمر بالمعروف، النهی عن المنکر، الموالاة، البراءة، وأما فی التوحید والعدل النبوة والإمامة والمعاد فهذا لا یجوز؛ لأننا __ کما قلت لک __ یجب أن نعرف ذلک بأنفسنا عن طریق قناعتنا بالأدلة العقلیة والنقلیة.

ولقد ذم الله سبحانه المقلدین لآبائهم بقوله تعالی:

((قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَیْنَا عَلَیْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ کَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ یَعْقِلُونَ شَیْئاً))(1).

وهذا معناه أن علی الإنسان أن یفکر ویتأمل، لیصل إلی الحق.

أنور: ما هو المانع أن أقلد فی أصول الدین أحداً من العلماء؟

حسن: التقلید لا یعطی الیقین، ویبقی احتمال الخطأ موجوداً فیه، فهذا یجوز فقط فی فروع الدین، لأن الله تعالی أمرنا بتقلید العالم فی فروع الدین، وبهذا تبرأ ذمتنا، لما ورد عنهم علیهم السلام :

«فلینظروا من کان صائناً لنفسه حافظاً لدینه مخالفاً لهواه مطیعاً لأمر مولاه فللعوام أن یقلدوه».


1- سورة البقرة، الآیة: 170.

ص: 13

أما فی أصول الدین فأمرنا الله تعالی بالتفکیر والتأمل والوصول إلی الحق بأنفسنا، ولا یغنی عنا تقلید أحد من العلماء.

وهناک نقطة أخری، أننا یجب أن نؤمن بالتوحید والعدل والنبوة والإمامة والمعاد؛ لکی ندفع الضرر المحتمل، أی یجب أن نرفع الاحتمال فی وقوع الضرر ونقطع ونتیقن بعدمه، وهذا لا یحصل من خلال التقلید، لأن التقلید کما قلت لک یبقی احتمال الخطأ موجوداً.

أنور: لماذا أذن یجب أن أقلد فی الفروع؟

حسن: لأن الإنسان المؤمن أمام ثلاثة أمور، فلابد أن یتصف بأحدها:

إما أن یجتهد ویصل الی رتبة المجتهد التی تغنیه عن تقلید الآخرین.

أو یکون محتاطاً أی یکون عارفاً بآراء جمیع العلماء فی عصره، فیأخذ الرأی الذی یُبرئ ذمته فی ذلک.

وأما أن یکون مقلداً للمجتهد.

فإذا لم یستطع أن یکون مجتهداً أو محتاطاً فیتعین علیه التقلید، أی یجب أن یقلد المجتهد.

أنور: قد أخذ الحدیث عن التقلید وقتاً کبیراً من الجلسة، ولذلک سأرجئ الأسئلة الأخری الی الجلسة القادمة.

حسن:  نعم، هذا ممتاز ولکن ما هی الأسئلة __ لو أمکن؟ __.

أنور: من هو الذی یجب أن أقلده وما هی صفاته؟

حسن: إذن، إن شاء الله فی الجلسة القادمة.

ص: 14

…الحلقة 3: فی المقلَّد

أنور: سبق أن سألتک سؤالاً عن المقلَّد وعن صفاته، ووعدتنی بالإجابة علیه فی الجلسة القادمة وها هو الوقت قد حان؟

حسن: نعم أنور علی الرحب والسعة، ذکر العلماء __ رضوان الله علیهم __ شروطاً للمقلَّد، فإذا توافرت هذه الشروط فی عالم وجب علیک تقلیده، وهذه الشروط أستطیع أن أسلسلها لک کما یلی:

البلوغ، العقل، الرجولة، الإیمان، بمعنی أن یکون اثنی عشریاً، العدالة، طهارة المولد، الضبط، بمعنی أن لا یقل ضبطه عن المتعارف، الاجتهاد، الحیاة، هذه الشروط إذا تحققت فی شخص جاز لنا أن نقلده.

أنور: فهل بالإمکان أن توضح لی هذه الصفات؟

حسن: نعم أنا فی خدمتکم أخی الکریم، مرادهم من البلوغ، أی أن یکون المقلَّد تجاوز حد الصبا ودخل فی مرحلة الرجولة، إما بالاحتلام، أو بإکماله خمس عشرة سنة قمریة، وأما قولهم: العقل، فهو أن یکون عاقلاً ولیس بمجنون، وأما مرادهم من الإیمان، فأن یکون من الطائفة الإمامیة الذین یؤمنون بإمامة الأئمة جمیعاً ابتداءً بعلی أمیر المؤمنین علیه السلام وانتهاءً بالإمام الحجة عجل الله فرجه الشریف، وأما العدالة فقصدهم منها أن یکون المجتهد الذی أرید تقلیده عادلاً، أی لم یترک واجباً ولم یفعل حراماً، وأما قولهم طهارة

ص: 15

المولد، فهو أن یکون متولداً من نکاح شرعی ولیس ابن زنی، والضبط الذی اشترطوه هو أنه لا ینسی أکثر من المتعارف، بمعنی أنه یستطیع أن یحفظ ویکون دقیقاً فی أقواله، وأما الحیاة التی أرادوها فی المجتهد، فهو أنه لا یجوز تقلید المیت ابتداءً علی رأی أغلب العلماء.

أنور: کأنک نسیت شرط الاجتهاد ولم تشرحه لی؟

حسن: لا أنا أردت أن أفرد له حدیثاً خاصاً، فالاجتهاد __ یا سیدی الکریم __، هو النظر فی الأدلة الشرعیة لتحصیل معرفة الأحکام الفرعیة التی جاء بها سید المرسلین  صلی الله علیه وآله وسلم، وهی لا تتغیر بتغیر الزمان والأحوال کما فی قولهم علیهم السلام: «حلال محمد حلال إلی یوم القیامة، وحرامه حرام إلی یوم القیامة».

أنور: أستاذی المحترم، أنا أطمع بشیء من البیان.

حسن: ما قصدته أن العالم الذی یبذل الجهد الکافی والنهائی فی النظر فی الأدلة الشرعیة التی هی، الکتاب الکریم والسنة الشریفة والإجماع والعقل ویستطیع أن یستنبط الأحکام من هذه الأدلة ویفتی بها هذا یسمی مجتهداً وعمله __ أی النظر والاستنباط __ یسمی اجتهاداً.

ص: 16

ص: 17

الفصل الاول: التوحید

اشارة

فی وجود الله تعالی

فی صفات الله تعالی

فی بیان أنواع التوحید

فی أن تعظیم أهل البیت علیهم السلام لیس شرکاً

فی بیان أنواع أخری من التوحید

فی أن الاستعانة بغیر الله لا تعد شرکاً

فی أن لا حول ولا قوة إلا بالله تعالی

ص: 18

ص: 19

…الحلقة 4: فی وجود الله تعالی

أنور: الآن وقد عرفت معنی الاجتهاد ومن هو المجتهد وما هی صفاته فهل لی أن انتقل إلی أسئلة أخری؟

حسن: نعم بکل سرور.

أنور: مع أننی لا أحتاج إلی الدلیل لإثبات وجود الحق سبحانه ولکن لا بأس بذکر بعض الأدلة لتکون ثقافة عقائدیة عندی وعند من یحتاج إلیها.

حسن: ذکر العلماء عدداً من الأدلة المختلفة فی جوهرها أو أسلوبها نذکر منها:

1 -  دلیل الفطرة: التی تنقسم إلی فطرة القلب وغیره، أی یدرک الإنسان بأن له رباً قادراً عندما تنقطع به السبل. وهناک کلام واسع فی هذا الدلیل ترکناه روماً للاختصار.

ص: 20

2 -  دلیل الإمکان: ومفاده أن الوجود ینقسم فی الخارج إلی واجب الوجود لذاته؛ وممکن الوجود؛ وممتنع الوجود، ولا بأس أن أوضح لک هذه المفاهیم:

أما واجب الوجود فهو الموجود الذی لا یحتاج فی وجوده الی غیره __ أی غنی مطلق __، ولیس فی الوجود أحد یتصف بهذا الوصف إلا الله تعالی. وأما ممکن الوجود فهو الموجود الذی یحتاج فی وجوده الی غیره، وهذا ینطبق علی جمیع الموجودات سوی الله تعالی، وأما ممتنع الوجود فهو ما لا وجود له، لأنه لا یمکن أن یکون، لأنه محال وکل محال باطل لیس بشیء، فممتنع الوجود لیس بشیء.

3 -  دلیل المعلولیة: ومفاد هذا الدلیل وتقریبه الی الأذهان یکون کالآتی:

هو أن لا شک فی وجود الموجودات فی الخارج، فهذه الموجودات معالیل، وکل معلول یحتاج إلی علة، فهذه الموجودات تحتاج إلی علة لیست بمعلولة، وهو الحق تعالی، ولکی أوضح لک ذلک؛ إن کل ما فی الوجود هو مخلوق لخالق وهو مصنوع لصانع وهذا الصانع أو الخالق یجب أن لا یکون لغیره وإلا لیس له میزة علی غیره، فإذن لابد من صانع غیر مصنوع وخالق غیر مخلوق ألا وهو الله تعالی.

4 -  الحدوث والتغیر: وتقریب ذلک أن العالم متغیر، وکل متغیر حادث فالعالم حادث مفتقر إلی محدث، وهذا المحدث لیس بجسم حتی لا یصیبه التغیر.

5 -  النظم والتناسب: من الواضح أن هذا الکون منظم ومتناسب، وللتوضیح أکثر نقول: إن کل ما فی الوجود منظم بنظام لا یقبل غیره، کخلقة آلة السمع وهی الأذن للسمع لا لغیره، وآلة اللسان للتکلم لا للبصر، وهکذا

ص: 21

وکل فعل مناسب لآلته، وهذا التنظیم والتناسب یدل علی وجود منظم عالم وحکیم ولیس کذلک إلا الله تعالی.

هذه بعض الأدلة التی سمح بها المقام أثبت بها وجود الباری جل وعلا، نکتفی بها مع أن هناک أدلة أخری؛ کالمحدودیة؛ ودلیل التدبیر؛ والهدایة؛ وغیرها لا حاجة لذکرها.

…الحلقة 5: فی وجود الله تعالی

أنور: ذکرت لی بعض الأدلة العقلیة التی تثبت وجود الباری عزوجل، فأردت أن أعرف ألم یتطرق أهل البیت علیهم السلام لذکرها فیکون لدی دلیل نقلی عن أهل بیت العصمة؟.

حسن: نعم أنا کنت راغباً بذکرها وأنت بادرتنی، سأعرض لک بعض أقوال الأئمة علیهم السلام فی ذلک.

أنور: جزاک الله خیراً أستاذنا الکریم.

حسن: وأنت لک جزیل الخیر والثواب لأنک تحب العلم والتعلم کما أنک دفعتنی لإعادة معلوماتی العقائدیة. نعم یا أخی جاء فی کتب العقیدة أقوال وآیات من القرآن الکریم توضح ذلک منها: قوله تعالی: ((إِنِّی وَجَّهْتُ وَجْهِیَ لِلَّذِی فَطَرَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ))(1)، فی هذا القول أشارة الی أن من معانی


1- سورة الأنعام، الآیة: 79.

ص: 22

الفطرة هی الخلقة؛ أی أنی وجهت وجهی للذی خلق السماوات والأرض، فالفطرة هی الخلقة الأولی، وفی هذه الخلقة أدراک لوجود الباری عزوجل ویؤکد هذا المعنی محاورة الإمام الصادق  علیه السلام مع رجل أراد أن یستدل علی وجود الله تعالی فأجابه الإمام  علیه السلام، «أرکبت سفینة فی البحر؟ قال: نعم، وکسرت بک السفینة وأخذک الغرق ولیس لک ما ینجیک وتقطعت بک الأسباب؟ قال: نعم، فقال هل تعلق قلبک بقدرة تنجیک مما أنت فیه؟ قال: نعم، فقال الإمام  علیه السلام أو عرفت من هو القادر علی أنقاذک من محنتک؟ قال: لا، قال الإمام  علیه السلام ذلک هو الله، أی أن القلب تعلق بمنقذ ولکن لا یعرفه وهذا هو معرفة الفطرة».

وورد عن أمیر المؤمنین  علیه السلام ما یبین أن معرفة الله تعالی مرتکزة فی الفطرة، وما کان دور الرسل والأنبیاء إلا دور المذکر والمنبه للغافل حیث یقول علیه السلام: «فبعث فیهم رسله وواتر إلیهم أنبیاءه لیستأدوهم میثاق فطرته ویذکروهم منسی نعمته ویحتجوا علیهم بالتبلیغ ویثیروا لهم دفائن العقول».

ومنها: قوله تعالی:((أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَیْرِ شَیْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ))(1)، فی هذه الآیة الکریمة أشارة واضحة إلی وجود العلة التامة ودحض لمن یقول إن الوجود جاء من العدم. کما أشار الإمام الباقر  علیه السلام بقوله: «فطرهم علی المعرفة به»، إلی معرفة الله تعالی بالفطرة.


1- سورة الطور، الآیة: 35.

ص: 23

ومما یدل علی أن کل شیء محتاج إلی الله تعالی فی وجوده وبقائه  قوله تعالی: ((یا أَیُّهَا النّاسُ أَنتُمُ الْفُقَراء إِلَی اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ))(1).

ومنها: قول الإمام الصادق  علیه السلام للزندیق عندما سأله: ما الدلیل علی صانع العالم؟ فقال الإمام  علیه السلام: «وجود الأفاعیل التی دلت علی أن صانعها صنعها ألا تری أنک إذا نظرت إلی بناء مشید مبنی علمت أن له بانیاً وإن کنت لم تر البانی ولم تشاهده».

ومنها: قوله تعالی الذی یشیر إلی أن کل ما فی الکون مصنوع ومخلوق له جل اسمه ولکن یحتاج إلی عاقل یتفکر، حیث قال تعالی: ((إِنَّ فِی خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّیْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْکِ الَّتِی تَجْرِی فِی الْبَحْرِ بِمَا یَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَاء فَأَحْیَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِیهَا مِن کُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِیفِ الرِّیَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَیْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآیَاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ))(2).

أنور: أحسنت سیدی الکریم لقد أثلجت صدری، ولکن هل لی أن أطلع علی صفات هذا الخالق العظیم والرب الجلیل؟

حسن: إن شاء الله سأتحدث لک فی الجلسة القادمة عن ذلک.


1- سورة فاطر، الآیة 15.
2- سورة البقرة، الآیة: 164.

ص: 24

…الحلقة 6: فی صفات الله تعالی

أنور: تحدثنا فی الجلسة السابقة عن طریق إثبات الحق سبحانه، ووعدتمونا أن تحدثونا عن صفات هذا الرب الرحیم والأله العظیم فنحن کلنا آذان صاغیة لکم.

حسن: لا یخفی علیک یا أنور أن الأدلة السابقة التی أثبتنا بها وجود الحق تعالی تشیر إلی صفات کمالیة عظیمة، وتشیر أیضاً إلی أنه تعالی حق غنی مطلق له کل صفات الکمال ومسلوب عنه کل صفات الممکنات.

أنور: ماذا تقصد بصفات الکمال وصفات الممکنات؟

حسن: الذی یعجبنی فیک یا أنور أنک دقیق، ولا تهمل شیئاً، وهذا مما یزید اهتمامی بتوضیح کل ما ترید.

أنور: أشکرک علی إطرائک سیدی الکریم.

حسن: شکراً لک: علی کل حال نرجع الی موضوعنا: ذکر العلماء صفاتٍ کمالیة وأخری سلبیة، ومعنی ذلک أن الصفات الکمالیة هی الصفات التی تکون عین ذات الله تعالی؛ کالعلم؛ والقدرة؛ والحیاة ولیست هی خارجة عن ذاته، وأما صفات الممکنات أی صفات المخلوقات التی یستحیل أن یتصف بها سبحانه فهی مسلوبة عنه، فلذلک تسمی بالصفات السلبیة؛ کالخفة؛ والثقل؛ والطول؛ والقصر؛ ولیس بجسم؛ ولیس بعاجز؛ ولیس بجاهل؛ ولیس بمرکب؛ وغیرها من الصفات السلبیة التی یتصف بها الممکن (المخلوق) ولیس الخالق سبحانه.

ص: 25

أنور: أنا أسمع عن صفات أخری مثل الخالقیة والرازقیة والرحیمیة والرحمانیة فهذه من أی الصفات؟

حسن: هذه الصفات التی ذکرتها هی الصفات الفعلیة وهی ترجع إلی صفات الذات، أی أن الله تعالی لا یمکن أن یکون خالقاً وهو غیر حی؛ أو غیر عالم أو غیر قادر؛ وکذلک لا یکون رازقاً وهو لا یتصف بصفات الکمال.

أنور: أنا أحببت أن أسألک عن التوحید وأقسامه؛ فهل لک أن تجیبنی عن ذلک؟

حسن: نعم بکل سرور، التوحید، هو: أن نعتقد بأن الله تعالی واحد، أحد، لا شریک ولا مثیل ولا شبیه له وینقسم علی عدة أقسام نذکرها بالآتی:

1 -  التوحید الذاتی: أی، أننا نعتقد أنه فی ذاته واحد أحد لا شریک ولا شبیه ولا نظیر له.

2 -  التوحید العبادی: أی، نعبد الله تعالی وحده لا شریک له، ونطیعه ونخلص له ولا نعبد سواه کالشیطان أو الهوی أو المال أو الجاه وغیرها من الأمور التی تؤثر علی إخلاص الإنسان وعبادته.

3 -  التوحید الصفاتی: هو أننا نعتقد أن صفاته الذاتیة هی عین ذاته ولیس زائدة علی الذات.  فلو قلنا مثلاً: إن الله تعالی قدیم أزلی وصفاته معه قدیمة وأزلیة لوقعنا فی مشکلة، وهی أن الله تعالی معه أحد، وهی الصفات، فیکون عدد القدماء والأزلیین أکثر من واحد؛ ولکن نحن نعتقد أنه تعالی فقط هو الذی یتصف بالأزلیة والقدم.

ص: 26

4 - التوحید الأفعالی: هو أننا نعتقد أن الفاعل، أی الخالق والرازق والمحیی والممیت والنافع والضارّ هو الله تعالی وحده، ولیس لأحد أیاً کان مقامه شراکة معه فی الخلق والرازقیة والعطاء والمنع وغیرها من الأفعال. هذه أقسام التوحید التی نؤمن بها.

أنور: ممتاز صار لدی أسئلة مهمة بسبب هذا الکلام، سأسمع أجوبتها منک فی الجلسة القادمة إن شاء الله تعالی.

حسن: نعم، إذن إلی الجلسة القادمة.

…الحلقة 7: فی بیان أنواع التوحید

أنور: أنا انتظر __ سیدی الکریم __، هذه الجلسة علی أحر من الجمر، لأسأل سؤالاً مهماً.

حسن: تفضل أنور، اسأل ما بدا لک.

أنور: أنت قلت فی التوحید الأفعالی، إن الفاعل والخالق والرازق هو الله تعالی؛ وهذا عین الحق والصواب، ولکن أنا أسمع بعض عوام الناس یطلبون من الأئمة علیهم السلام أن یعطیه الصحة؛ أو یطلب من سیدنا العباس، أن یرزقه الولد، وغیر ذلک، فهل هذا صحیح، وکیف أفسره؟

حسن: أنا أؤکد علی أن الخالق والرازق هو الله وحده لا شریک له، وما تسمعه من الناس لیس طلباً من الإمام أن یفعل؛ وإنما قصدهم التوسل بمقام

ص: 27

الإمام وبمحبته عند الله تعالی، أن یعطیهم الله تعالی طلبهم بوساطة هذه الوسیلة ألا وهی الإمام  علیه السلام.لأن الله تعالی قال فی کتابه الکریم: ((وَابْتَغُواْ إِلَیهِ الْوَسِیلَةَ))(1). وقال تعالی عن النبی عیسی: بأنه وجیهٌ عند الله تعالی کما فی قوله تعالی: ((إِذْ قالَتِ الْملآئِکَةُ یا مَرْیَمُ إِنَّ اللّهَ یُبَشِّرُکِ بِکَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِیحُ عِیسَی ابْنُ مَرْیَمَ وَجِیهًا فِی الدُّنْیَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِینَ))(2)،  وهذا یدل علی صحة اللجوء إلی من له جاه عند الله تعالی، لنیل المطالب، سیما إذا کان الطالب مقصراً فی عبادته وطاعته؛ وسأشرح لک هذا فی جلسات قادمة، عندما نتعرض لشرح التوسل والتقرب إلی الله تعالی.

أنور: کانت هذه الإجابة رغم الاختصار جیدة ونافعة، وسنسمع ما هو أوسع من هذا البیان عند وصولنا إلی محلها.

حسن: إن شاء الله تعالی.

أنور: والآن هل لک أن تبین لی معانی التوحید التی ذکرتها؟

حسن: نعم، نعم سأبدأ بتوضیح معنی التوحید الذاتی فأقول:

ذکر سبحانه فی کتابه ما یدل علی أن الذات الإلهیة واحدة غیر متعددة وغیر مرکبة من أجزاء کما فی قوله تعالی: ((وَإِلهُکُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِیمُ))(3)، ففی هذه الآیة إشارة صریحة إلی أن ذات الله تعالی من


1- سورة المائدة، الآیة: 35.
2- سورة آل عمران، الآیة: 45.
3- سورة البقرة، الآیة: 163.

ص: 28

حیث العدد، ذات واحدة؛ ولیس هناک إله آخر غیر الله تعالی، ولکن قوله تعالی (واحد) لا یقصد أنه رقم واحد وهناک رقم اثنین، لا، بل المقصود وکما قال أمیر المؤمنین  علیه السلام: «معنی واحد أنها لیس له فی الأشیاء شبه کذلک ربنا...».

وأما کونه بسیطاً غیر مرکب من أجزاء فللدلیلین الآتیین:

دلیل العقل: یقول إنه تعالی لو کان مرکباً من أجزاء لصار جسماً أو لأصبح محتاجاً الی أجزائه والله تعالی غیر محتاج، بل هو غنی مطلق إذن هو غیر مرکب.

دلیل النقل: هو قوله تعالی: ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ یَلِدْ وَلَمْ یُولَدْ (3) وَلَمْ یَکُن لَّهُ کُفُوًا أَحَدٌ))(1) وفی هذه السورة، نفی لوجود الشبیه والمثیل والنظیر والترکیب والأجزاء. هذا الکلام مختصر مما یسمح به المقام.

وأما قولنا فی التوحید العبادی فنقول: إن العبودیة لله تعالی فقط، أی الخضوع والتذلل له وحده لا شریک له، وهذا ما أکدته الآیة الکریمة ((أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاّ إِیّاهُ))(2) هذا الخضوع والتذلل له تعالی، لاعتقادنا بأنه: المعبود والخالق والرب وله الأسماء الحسنی والصفات العلیا.

أنور: وماذا یفسر خضوعنا أو تذللنا للأب والأم أو العالم أو للإمام علیه السلام؟

حسن: نحن نخضع لهم، لأن الله تعالی أوصی بذلک فهو امتثال لأمر الله تعالی هذه أولاً، وثانیاً: خضوعنا لیس لأنهم آلهة، أو أرباب، بل من باب التعظیم والاحترام والإجلال والتوقیر وهذا من أخلاق المسلم إزاء والدیه، أو


1- سورة التوحید، الآیة: 1-4.
2- سورة یوسف، الآیة: 40.

ص: 29

إمامه، أو العالم الذی یعلمه، ألا تسمع قول الشاعر:

قف للمعلم وفّه التبجیلا

کاد المعلم أن یکون رسولا

أنور: هل هناک دلیل قرآنی علی صحة ما قلت؟

حسن: نعم وما أکثر ذلک!.

وسأوافیک فی الجلسة القادمة إن شاء الله.

…الحلقة 8: فی إن تعظیم أهل البیت  علیهم السلام لیس شرکاً

أنور: وعدتنی بذکر الدلیل القرآنی، علی أن هذا التذلل والخضوع للأئمة  علیهم السلام، أو الوالدین لیس عبادة ولا یکون فیه شیء من الشرک، فکیف؟

حسن: کلنا یعلم بالوجدان، أن من تذلل أو أطاع أو خضع لغیره لم یکن عابداً له طالماً أنه لایعتقد أن المطاع أو المخضوع له إله أو رب، بل هو من التبجیل والاحترام، وهناک بعض الآیات الکریمة التی سأذکرها لک فیها دلالة کبیرة علی ذلک کقوله تعالی:

((وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِکَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ...))(1).

فهنا بین الله تعالی أن السجود لآدم لم یکن عبادة لآدم؛ وانما تعظیم وإجلال لسرّ فیه.


1- سورة البقرة، الآیة: 34.

ص: 30

وقوله تعالی:((وَرَفَعَ أَبَوَیْهِ عَلَی الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا...))(1).

وهذا السجود من أهل نبی الله یوسف لولدهم یوسف علیه السلام لم یکن من باب العبادة، بل هو من باب التعظیم والإجلال.

وهذا عینه ما نراه من فعل الشیعة حینما یسجدون مقبلین عتبات ضرائح الأئمة  علیهم السلام فسجودهم تخضعاً وتذللاً لا اعتقاداً بکون الأئمة  علیهم السلام أرباباً من دون الله؛ تعالی عن ذلک علواً کبیراً...  .

أنور: رائع، رائع. إذن خسر المفترون علینا بأننا مشرکون نعبد الأئمة علیهم السلام.

حسن: نعم، وهذا واضح لکل ذی بصیرة.

أنور: سیدی الکریم طالما نحن بصدد العبادة والعبّاد، هل لی بسؤال؟

حسن: نعم تفضل.

أنور: أنا قرأت أن العبّاد علی ثلاثة أقسام؛ منهم التجار؛ ومنهم العبید؛ ومنهم الأحرار، وکأن هذا القول الذی صدر عن أمیر المؤمنین وأهل البیت  علیهم السلام ظاهره ذم النوعین الأولین، أی ذم عبادة التجار وعبادة العبید فهل هذا صحیح؟

حسن: کلا، لم یکن الإمام  علیه السلام فی مقام الذم، بل هو فی مقام بیان أنواع العباد والعبادات وبیان أکمل الأنواع، لأن الإنسان إذا أراد أن یعبد الله تعالی طمعاً فی الجنة، فلیس فی ذلک بأس ما دام هو عابداً لربه، أو یعبده خوفاً


1- سورة یوسف، الآیة: 100.

ص: 31

من ناره فلیس فی ذلک بأس مادام هو عابداً لربه، ولکن أفضل العبادة عندما تکون مجردة عن الطمع والخوف، وأنما حباً لله تعالی، أو شکراً لهذا المنعم الذی له نِعَمٌ علینا لا تعد ولا تحصی.

أنور: أنا عندی أسئلة کثیرة فی العبادة، منها هل فعلاً هناک من یعبد غیر الله تعالی وهو عاقل تام العقل؟

حسن: نعم هناک کثیر من الذین وقعوا فی شباک إبلیس، فأوقعهم فی الشبهات العقائدیة، وهناک من یعبد أئمة متعددة وهو مؤمن بوجود الله تعالی.

أنور: عجیب! کیف؟ هل لک أن توضح ذلک؟

حسن: قبل أن أتحدث عن ذلک أرید أن أقول لک شیئاً، لو جاء أمر إلهی إلی الناس وقال: من لم یعبد لا ندخله الجنة. ولا ندخله النار، کم یبقی من العباد؟

أنور: أظن لا یبقی إلا من کان عابداً لله تعالی حباً وشکراً، أو من کان طامعاً فی الجنة وهؤلاء قلة.

حسن: الآن أبین لک ما تحب، یا سیدی هناک من یعبد الآلهة الغلیظة، کعباد الأصنام وعبّاد الشمس أو القمر أو الأشخاص، وهناک من یعبد الآلهة الرقیقة کعبّاد الهوی، وعبّاد الجاه، وعبّاد المدح والثناء وهؤلاء مع علمهم بوجود الله تعالی وبحق عبادته إلا أنهم یعبدون غیره، أی لکی یکون لهم جاه عریض أو لکی ینالوا المدح والثناء.

أنور: أعوذ بالله من ذلک. أراک تنظر إلی ساعتک؟

حسن: نعم سأکمل لک لاحقاً لأن لدی موعداً لابد من الوفاء به.

ص: 32

…الحلقة 9: فی بیان أنواع أخری من التوحید

أنور: أحببت أن أسأل بعض الأسئلة طالما نحن بصدد الکلام عن التوحید.

حسن: نعم تفضل.

أنور: هل هناک أنواع أخری من التوحید؟

حسن: ذکر العلماء وأهل الاختصاص أن هناک أنواعاً أخری فضلاً عمّا ذکر من التوحید الذاتی والتوحید الصفاتی والتوحید الأفعالی، هی التوحید التشریعی والتوحید الإطاعتی والتوحید الاستعانی والتوحید الحبی.

أنور: ما شاء الله تعالی! ما أحلی هذا الکلام!... هل لک أن توضح لی ما معنی هذه الأقسام؟

حسن: نعم ذکروا أن التوحید التشریعی: هو المعرفة بأن التقنین والتشریع حق للخالق والرب، لأنه یعرف مخلوقاته ویعرف ما یصلح لهم، وکل مشرع ومقنن لا یستطیع أن یلم بباطن الإنسان وظاهره فضلاً عن الأسباب الخفیة التی لا یعلمها إلا الله تعالی، ولهذا جاءت کثیر من الدساتیر والقوانین ناقصة أو ضیقة وفیها کثیر من الأخطاء، لأن المشرع هو الإنسان الذی لا یخلو من الخطأ بسبب الشهوة والهوی.

أنور: ولکن نری أن الأنبیاء لهم حق التشریع، فکیف ذلک؟

حسن: نعم، وهذا لا یتناقض مع ما قلناه؛ لأن الأنبیاء علیهم وعلی نبینا الصلاة والسلام، أُذنَ لهم فی التشریع ولکن لیس من عند أنفسهم، ثم

ص: 33

لو نظرنا الی إسناد الفعل نجده مرتبطاً به تعالی، لأن النبی لا یتکلم إلا عن وحی إلهی.

أنور: نعم، أکمل لی توضیح الأقسام الأخری رجاءً.

حسن: تأمرنی، أنور أنا مسرور لهذا الإصرار علی التعلم، لأنک تجسد قول النبی الأکرم  صلی الله علیه وآله وسلم:

«أطلب العلم من المهد الی اللحد».

فیا سیدی الکریم نقول:

إن التوحید الإطاعتی: المراد منه أن الطاعة لله تعالی فقط، ومن یطع غیره یکن قد أشرک به تعالی علواً کبیراً.

أنور: عجیب کیف یکون المطیع لغیر الله تعالی مشرکاً؟ هل معنی هذا طاعتنا للنبی  صلی الله علیه وآله وسلم ولأهل البیت  علیهم السلام وللوالدین وللمعلمین شرکٌ بالله تعالی؟

حسن: لا، لا یا أنور لا تلتبس علیک اللوابس.

المقصود أن الذی یطیع النبی  صلی الله علیه وآله وسلم وأهل البیت والوالدین وغیرهم بعنوان مستقل، أی یجعل طاعتهم فی قبال طاعة الله تعالی، هذا هو ما أشرت إلیه بقولی: (قد أشرک).

أنور: إذن کیف نوجه القول أو کیف نفسره؟

حسن: نقول: إن الله تعالی له الطاعة المطلقة وهو الذی یأمر وینهی، ولکن بما أنه تعالی أمر بطاعة الرسول وأهل بیته فی قوله تعالی:

ص: 34

((یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ أَطِیعُواْ اللّهَ وَأَطِیعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِی الأَمْرِ مِنکُمْ...))(1)، صارت طاعتهم واجبة، وهی امتثال لأمره تعالی، فلا تعارض فی المقام، وکذلک الوالدان أو من له حق الطاعة، إنما نطیعهم لأن الله تعالی أمر بذلک فطاعتهم امتداد لطاعة الله تعالی، بل هی عین طاعة الله تعالی.

أنور: وهل نستطیع أن نتصور أن هناک مشرکین فی مقام الطاعة؟

حسن: نعم، وهذا واضح بأدنی تأمل!

أنور: کیف؟ لو سمحت.

حسن: إن الله تعالی یأمرنا بأوامر وینهانا بنواهٍ، فیأمرنا بطاعته وینهانا عن معصیته، ولکننا نجد من الناس من یأتمر للشیطان ویرتکب ما یأمره به من معاصٍ، فیصبح مطیعاً للشیطان دون الرحمن فیکون قد أشرک الشیطان فی مقام الطاعة.

وبتوضیح أکثر عندما نتأمل هذه الآیة الکریمة:

((أَرَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ...))(2).

یظهر لنا أن بعض الناس من یعبد الهوی دون الله تعالی، أی یجعل أمر الله تعالی وراء ظهره  ویقدم أمر الهوی والشهوات والشیطان، وهذا هو عین الطاعة لغیر الله تعالی...  .

وسأکتفی بهذا القدر إلی الجلسة الآتیة إن شاء الله تعالی.


1- سورة النساء، الآیة: 59.
2- سورة الفرقان، الآیة: 43.

ص: 35

…الحلقة 10: فی أن الاستعانة بغیر الله لا تعد شرکاً

أنور: نعم کنا فی صدد معرفة أقسام التوحید وبعد أن اکتفیت فی الحدیث عن التوحید الإطاعتی، أود الاستماع إلیک عن التوحید الاستعانی.

حسن: المراد به هو أن لا یستعین العبد فی أموره إلا به تعالی، وهو تجسید لقوله تعالی: ((إِیَّاکَ نَعْبُدُ وإِیَّاکَ نَسْتَعِینُ))(1)، فمنه __ وحده __ نستمد العون علی أمورنا.

أنور: ولکن أسمع کثیراً من الشیعی عندما یرید فعل شیء یحتاج إلی جهد عضلی یقول: (یاعلی...) فهل هذا مناقض لما تقول؟

حسن: الکثیر ممن لدیه المعرفة فی العقائد الحقة یسخر ویستهزئ من هؤلاء القائلین مع العلم أنهم عندما ینطقون بهذه العبارة لیس قصدهم أننا نستغنی ب_(علی) عن الله تعالی، ولیس قصدهم أن (علیا) رب فیستطیع تدبیر الأمور، کلا وألف کلا (علی  علیه السلام) هو عبد من عبید الله تعالی وعلیه حق الطاعة لله تعالی بل أکثر الناس عبودیة وانقیاداً لله تعالی بعد الرسول الأکرم  صلی الله علیه وآله وسلم (وعلی) وأولاده من أکثر الناس الذین بینوا فقرهم وعجزهم وطلبهم للعون الإلهی، بل نحن نعتقد أن علیاً  علیه السلام مخلوق لله تعالی، محتاج إلیه، لا یستطیع أن یفعل شیئاً بدون إقدار الله تعالی، ولکن فی نفس الوقت نعتقد أیضاً أن علیاً وصی رسول رب العالمین وأنه ذو مقام کبیر عند ربه وهو وجیهٌ عند الله تعالی، فنتوسل به إلی الله تعالی لکی یعیننا ربنا علی قضاء ما نرید، کما استعان نبی الله


1- سورة الفاتحة، الآیة: 5.

ص: 36

سلیمان علیه الصلاة والسلام بوصیة آصف بن برخیا، بنقل عرش بلقیس بإذن الله تعالی بطرفة عین، وهذا خارج عن الشرک فی الاستعانة، وإنما یتحقق الشرک فی الاستعانة إذا نظرت الی علی  علیه السلام أنه یفعل ویقضی الحاجات بالاستقلال دون عون الله تعالی، ودون إذنه ودون إقداره، وفی هذا تفصیل کثیر نترکه لمحله.

أنور: أحسنتم کثیراً، نعم وما هو التوحید الحبی؟

حسن: التوحید الحبی، هو أن نرکز حبنا لله تعالی، لأنه هو الجمال والکمال المطلق وکل شیء جمیل وحسن وکامل فهو منه فکیف نحب الفرع ونترک الأصل؟ لا لابد أن لا نجمع بین حب الله تعالی وحب غیره فی قلب واحد، هذا خلاف الصدق فی الحب.

أنور: مرة أخری أجد نفسی قد وقعت فی مشکلة أخری.

حسن: یا ساتر ما هی المشکلة الأخری؟!

أنور: کیف نرکز الحب فقط تجاه الله تعالی ونترک حب الرسول وأهل بیته والوالدین والأرحام والأصدقاء وغیر ذلک؟ لا یوجد إنسان یحب الله تعالی فقط بل یحب معه الأنبیاء والصالحین والأرحام وغیرهم فکیف بالله علیک؟

حسن: هذا الجواب کالجواب السابق نحن نحب الله تعالی فقط، ونحب من یحبه الله تعالی، لأنه حبیب المحبوب ونحب من أوصی الله تعالی بحبه کما فی قوله تعالی: ((قُل لا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی...))(1)، فالله


1- سورة الشوری، الآیة: 23.

ص: 37

تعالی هو الذی أوصی بحب الأنبیاء والرسل والأئمة والوالدین والأولاد والمؤمنین والأرحام، وأُؤکد لک حتی لو لم یوصنا الله تعالی بحبهم لکان واجباً علینا أن نحب من یحبه الله تعالی؛ وهناک کلام أعمق من هذا لیس هنا محل قوله.

أنور: أذکر __ لو سمحت __ شیئاً بسیطاً من هذا الکلام العمیق؟

حسن: نقول: إن الحبیب عندما یحب حبیبه لابد أن یحب آثارة وإلاّ یلزم نقصان الحب وعدم الصدق فیه.

أنور: شکراً جزیلاً أنت تشعرنی بضرورة تعلم العقائد بشکل مرکز لأکون من المختصین فیها.

حسن: یا لیت یحصل هذا، نکون قد کسبنا عالماً وشخصاً حصن نفسه عن الشبهات. إذن إلی اللقاء.

…الحلقة 11: فی أن لا حول ولا قوة إلا بالله تعالی

أنور: کنا نتحدث عن أنواع التوحید، ومادام الحدیث فی هذا الصدد تختلج فی صدری بعض الأسئلة وأنا فی أمس الحاجة الی معرفة أجوبتها؟

حسن: نعم بکل سرور أنور، ولکن أرجو أن تطرح سؤالا واضحاً غیر مبهم.

أنور: نعم.. نعم، بکل تأکید، مما یرد فی ذهنی من الأسئلة سؤال حول وجوده تعالی وهو: لو سُئلنا من خلق الله تعالی فما هو الجواب

ص: 38

المناسب لذلک؟ وسؤال آخر کیف نفسر قولنا: «بحول الله وقوته أقوم واقعد، والحال نحن نقوم ونحن نقعد؟» وهل لنا أن نعرف شیئاً عن صفاته کعلمه وقدرته وحیاته؟

حسن: ممتاز هذه الأسئلة جیدة ومهمة، سنبدأ بالإجابة علی السؤال الأول فنقول: قولنا: من خلق الله تعالی؟ فیه تناقض مع عقیدتنا بألوهیة هذا الإله، وببساطة إن اعتقادنا بأن الإله یجب أن یکون غنیا مطلقا یلزم منه أن لا یحتاج إلی غیره، فإذا قلنا: إنه مخلوق یعنی أنه محتاج إلی غیره وهذا لا یستحق أن یکون إلها، فقولنا: من خلق الله تعالی؟ کلام فیه مغالطة وغفلة من قبل السائل، فلذلک لابد من تنبیه السائل إلی أن الله تعالی غنی مطلق ولیس بحادث أو مخلوق محتاج إلی خالق.

وأما جواب السؤال الثانی فهو کالآتی:

کل مخلوق لیس لذاته قدرة فی وجوده ولا فی بقائه، أی أننا نحتاج الی الله تعالی وجودا وبقاء، فکل شیء قائم به تعالی وهذا معنی قوله تعالی: ((اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَیُّ الْقَیُّومُ...))(1)، أی القائم بذاته والمقوّم لغیره، فإذن نحن مقومون بقدرة الله تعالی، أی هو الذی أقدرنا علی أفعالنا وحرکاتنا وسکناتنا، فلو سلب الله تعالی قدرته عنا لأصابنا العجز، فقدرتنا مستمدة من القدرة الإلهیة وقوتنا مستمدة من القوی العزیز، وکل مالنا من الکمال والجمال فهو منه، وهذا ما یؤکده هذا المقطع فی الأدعیة «ربنا ما بنا من نعمة فمنک سبحانک لا إله إلا أنت».


1- سورة آل عمران، الآیة: 2.

ص: 39

ویعبر الفلاسفة وعلماء الکلام عن قدرة المخلوق أنها فی طول قدرة الله تعالی ولیس فی عرضها.

أنور: ماذا تقصد بقولک فی «طول قدرة الله تعالی ولیس فی عرضها»؟

حسن: أی أن القدرة التی یتصرف بها المخلوق لیس من محض ذاته ولیس له الاستقلال فی إیجاد هذه القدرة بذاته، وکذلک لو لم یُقْدره الله تعالی لما استطاع إعمال قدرته فی أی مجال من مجالات الحیاة، ولم تکن هذه القدرة فی قبال قدرة الله تعالی؛ أی أن المخلوق لا یساوی الخالق فی کل صفة وإلا یلزم من ذلک أن یکون الممکن المخلوق واجبا خالقا وهذا معنی الانقلاب المحال.

أنور: عذرا سیدی أخذت تطرح بعض المصطلحات الفلسفیة یرجی بیانها بوضوح؟

حسن: بخدمتکم. أظن أنکم تقصدون مصطلح الممکن والواجب والانقلاب المحال .. ألیس کذلک؟

أنور: بلی، بالضبط.

حسن: یا سیدی الکریم قولنا الممکن: أی الذی یمکن أن یوجد أو یمکن أن یبقی فی العدم، وقولنا، الواجب: أی الذی یجب أن یکون موجودا منذ الأزل وغیر محتاج إلی من یوجده. وقولنا الانقلاب المحال: أی ینقلب الممکن المحتاج إلی واجب غنی وهذا محال.

أنور: شکرا لکم ماذا عن السؤال الثالث؟

حسن: فی الجلسة القادمة إن شاء الله تعالی.

ص: 40

…الحلقة 12: فی تکملة صفاته تعالی

أنور: کنا فی صدد الجواب عن السؤال الثالث، الذی کان عن صفات الله تعالی؟

حسن: سبق وأن تطرقنا إلی إثبات انه تعالی واجب الوجود ومطلق الوجود وصرف الوجود، فإذا کان کذلک، ستکون خصائص الممکنات مسلوبة عنه.

أنور: هل لکم ان توضحوا لنا اکثر؟

حسن: حسناً نذکر لکم بشکل موجز، قلنا: إن کل معقول أی مدرَک أما أن یکون واجب الوجود فی الخارج لذاته، وأما ممکن الوجود لذاته، وأما ممتنع الوجود لذاته، وفی هذا التقسیم دلالة علی أن هناک موجوداً بالضرورة، فإن کان واجباً ثبت المطلوب، وإن کان ممکنا افتقر إلی موجد ینتهی إلی واجب الوجود، وأما ممتنع الوجود لذاته فهو ممتنع لیس له وجود، وهذا الواجب الذی کان وجوده ضروریاً فهو مطلق غیر محدود سواء علی مستوی الذات أو الصفات، وهو صرف، أی لا یتثنی ولا یتکرر احد صمد واحد لا بالعدد، فإذا کان هذا الإله متصفاً بهذه الصفات فهو حتماً لا یتصف بصفات الممکنات.

أنور: ما شاء الله ما أحلی وأجمل هذا الاستدلال!

حسن: نعم هذا من الأدلة المهمة فی إثبات المبدأ المتعال.

ص: 41

أنور: أخی حسن، کلی آذان صاغیة فی الاستماع إلیک، فأرجو الاستمرار.

حسن: نعم إن شاء الله تعالی.

نعود فنقول: إذا کانت الصفات أو الخصائص المتعلقة بالممکن منتفیة عنه تعالی فمن الواضح أنه لیس بجسم ولا مرکب ولا مرئی ولا صورة ولا جوهر ولا عرض، وکذلک لا یوصف بالثقل ولا الخفة ولا الجهة ولا قید ولا شرط ولا حرکة ولا سکون ولا نقصان ولا مکان ولا زمان له، لأن کل هذه الأمور من صفات الممکن المحدود، فإذا انتفت هذه الصفات وغیرها من صفات الممکنات استلزم اتصافه تعالی بالصفات الکمالیة.

أنور: لماذا قلت استلزم اتصافه بالصفات الکمالیة، وکأنما ترید أن تقول: إذا أرتفع النقیض ثبت النقیض الآخر ألیس کذلک؟

حسن: أحسنتم کثیراً هذا هو المقصود لأن ارتفاع النقیضین محال.

أنور: ممکن أن تمثل لی، بمثل یقرّب الفکرة أکثر؟

حسن: نعم لو قلنا: إنک إنسان وأثبتنا ذلک فیرتفع الوصف بأنک لا إنسان، ولو قلت ما هو المانع لو ارتفع الوصفان __ إنسان ولا إنسان __ عنی؟

قلنا: هذا هو معنی ارتفاع النقیضین، وهذا محال إنک إنسان ولا إنسان فی آن واحد، وشروط واحدة.

أنور: شکراً جزیلاً اتضحت الفکرة. والآن أرجو الاسترسال فی الکلام؟

ص: 42

حسن: نعم، إن الحق سبحانه إذا ارتفعت عنه صفات الممکن تثبتت له صفات الواجب.

أنور: ما هی هذه الصفات التی ثبتت؟

حسن: إن الصفات علی قسمین: ثبوتیة وسلبیة، فالسلبیة هی التی تکلمنا عنها وقلنا هی منتفیة عنه تعالی، لأنها لا تلیق به تعالی عن ذلک علواً کبیراً، وأما الصفات الثبوتیة فهی علی قسمین أیضاً:

أ -  صفات الذات: وهی التی یکفی فی انتزاعها ملاحظة الذات فحسب: أی إذا أردنا أن نعرفها ننظر الی الذات المقدسة فنری أن الصفة الذاتیة لا یجوز اجتماعها مع نقیضها، ولا یمکن أن تثبت مرة وترتفع أخری مثلاً کقولنا: (هو عالم) وأخری (غیر عالم) یعنی مرة یتصف بالعالم وأخری لا یتصف به، هذا محال، فهو عالم، قادر، مختار، حی، مرید، قدیم، أزلی، فهذه الصفات یتصف بها ذاتاً أی لم ولن تنسلخ أو تتخلف مرة واحدة.

ب -  صفات الفعل: وهی التی یتوقف انتزاعها علی ملاحظة الآخر، کالخلق والرزق والغفران وغیرها من صفات الفعل فهو تعالی مثلاً غافر بالنسبة إلی المؤمنین وغیر غافر بالنسبة إلی المشرکین.

أنور: أراک تنظر إلی ساعتک وکأنک تعلن انتهاء الجلسة؟

حسن: نعم لک الشکر علی هذه النباهة، وسنکمل فی الجلسة القادمة إن شاء الله تعالی.

ص: 43

…الحلقة 13: فی تکملة صفاته تعالی

أنور: تعلم یا سیدی کم أنا متلهف لسماع هذه الأبحاث، إنها نعمة کبیرة.

حسن: نشکر الله تعالی علی نعمة العلم.

أنور: إذن سنکمل حدیثنا إن شاء الله تعالی.

حسن: نعم بکل سرور کان الحدیث فی صفات الله تعالی ووقفنا عند ذکر الصفات الفعلیة التی هی القسم الثانی من الصفات الثبوتیة ألیس کذلک؟

أنور: بلی وقفنا عند ذلک.

حسن: قلنا: إن الصفات الثبوتیة علی قسمین:

الأولی: صفات الذات أی الصفات الذاتیة.

الثانی: صفات الأفعال أی الصفات الفعلیة.

فالصفات الذاتیة هی من الصفات الکمالیة، لأنها کمال الذات دون الصفات الفعلیة فهی متأخرة عن رتبة الذات، فلا تصلح أن تکون کمالا لله تعالی؛ نعم هی ناشئة عن کمال ذاته.

أنور: هل لک أن توضح لنا شیئا عن صفات الکمال؟

حسن: نعم، من صفات الذات التی هی من الصفات الکمالیة صفة العلم والقدرة والحیاة، وسأتحدث عن هذه الصفات بشکل مختصر نافع.

ص: 44

العلم إنه تعالی عالم لا یعزب عن علمه شیء من الأمور، لأن الجهل بشیء نقص ینافی الکمال الإلهی، ونستطیع أن نستدل علی علمه تعالی بما یلی:

1. إن عدم العلم یعنی الجهل، والجهل نقص ینافی الکمال المطلق لله تعالی وهو منفی ومسلوب عنه تعالی، إذن ثبت نقیض الجهل وهو العلم.

2. ما صدر من تنظیم وتناسب فی الخلق یدل علی العلم والحکمة عند الناظم، فهو یعلم بالأشیاء قبل وجودها وبعد وجودها.

3. علمه بذاته علم حضوری لأننا نعلم بذاتنا وهو خالق لنا، فإذن هو واجد للعلم ولولا أنه واجد لما أفاض علینا العلم لأن فاقد الشیء لا یعطیه.

أنور: لدی سؤال إذا کان ممکنا وهو إننا نقرأ فی القرآن الکریم قوله تعالی: ((وَلَنَبْلُوَنَّکُمْ حَتَّی نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِینَ مِنکُمْ وَالصَّابِرِینَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَکُمْ))(1)، وهناک آیات أخری ظاهرها أنه لا یحصل العلم ألا بعد الامتحان والاختبار فکیف ینسجم هذا مع علمه الأزلی؟

حسن: سؤال رائع ومهم جداً: نقول أنه تعالی له علم ذاتی أزلی قدیم تبعا لأزلیته وقدمه تعالی وهذا العلم هو العلم بالأشیاء قبل إیجادها، کیف ستکون، وفی أی زمان ومکان ویعلم بکل جزئیاتها، فهذا علم أزلی لا یتغیر ولکی یظهر علمه بالأشیاء وینطبق العلم علی المعلوم، فلابد من الاختبار والتمحیص، فکأنما یرید أن یقول سبحانه فی قوله هذا ما کان معلوماً لنا قبل


1- سورة محمد، الآیة: 35.

ص: 45

اختبارکم، بل قبل وجودکم سنظهره باختبارکم فیظهر ما علمناه منذ الأزل مطابقا لما سیقع منکم.

أنور: أحسنتم، هل إن علمه محیط بکل شی؟

حسن: علمه تعالی بکل شیء، ولا یحاط بعلمه أبدا؛ لأنه لا متناهٍ. فعلمه لا متناهٍ فکیف یحاط به؟ وهناک آیات کثیرة وروایات تثبت الأمرین معاً نذکر لک منها مثلاً، قوله تعالی: ((وَاللَّهُ یَعْلَمُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الأَرْضِ وَاللَّهُ بِکُلِّ شَیْءٍ عَلِیمٌ))(1). وهناک آیة أخری فی سورة الأنفال تقول: ((إِنَّ اللّهَ بِکُلِّ شَیْءٍ عَلِیمٌ))(2)، هذه الآیات وغیرها الکثیر التی تثبت سعة علم الله تعالی، وهذه الآیة صریحة بالإحاطة العلمیة لله تعالی حیث تقول: ((وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِکُلِّ شَیْءٍ عِلْمًا))(3)، أما الآیة التی صرحت بعدم قدرة المخلوق علی الإحاطة بعلم الخالق قوله تعالی: ((وَلاَ یُحِیطُونَ بِشَیْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء...))(4)، وکقول أمیر المؤمنین  علیه السلام: «یعلم عجیج الوحوش فی الفلوات ومعاصی العباد فی الخلوات واختلاف الحیتان فی البحار الغامرات وتلاطم الماء بالریاح العاصفات...»(5).

أنور: أحسنتم کثیراً، سنتحدث عن قدرته فی الجلسة القادمة إن شاء الله.

حسن: إن شاء الله تعالی.


1- سورة الحجرات، الآیة: 16.
2- سورة الأنفال، الآیة: 75.
3- سورة الطلاق، الآیة: 12.
4- سورة البقرة، الآیة: 255.
5- بحار الأنوار: ج 4، ص 92.

ص: 46

…الحلقة 14: فی تکملة صفاته تعالی

أنور: قد اتفقنا أن نتحدث عن الصفة الاخری وهی القدرة الالهیة فما تقول؟

حسن: بکل سرور: أقول: القدرة هی تمکن الفاعل من الفعل وترکه، والقادر هو الذی إذا شاء أن یفعل فعل واذا شاء ان یترک ترک مع الشعور والعلم بما فیه الخیر الذی یدعوه للفعل أو الترک.

أنور: لماذا هذه القیود؟

حسن: لاننا نرید ان نخرج القادر علی الفعل بدون شعور وعلم وبدون اختیار (کالنار التی تحرق) فهی قادرة علی الاحراق ولکن بدون کل ما سبق من الشروط، لان ما یصدر عن الإنسان أو ذی شعور یحتاج إلی مرجح وهو لا یکون بدون العلم والشعور، لانهما من مبادئ الفعل والترک.

أنور: وهل لک ان تذکر لی بعض الادلة علی اتصافه تعالی بالقدرة؟   

حسن: نعم منها:

القدرة 1. القدرة کمال، وهو کامل مطلق إذن هو واجد لها.

2. اننا نجد فی أنفسنا القدرة وهو تعالی الذی أفاضها علینا، فکیف یستطیع أن یفیض القدرة من هو تعالی فاقد لها؟ لان فاقد الشیء لا یعطیه.

3. هذه الآثار وتدبیر ها تدل علی قدرته.

ص: 47

أنور: لماذا قرنت الاختیار مع القدرة؟

حسن: لان الفاعل دون اختیار یدل علی عدم مدخلیته تعالی فی الفعل، ویکون کقوی الطبیعة تفعل دون اختیار، ثم إن هذا الاختیار کمال ولابد من أن یتصف به الکامل المطلق.

أنور: هل أفهم أنه فی اختیاره تأمل لکی یرجح طرفا علی آخر؟

حسن: کلا وألف کلا فاختیاره لیس کاختیارنا لا یحتاج إلی تأمل لان اختیاره أزلی تبعا لعلمه بالمصالح والمفاسد منذ الازل، فاختیاره مقارن لقدرته.

أنور: أنا أعرف أن الله تعالی  قادر علی کل شیء أی أن قدرته عامة لا تختص بشیء دون آخر، فکیف نفسر أو نرد علی من یقول الشبهات؟

حسن: اذکر لنا مثلا من الشبهات.

أنور: هناک من یقول: أیستطیع ان یخلق الله تعالی مثله؟ أو یخلق حجرا لا یستطیع رفعه؟ وغیر ذلک من السخافات؟

حسن: هذه الشبهات یثیرها الجهلة والمغرضون الذین یریدون أن یشککوا المؤمنین فی عقائدهم،وما هذه الشبهات إلا فقاعات فارغة تافهة فیها الکثیر من التناقض أو المغالطة.

أنور: زدنی جزاک الله خیرا.

نرد علیهم: بقولنا: هل تؤمن أنّ هناک إلهاً واجب الوجود وله الکمال المطلق؟ فإذا قال: لا، نقول له: إن النقاش فی القدرة یحتاج إلی إثبات ما سبقها من وجوب الواجب وانه غنی مطلق وعالم مطلق وقادر مطلق، فإذا

ص: 48

ثبت هذا عنده فبها، وان لم یقبل هذا فالکلام کل الکلام فی معرفة الحق سبحانه، ولهذا قال سید الموحدین وأمیر المؤمنین  علیه السلام: «أول الدین معرفته...» فلابد ان نحسم الکلام فی معرفة الإله الغنی المطلق.

وان قال: نعم إنی أُؤمن بان الإله واجب الوجود وله الکمال المطلق، فنقول له: قد حکمت علی نفسک بإن إلهک الذی  تؤمن به أن من کماله المطلق ان لا یوصف بالعجز، وکلامک وشبهاتک ترد علیک. فإن قال: أنا أرید أان استفهم ولیس مرادی الانتقاص والإشکال علی القدرة الإلهیة.

نقول: إن الله تعالی قادر مطلق، فهو من ناحیته لیس فیه عجز ولا تقصیر، وانما العجز من جهة المحال فهو ناقص لیس فیه قابلیة أن یکون غیر ماهو علیه، أی بمعنی فلسفی النقص فی القابل ولیس فی الفاعل.

أنور: هذا الکلام یحتاج الی زیادة توضیح؟

حسن: إن شاء الله فی الجلسة القادمة.

…الحلقة 15: فی تکملة صفاته تعالی

أنور: السلام علیکم قلنا: أن هذا الکلام یحتاج إلی زیادة  توضیح؟

حسن: وعلیکم السلام وانا بخدمتکم اوضح بالمثل لو قلنا: هل یستطیع الله تعالی  أن یخلق مثله؟ نقول هذا المخلوق لا  یکون مثل الله تعالی، لان الله غنی عن غیره وهذا محتاج إلی الله تعالی فی وجوده، فمحال أن یکون مثله لان

ص: 49

معنی ذلک ان ینقلب الممکن المحتاج الفقیر إلی غیره، إلی واجب غنی مطلق، وهذا محال کیف یکون غنیاً عن غیره وقد کان عدما واحتاج إلی من یوجده؟ اذن یستحیل أن یکون الممکن واجباً، کما انه خلاف الحق ان یکون الواجب عاجزاً کالممکن، وهنا لا بد أن نذکر نقطة اخری مهمة، وهی ان المحال لیس بشیء لأنه باطل والباطل عدم، والعدم لیس بشیء والقدرة تعلقت بالأشیاء فلذلک یصح القول: إن ((اللَّهُ عَلَی کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرًا))(1)، ولم یقل: إن الله علی العدم قدیر، لأن العدم لیس بشیء.

أنور: شکراً کثیراً کثیراً لک سیدی.

حسن: الشکر لله تعالی.

أنور: هل لک أن تتحدث لی عن الحیاة التی یتصف بها الباری سبحانه؟

حسن: نعم یا أنور: اتفق الإلهیون علی أن الحیاة من صفاته تعالی وأن الحی من أسمائه ولکن لابد من معرفة حقیقة الحیاة فنقول: إن الحیاة تتقوم بأمرین:

أ -  الفعل والانفعال، والتأثیر ویمکن ان یرمز لها «الفعالیة».

ب -  الحس والإدراک ویرمز لها «بالدراکیة».

فالله سبحانه حی بالمعنی المناسب لمقامه الأسمی فهو سبحانه «فعّال» و«درّاک» لا کفعالیة الممکنات ودراکیتها، وأما دلیل حیاته سبحانه فهو ما تم إثباته من کونه قادراً وعالماً للتلازم بینهما ویبین الحیاة التی عرفناها بالفعالیة


1- سورة الأحزاب، الآیة: 27.

ص: 50

والإدراکیة فلولا العلم لماّ صحّ قولنا بانه دراک ولولا القدرة فلا یصح قولنا بأنه فعّال، وهذا معنی انه حی، والقول بغیر ذلک ممتنع، لان من یوصف بالعلم والقدرة لابد أن یکون حیا.

فضلاً عن ذلک إفاضة الحیاة علی مخلوقاته، ولولا انه حی لما استطاع ان یفیض الحیاة لان فاقد الشیء لایعطیه.

أنور: ألیس من الأکمل أن تذکر لی ما یؤید ذلک نقلاً؟

حسن: بلی: إن الله تعالی یصف نفسه بذکره الحکیم بالحیاة التی لا موت فیها؛ إذ یقول تبارک وتعالی:

((وَتَوَکَّلْ عَلَی الْحَیِّ الَّذِی لا یَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ))(1).

وهناک ایضا آیة الکرسی:

((اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَیُّ الْقَیُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الأَرْضِ...))(2).

وورد عن الإمام الباقر  علیه السلام:

«ان الله تبارک وتعالی کان ولا شیء غیره، نوراً لا ظلام فیه، وصادقا لا کذب فیه، وعالما لا جهل فیه، وحیا لا موت فیه، وکذلک هو الیوم وکذلک لا یزال أبداً»(3).


1- سورة الفرقان، الآیة: 58.
2- سورة البقرة، الآیة: 255.
3- کتاب التوحید للصدوق.

ص: 51

کما ورد عن الإمام الکاظم  علیه السلام:

«ان الله لا اله الا هو کان حیا بلا کیف... کان عزوجل إلهاً حیاً بلا حیاة حادثة، بل هو حیٌّ لنفسه».

أنور: أحسنتم کثیرا ماذا عن باقی الصفات کالسمع والبصر والإدراک والإرادة؟

حسن: اما بالنسبة للسمع والبصر، أی کیف تفسر قوله تعالی:

((إِنَّ اللَّهَ سَمِیعٌ بَصِیرٌ))؟

فتفسیره انه عالم بالمسموعات والمبصرات علماً حضوریاً وهذا یرجع إلی صفة العلم وأما قولنا فی انه سبحانه مدرک کما فی قوله تعالی:

((لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ))(1).

المراد منه هو شهود الأشیاء الخارجیة ووقوفه علیها وقوفاً تاما، واما قولنا: إنه «مرید وله إرادة» أی کونه فاعلا مختارا ولیس فاعلا مضطرا، هذا بشکل مختصر لصفاته تعالی ولا نرید أن نتوسع فیها لعدم مناسبة المقام لذلک.

أنور: شکرا لک مولای.

حسن: الشکر لله تعالی وسنکمل فی الجلسة اللاحقة.


1- سورة الأنعام، الآیة: 103.

ص: 52

ص: 53

الفصل الثانی: العدل الالهی

اشارة

مقدمة فی العدل الإلهی

أمِن صفات الذات هو أم الفعل؟

تفسیر الشرور والبلایا

هل إن البلایا عقوبة؟

هل إن العقوبة مساویة للذنب؟

  فی القضاء والقدر

  أمِن الله الحسنة والسیئة أم من العبد؟

  ما معنی کون الهدایة والضلالة بیده سبحانه؟

  هل إن السعادة والشقاء من الله تعالی؟

ص: 54

ص: 55

…الحلقة 16: مقدمة فی العدل الإلهی

أنور: السلام علیکم أستاذنا الکریم.

حسن: وعلیکم السلام ورحمة الله وبرکاته.

أنور: شعرت أننا طوینا صفحة الصفات وصار الوقت مناسبا للحدیث عن العدل الإلهی ألیس کذلک؟

حسن: طبعاً الکلام فی التوحید والصفات لا ینتهی بهذه السرعة وبهذا الاختصار، ولکن لکی لا أثقل علیک ولا أرید ان أغرقک بالمطالب المعمقة وانما أردت أن تکون لک ثقافة عقائدیة میسرة، اما إذا شئت التوسع والتعمق فعلیک ان تدرس العقائد ولا تکفی المحاورة لذلک.

أنور: نعم، هکذا أشعر أنی مسیطر علی المطالب وأتفاعل معها بسهولة.

حسن: إذن هذا سیجعلنا نستمر علی مانحن علیه من الطرح العقائدی المیسر.

أنور: نعم اذن نرجع إلی معرفة العدل الإلهی؟

ص: 56

حسن: قبل البدء فی بیان تفصیلات العدل لابد من تعریفه تعریفا یلیق بالمقام.

العدل: هو اعطاء کل ذی حق حقه، هذا تعریف أول.

العدل: هو اتصاف ذات الواجب تعالی بفعل حسن وجمیل وتن_زیهه عن الظلم والقبیح. «فالله تعالی لا یجور ولا یظلم أحداً من خلقه، یثیب المطیعین، وله ان یجازی العاصین، ولا یکلف عباده بما لا یطیقون، ولا یعاقبهم زیادة علی ما یستحقون» هذا ماقاله الشیخ المظفر فی العقائد.

أنور: ألیس قولنا (وضع الشیء فی محله) عدلا؟

حسن: هذا قریب من معنی الحکمة أکثر مما هو قریب لمعنی العدل، لان الذی یضع الاشیاء فی مواضعها هو الحکیم وهذا أمر آخر غیر العدل.

أنور: اذا نرجع الی بحث العدل وعندی فی ذلک سؤال هو: لماذا لا یفعل الله تعالی الظلم والقبح فی عباده ألیس هذا من حقه لأنهم ملکه وله حق التصرف فیهم؟

حسن: لو کان الله تعالی عن ذلک علوا کبیرا یفعل الظلم والقبیح فهو لا یخلو عن أحد هذه الأمور: إما ان یکون جاهلا بالأمر فلا یدری انه قبیح.

أو یکون عالما به، ولکنه مجبور علی فعله وعاجز عن ترکه.

أو یکون عالما به وغیر مجبور علیه ولکنه محتاج إلیه.

أو یکون عالما به وغیر مجبور علیه وغیر محتاج إلیه، فینحصر أن یکون فعله عبثا وتشهیا ولهواً وکل هذه الصور محال علی الله تعالی، لأنه عالم مطلق وقادر مطلق وغنی مطلق، وحکیم مطلق فلا یمکن ان یکون جاهلا أو

ص: 57

عاجزاً أو مجبوراً أو محتاجاً أو عابثاً، ثم إننا أثبتنا انه تعالی محض الکمال وکل ما ذکرناه نقص من_زه عنه، فإذن لا یمکن ان یکون ظالما أو فاعلا للقبیح.

أنور: هذا کلام رائع ومتین، لکن هناک بعض الاسئلة فی ذهنی فهل لی ان اسأل؟

حسن: طبعا سل ما بدا لک.

أنور: مثلا قولک: إن العدل هو اعطاء کل ذی حق حقه ، أیوجد من له حق علی الله تعالی وهو المتفضل علی الجمیع؟

حسن: هذا سؤال ممتاز وعلمی، یسرنی أن تسأل أسئلة کهذه، فیا سیدی الکریم ان الاثابة علی الطاعات هی من باب التفضل لا الاستحقاق، لان العبد لمولاه فلا یحق له علی الله شیء، ولکنه تعالی من باب الفضل ایضا جعل عمل العباد ملکا لهم وبعد ان ملکهم هذا العمل جعل لهم أجراً مستحقاً کقوله تعالی: ((قُل لِمَن ما فِی السَّماواتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ کَتَبَ عَلَی نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ...))(1)، وفی قوله تعالی: ((...کَتَبَ رَبُّکُمْ عَلَی نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ...))(2)، فهو الذی جعل لعباده حقا علیه وبعد ان جعل ذلک صار لازما، لان الله تعالی لایخلف المیعاد، وما یوضح هذا المطلب قوله تعالی: ((إِنَّ اللّهَ اشْتَرَی مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ...))(3)، مع اننا نعلم ان انفسنا منه وأموالنا منه لیس لنا فی الامر شیء، ولکن ملکنا ذلک


1- سورة الأنعام، الآیة: 12.
2- سورة الأنعام، الآیة: 54.
3- سورة التوبة، الآیة: 111.

ص: 58

بفضله، واشتری منا هذه الأنفس والأموال وأعطانا فی قبالها الجنة ولو منعنا الجنة ولم یعطها لنا یکون کانما منعنا حقنا وبما انه عادل لایجور فصار قولنا العدل: هو اعطاء کل ذی حق حقه نکتفی بهذا البیان المختصر.

أنور: جزاک الله خیر الجزاء.

حسن: وانتم ایضا ونکتفی بهذا المقدار.

…الحلقة 17: أمن صفات الذات العدل أم الفعل؟

أنور: کان الحدیث عن العدل وهناک أسئلة أخری وردت فی ذهنی.

حسن: نعم اتفقنا علی الإجابة فسل یا أنور.

أنور: السؤال الآخر هذه الصفة __ اقصد صفة __ العدل أمن صفات الذات هی أو من صفات الفعل؟ 

حسن: جید یا أنور أصبحت تفکر وتسأل، الغالب من العلماء یقول: إنها من صفات الفعل ودلیلهم ان تعریف العدل هو إعطاء کل ذی حق حقه، أو عدم الظلم والجور لأحد من الخلق یستلزم وجود مخلوق حتی یتحقق العدل، واما قبل وجود المخلوق فلا معنی للعدل والظلم والحقوق.

أنور: هل قصدک ان الله تعالی قبل ان یخلق الخلق لیس بعادل؟

حسن: لیس هذا قصدی، وانما قصدی ان العدل کالرزق وکالإحیاء والإشفاء فلولا وجود مخلوق لا نستطیع أن نسمی الله تعالی بالرازق أو المحیی

ص: 59

أو الشافی، وحتی یرتفع هذا الالتباس من ذهنک فأرجو الانتباه لما أقول: إن الله تعالی یتصف بالصفات الکمالیة منذ الأزل التی هی الأساس فی وجود الصفات الفعلیة، فلولا هذه الصفات لما استطاع ان یکون عادلاً أو رازقاً أو خالقاً، فإذن هو قادر علی العدل ولکن لم یجرِهِ الا فی موضوعه وهو وجود الخلق فلا نستطیع ان نتصور انه تعالی عادل بدون خلق، لان العدل لیس له محل یجری فیه، أواضح هذا الشرح؟

أنور: واضح جداً جداً وشکرا لک؟

حسن: الحمد لله، والآن سل.

أنور: انه تعالی عادل وقد اثبتنا ذلک لحد الآن بالعقل فقط، فهل هذا الکلام محل اتفاق بین العقلاء؟

حسن: کأنی أراک تشیر إلی قاعدة الحسن والقبح العقلیین ألیس کذلک؟

أنور: انا اسمع بهذه القاعدة ولکن لا اعرف معناها؟

حسن: أنا ارید أن أجنّبک الخوض فی هذه القاعدة ولکن لابأس أن أُشیر إلیها بشکل یجعلک تعرف معناها، یا عزیزی: یقول العلماء: إن العقل یستطیع ان یحکم علی بعض الافعال بانها قبیحة دون ان یحتاج إلی الدلیل الشرعی، أی یمکن ان نکتفی بحکم العقل علی قبح الافعال أو حسنها.

أنور: طالما انک جنبتنی الخوض فی هذه القاعدة وفی الأقوال المتضاربة فیها، فانا لا اتنازل عن معرفة معنی الحسن ومعنی القبیح؟

حسن: هذا من حقک: أجاب العلماء: ان الحسن ما استحق علیه صاحبه المدح، والقبیح ما استحق علیه صاحبه الذم.

ص: 60

حسن: أراک تبتسم أنور؟

أنور: قلت: إن الحسن ما استحق علیه صاحبه المدح وانت حسن اسم علی مسمی فقلت فی نفسی: إن أبویک یستحقان المدح لأنهما أخرجا لنا حسنا.

حسن: هذا لطف منک، وابتسامة فی محلها أخرجتنا عن الجو العلمی البحت، شکرا لک.

أنور: ذکرت عبارة للشیخ المظفر رضی الله عنه یقول: «یثیب المطیعین،  وله ان یجازی العاصین» فلم قال الشیخ «وله ان یجازی العاصین»؟

حسن: جید هذه التفاته جمیلة: یعنی ان الله تعالی لا یخلف الوعد عندما وعد المطیعین بالثواب، ولکن له الحق ان یترک معاقبة العاصی تفضلا ورحمة.

أنور: اذن افهم من هذا انه لا یجوز ان یعاقب المطیعین؟

حسن: نعم بکل تأکید، ولکن بشرط ان تکون الطاعة واجدة لشروطها.

أنور: أفتحت لی باباً جدیداً؟ ما هی شروط الطاعة؟

حسن: هذا سنتکلم عنه فی التکلیف ولکن لابأس أن أُشیر الیها بشکل موجز، شروط الطاعة یعنی: ان الامر صادر من المولی سبحانه وان هذا الامر واجب علی العبد، وان الطاعة خالصة لله تعالی دون ان یُشرَک فیها أحدٌ أو غیر ذلک.

أنور: شکرا هذا کلام واضح شافٍ.

حسن: الشکر لله تعالی، سنراکم فی الجلسة القادمة إن شاء الله تعالی.

ص: 61

…الحلقة 18: تفسیر الشرور والبلایا

أنور: سیدی الکریم : نحن مازلنا فی بحث العدل الإلهی؟

حسن: نعم تفضل.

أنور: الآن بعد ان عرفنا انه تعالی لا یفعل القبیح ولا یترک الحسن فکیف نفسر الشرور والآفات کالزلازل والأعاصیر والطوفان والبلایا والآلام والأوجاع وغیر ذلک؟

حسن: هنا جوابان أحدهما إجمالی والآخر تفصیلی:

فأما الإجمالی: ان الله تعالی لا یفعل القبیح کما انه حکیم لا یعبث وهذا ثبت بالأدلة العقلیة والنقلیة، فإذن کل ما صدر منه هو عین الحکمة وعین الحسن وعین الرحمة فیلزم من هذا ان نری کل ما فی الوجود من شرور أو آفات أو غیر ذلک مبتنیاً علی الحکمة والمصلحة للخلق، ولکن کل ما فی الامر لم نستطع معرفة هذه الحکمة أو المصلحة، فعدم معرفتنا الحکمة أو المصلحة لا یجعلنا نفسر ما یجری من الآلام علی انها ظلم فهذا خلاف الانصاف، ولابأس أمثل لک بمثل یقرب الأمر کثیراً (لو رأینا جرافة تهدم بیتا جمیلا أو تعبث بحدیقة فهو أمر قبیح، ولکن بعد ان نستفسر عن ذلک یجیبنا العاملون اننا نرید ان نبنی مستشفی لمعالجة المرضی عند ذلک نفرح ونغیر رأینا بل ونشکر هم علی ذلک) فهکذا لو سألنا الله سبحانه: لمَ تفعل هذا بنا؟ لجاء الجواب: لکی تنالوا المصلحة الفلانیة أو لکی ندفع عنکم الضرر الکذائی عند ذلک تستقر نفوسنا ونشکر ربنا علی رعایته لنا.

ص: 62

أنور: هذا الکلام وجیه نعم یجب ان لا نتسرع فی الأحکام وبخاصة عندما نعلم ان الفاعل عادل حکیم.

حسن: والآن اجیبک الجواب التفصیلی:

ان النظر الی ظاهرة من الظواهر منعزلة عن غیرها نظرة ناقصة، لان الحوادث حلقات مترابطة متسلسلة فی سلسلة ممتدة، فلا یصح ان نحکم علی ظاهرة معینة دون أن نلاحظ ما سبقها أو ما سیلحقها فمثلا: اذا وقعت عاصفة من العواصف علی سواحل البحر فانها تهدم البیوت اوتقطع الاشجار فتوصف عند من حصل له ذلک بالشرور ولکن عند من تتحرک سفنهم الشراعیة من وسط البحر ولم تبق راکدة بسبب سکون الریح فهی موصوفه بالخیر، ولو فرضنا ان هذه الریاح تخرج شیئا من جهة ولکن تکو ن وسیلة لتلقیح الازهار وتحریک السحب الحاملة للامطار وتبدید الادخنة المتصاعدة من المصانع التی قد تؤثر علی البیئة لو بقیت متکثفة وغیر ذلک من فوائد الریاح فانها حتما توصف بالخیر ، فنستفید من هذا ان الضرر الجزئی المتوجه الی فرد معین او مجموعة صغیرة هو شر قلیل بالنسبة لمن سقط علیه هذا الضرر ولکنه نفع عام لکثیر من الخلق فهو خیر کثیر، وحتی الذی سقط علیه الضرر عندما یعلم ان النفع اکثر من الضرر لا یتألم ولا ین_زعج، هذا اذا لم یکن انانیا وهکذا الکلام فی الزلازل والحوادث والشرور الاخری فان کان نفعها اکثر وخیرها اکثر فهی  لیست بشر بل هی خیر محض.

أنور: ولکن ما ذنب المتضررین؟

ص: 63

حسن: لم تکن البلایا والحوادث ناشئة دائما بسبب الذنوب حتی نستغرب ونسأل ما هو الذنب؟ اما لو کانت بسبب الذنب فهذا ایضا خیر لان الألم والضرر الذی یقع علی المذنب سیکون کفارة لذنبه ومحوا لسیئاته.

أنور: اذن ما هو ذنب المؤمنین الذین أصابهم الضرر؟

حسن: مازلت محکوماً بفکرة ان هذه الحوادث فقط هی للانتقام أو العقوبة، کلا یا أخی لقد بینا ان فیها نفعاً للآخرین وان اصابت غیرهم فان المصاب سیعوض اما بتکفیر السیئات او برفع الدرجات لمن لیس علیه سیئات، وعلیه لو خیّر المؤمن بین ان یصاب ببلاء فیعطی درجات عند الله تعالی وبین ان یستمتع بصحة وعافیة فی الدنیا بدون ان یحصل علی ذلک فسوف یختار رفع الدرجات لان لیس هناک عاقل یرفض ذلک.

ولکی اقوی قلبک بهذه الروایة ورد عن الإمام الصادق  علیه السلام: «لو یعلم المؤمن ماله فی المصائب من الأجر لتمنی انه (ان) یقرض بالمقاریض» المؤمن اذا رأی ما أُخفی له من قرة عین عند الله تعالی یسال لم حصلت علی ذلک فیقال له انک اصبت بمصیبة فصبرت فعوضک الله تعالی ذلک، فعندها یتمنی المؤمن لو یرجع الی الدنیا ویقرض بالمقاریض لمِا رأی من قرة الأعین هذا معنی الروایة فکیف تحکم علی أن البلایا التی تسقط علی العبد هی للانتقام او التشفی؟.

أنور: ولکن؟

حسن: اترک لکن سنکمل إن شاء الله تعالی فی الجلسة القادمة.

ص: 64

…الحلقة 19: هل إن البلایا عقوبة؟

أنور: أَردت أَن أُکلمک ولکنک قطعت علی ذلک أَردت أَن أَقول: إن القرآن ینطق بأن بعض الناس تن_زل علیهم البلایا من باب العقوبة فکیف نفسر ذلک؟

حسن: نعم هناک صنفان من الناس: صنف مؤمن ولکنه عاص، وآخر اما کافر أو ظالم فالعقوبة للصنف الثانی هی من باب الانتقام، ولکی یکونوا عبرة لغیرهم، ومع ذلک ان الله تعالی إذا عاقب فی الدنیا قد یخفف فی الآخرة لمن یستحق التخفیف، وهذا مختص بالصنف الثانی دون الأول.

أنور: هذه البلایا لها فوائد حسبما سمعت منک، فما هی فوائدها؟

حسن: من فوائد البلایا مایلی:

1. انها وسیلة لتفجیر الطاقات: أی تدفع البلایا من أُصیب بها إلی اتخاذ الاجراءات المناسبة للتحرز والتحصن منها، ما ینتج الاختراعات، لان (الحاجة أم الاختراع) __ کما یقولون __. ومما یوضح ذلک قول أمیر المؤمنین علیه السلام: «الا ان الشجرة البریة اصلب عودا، والروائع الخضرة ارق جلودا، والنباتات البدویة اقوی وقودا وابطا خمودا»، ومما یؤید هذا قول الله تعالی: ((...فَعَسَی أَن تَکْرَهُواْ شَیْئًا وَیَجْعَلَ اللّهُ فِیهِ خَیْرًا کَثِیرًا))(1).


1- سورة النساء، الآیة: 19.

ص: 65

2. المصائب والبلایا جرس إنذار: أی أن الانغماس فی الشهوات والذهاب وراء الدنیا ونسیان الآخرة یحتاج الغافل إلی ما یذکره بالله تعالی وبالقبر وبالآخرة ولا یوجد شیء مناسب للتذکیر بذلک غیر المصائب والبلایا فعندها ینتبه العاقل ویعود العبد الآبق إلی مولاه.

3. البلایا سبب لمعرفة النعم واحترامها: إذا سارت الحیاة علی نمط واحد ولذة دائمة هذا یؤدی إلی عدم احترام النعمة من قبل العبد، لتعوده علیها ولعدم فقدانه لها، ولکن بفقدها سیعرف قیمتها ویحرص علی رعایتها، کما أن تفاوت المر والحلو والألم والراحة یجعل العبد شاعرا بنعم ربه فی السراء والضراء، وفی الشدة والرخاء. هذا مجمل فوائد البلایا والمصائب.

أنور: کأن العدل أبی إلا ان یکون اصلاً له فروع تترتب علیه، فماذا یترتب علیه؟

حسن: مما یتفرع عن العدل الإلهی معرفة الغرض من العقوبة، فهل هو التشفی أو هو للاعتبار ونقول: إن التشفی من انفعال الذات والله تعالی منزه عن الانفعال والتأثر، اذن لا یصح ان نعدّ التشفی غرضاً لله تعالی من العقوبة، وأما إذا قلنا: هو للعبرة فهذا یصح فی دار الدنیا ولیس فی دار الآخرة، أی فی دار التکلیف ولیس فی دار الجزاء.

أنور: اذن ماهو الغرض من العقوبة؟

حسن: أُجیبک جوابا مختصرا شافیا ینقطع فیه سؤالک عن غرض العقوبة وهو الآتی:

ص: 66

نقول: إن العقوبة أثرٌ وضعیٌ لوجود تلازم بین المجرم والعقوبة ونستطیع أن نبین هذا علی وجهین:

الأول: ان الأفعال الإجرامیة أو الصالحة التی تصدر من الفاعل توجد ملکة مناسبة لها بسبب التکرار، وهذه الملکات تشکل صمیم ذات الإنسان فالإنسان الصالح والطالح انما یحشران بهذه الملکات التی تولد من استمرار الطاعات أو المعاصی، وبشکل أوضح ان الملکات هی التی تخلق الجنة والنار.

الثانی: من الثابت فی محله أن لعمل الإنسان صورتین، صورة دنیویة وأُخرویة، فعمل الإنسان یتحلی فی کل ظرف بما یناسبه، فمثلا الصلاة لها صورة خاصة فی الدنیا وهی الحرکات والأذکار، ولکن فی الآخرة لها صورة أُخری، وهذا ما یؤیده قول الله تعالی: ((وَلا یَحْسَبَنَّ الَّذِینَ یَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَیْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَیُطَوَّقُونَ ما بَخِلُواْ بِهِ یَوْمَ الْقِیامَةِ وَلِلّهِ مِیرَاثُ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِیرٌ))(1)، وفی قوله تعالی ما یؤید ذلک أیضاً: ((یَوْمَ یُحْمَی عَلَیْها فِی نارِ جَهَنَّمَ فَتُکْوَی بِها جِباهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا ما کَنَزْتُمْ لأَنفُسِکُمْ فَذُوقُواْ ما کُنتُمْ تَکْنِزُونَ))(2).

أنور: صار واضحا ان العذاب هو من صنع المجرم ولیس مفروضاً علیه، جزاک الله خیرا.

حسن: وجزاکم أیضا  سنکمل إنْ شاء الله تعالی.


1- سورة آل عمران، الآیة: 180.
2- سورة التوبة، الآیة: 35.

ص: 67

…الحلقة 20: هل إن العقوبة مساویة للذنب؟

أنور: سلام علیکم.

حسن: علیکم السلام ورحمة الله وبرکاته، إنی أری فی عینیک سؤالاً آخَرَ فما هو؟

أنور: عادة ما تکون العقوبة مساویة للجرم کماً وکیفاً، ولکن نری أن هذه المعادلة غیر متحققة فی العقوبات الأخرویة، وهذا ما تؤکده الأبحاث ان بعض المجرمین یخلدون فی النار مع ان معصیتهم أقل مدة من مدة التعذیب؟

حسن: کلامکم ان العقوبات لابد أن تکون متطابقة للجرم هذا مرتبط بالعقوبات الجعلیة، ولکن إذا کانت العقوبة أثراً وضعیاً للعمل الإجرامی فلا نجد تلک المطابقة فی الکم ولا فی الکیف.

أنور: ممکن توضیح ذلک بالمثال؟

حسن: نعم بکل سرور، لو وجدنا سائقاً حصلت منه غفلة لمدة قصیرة جداً ألا تری ان هذا سیکلفه خسارة مادیة ونفسیة تدوم مدة عمره، کما لو انقلبت سیارته أو اصطدمت بشیء وجرح أو انکسر اثر هذه الحادثة فإن معاناته تدوم مدة عمره، بل قد یفقد کل عمره بالموت.

أنور: أحسنتم کثیرا صار واضحاً ما تفضلتم به. هل هناک شیء یتعلق بالعدل الإلهی غیر الذی ذکرتموه؟

ص: 68

حسن: نعم من الأمور المهمة مسألة التکلیف الذی یکلف الله تعالی به العباد، هل یمکن ان یکلف الله تعالی عباده بما لا یطاق؟

أنور: ماذا تقصد بقولک هذا؟

حسن: اقصد هل یوجب الله تعالی مثلا علی عباده أن یدخل المکلف الجمل فی خرم الإبرة، أو یأمره بالطیران فی السماء أو غیر ذلک؟

أنور: الله تعالی حر ولا یستطیع أحد منعه من ذلک، لأن جمیع الخلق ملک له تعالی فما هو المانع؟

حسن: نعم: کل ما فی الوجود ملک الله تعالی ولکن هذا لا یعنی ان یأمرهم بما لا یطاق لأن فی ذلک ظلماً واضحاً والظلم لا یصدر من الله تعالی لأنه نقص والله تعالی کامل مطلق لا یصدر منه النقص.

أنور: رائع، رائع هذا کلام جمیل واستدلال عقلی ممتاز ولکن هل لک ان تذکر لی مایؤید ذلک من الدلیل النقلی؟

حسن: نعم : هناک آیات کثیرة منها قوله تعالی: ((لا یُکَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا...))(1)، وقوله تعالی: ((...وَما رَبُّکَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِیدِ))(2)، وقوله تعالی: ((...وَلا یَظْلِمُ رَبُّکَ أَحَدًا))(3)، وغیر ذلک عن الآیات الکثیرة.

أنور: شکراً جزیلاً... أرجو أن تأذن لی الیوم بقطع المحاورة لوجود عمل ضروری أرید إنجازه وسنلتقی غداً إنْ شاء الله تعالی.

حسن: نسأل الله تعالی ان یسهل أمرک... سنلتقی إذن.


1- سورة البقرة، الآیة: 286.
2- سورة فصلت، الآیة: 46.
3- سورة الکهف، الآیة: 49.

ص: 69

…الحلقة 21: فی القضاء والقدر

أنور: سلام علیکم.

حسن: وعلیکم السلام ورحمة الله وبرکاته.

أنور: تعرضنا للحدیث عن العدل الإلهی وأود قبل أن نغادر هذا العنوان أن تحدثنی عن شیء طالما کثر الحدیث عنه: ألا وهو القضاء والقدر؟

حسن: الحدیث عن هذا الموضوع یحتاج إلی مقدمات علمیة، لأنه من الأمور العمیقة والفلسفیة ویستحب أن نتکلم عنه بشکل موجز وإجمالی مراعاة لمعلوماتک،حیث یکفی الاعتقاد به دون التفصیل فی فروعه ومواضیعه الشائکة... ماذا قلت؟

أنور: إلیک سیدی تقدیر الأمور فأنت أعرف بما ینبغی.

حسن: إذاً لا بأس... یا أخی العزیز إن القضاء والقدر من الأمور الإسلامیة التی وردت فی الکتاب والسنة ولابد من الإیمان بهما لأن ما صدر عن الرسول الکریم  صلی الله علیه وآله وسلم یوجب ذلک کما فی قوله:«أربعة لاینظر الله إلیهم یوم القیامة: عاقّ، ومنّان، ومکذب بالقدر، ومدمن خمر».

أنور: إذن لابد من الإیمان بهما سواء عرفنا التفاصیل أم لم نعرف.

حسن: أحسنت هذا جواب حکیم... ولکن لا بأس من الاطلاع علیهما بشکل موجز.

أنور: تفضل کلی آذان صاغیة.

ص: 70

حسن: أولاً لابد من تعریف القضاء والقدر... فأقول: إن التعریف سیکون أولاً للقدر ثم للقضاء.

القدر لغة:عرف أهل اللغة القدر: حد کل شیء ومقداره وقیمته وثمنه.

القضاء لغة:القضاء أصل صحیح یدل علی إحکام أمر وإتقانه وإنقاذه لجهته.

ویأتی القضاء مفهموماً لمصادیق کثیرة ذکرها الشیخ المفید  قدس سره قال: هو یأتی بمعنی:الخلق، الأمر، الإعلام، القضاء بالحکم.... ومن هنا تفهم الآیة الکریمة: ((فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِی یَوْمَیْنِ))(1)، أی أحکم خلقهن.

أنور: کأنما لایتم الأمر إلا بمعرفة القضاء والقدر اصطلاحاً ألیس ذلک صحیح؟

حسن: بلی عین الصواب والیک أخی أنور معرفتهما اصطلاحاً ولکن قبل أن أتکلم عنهما لابد أن أوضح ما هو المقصود ب_(اصطلاحاً)، المقصود به معرفتهما عند أهل الاختصاص وأصحاب العقائد والکلام، والآن لابأس بالحدیث عن هذین الأصلین:

القدر أو التقدیر اصطلاحاً: هو عبارة عن جمیع خصائص الشیء الزمانیة والمکانیة والکیفیة والکمیة، وبعبارة أخری: حدود وجوده، وخصوصیاته التی تحف به من بدء تحققه إلی فنائه.

أنور: رأفة بی تکلم معی بشکل أوضح.

حسن: إن شاء الله سأوضح معنی هذا الکلام وبالمثال... إلی اللقاء.


1- سورة فصلت، الآیة: 12.

ص: 71

…الحلقة 22: تکملة فی القضاء والقدر

أنور: السلام علیکم.

حسن: وعلیکم السلام أخی أنور... لابد أنک تنتظر تکملة الحوار، ألیس کذلک؟

أنور: بکل شوق.

حسن: القدر: أی إذا أردنا أن نحدد قدر بنایة معینة نقول: إنها بنایة من ثلاثة طوابق، وفی کل طابق أربع شقق سکنیة مبنیة بالحدید والاسمنت وسعة البناء فیها أربعمائة متر مربع مغلفة بالحجر الأملس وباللون البنیّ، وأرضیتها کذا وکذا وهکذا... هذه الخصوصیات هی التقریر للبنایة، وهکذا هو قدر الأشیاء.

أنور: أحسنت کثیراً إذاً ما معنی القضاء؟

حسن: أمّا القضاء اصطلاحاً: فهو عبارة عن وصول الشیء حسب اجتماع أجزاء علته إلی حد یکون وجوده ضروریاً.

أنور: أفصح قلیلاً.

حسن: یعنی إذا تم وصف الشیء بحدوده التی سیکون علیها قضی القاضی بوقوعه لأن المانع مرتفع ولا داعی لعدم وقوعه.

أنور: ممکن حسب المثال السابق فی القدر تبین لی القضاء؟

ص: 72

حسن: نعم: إذا أوجدنا الأرض والمواد التی یتم بها البناء وخریطة البناء وحددنا أبعاده وألوانه وسعته عند ذلک سیقضی المهندس ببنائه.

أنور: الآن آن الآوان أن نطبق ما عرفناه علی الحیاة فکیف ذلک؟

حسن: قبل أن نطبقه علی الحیاة أحب أن أذکر لک حدیثین یؤیدان ما قلناه:

الأول: عن أبی الحسن الرضا  علیه السلام سأله یونس عن معنی القدر والقضاء فقال: هی الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء، والقضاء هو الإبرام وإقامة العین.

الثانی: وقال الإمام الرضا  علیه السلام لیونس مولی علی بن یقطین: «أو تدری ما (القدر) قال: لا. قال: هو الهندسة من الطول والعرض والبقاء ثم قال: إن الله اذا شاء شیئاً أراده، وإذا أراده قدّره، وإذا قدّره قضاه، وإذا قضاه أمضاه».

هذان الحدیثان وغیرهما مما یشیر لمعنی القضاء والقدر.

أنور: هذا ممتاز وواضح.

حسن: الآن نطبق هذه المعرفة علی الحیاة: فنقول:

إن وجود السنن الإلهیة السائدة علی الکون والمجتمع الإنسانی لاتنکر، وان هذه السنن لها تأثیر فیما یخص الشفاء والسعادة فمثلاً:

إن التقدیر الإلهی علی أُمة یعیش أکثرها فی الفقر والحرمان، وقلیل منها فی الرفاهیة والغنی عن طریق الظلم والتعدی علی حقوق الآخرین، وأمة

ص: 73

أخری تعیش بنعیم وسعادة عن طریق التعاون والتکافل، فهذان التقدیران هما محل اختیار احدهما دون إجبار من الله تعالی، فالأمة التی تختار الظلم والتعدی تعیش فی فقر وحرمان، والأمة التی تختار طریق التعاون والتکافل تعیش فی نعیم... هکذا قدر الله دون إجبار أحد علی نوع معین.

أنور: هل لهذا التقدیر التی اختارته الأمة دخل لله تعالی فیه؟

حسن: کلا هو مجرد تقدیر والأمة هی التی تختار.

أنور: إذن أین قضاء الله؟

حسن: بعد أن تقرر الأمة وتختار اللون الذی ترید یکون قضاء الله تعالی علیها کما أرادت.

أنور: أوضح لی أکثر أرجوک.

حسن: سأوضح لک هذا بعد أن تأخذ استراحة ماء بارد وشای؛ ما تقول؟

أنور: نعم نعم سیکون ذلک أفضل للحوار.

…الحلقة 23: تکملة فی القضاء والقدر

أنور: الآن وبعد أن استمتعنا بالراحة والماء البارد والشای، دعنا نستمتع بالعلوم الإلهیة.

حسن: بکل تأکید... فیا سیدی قلنا: إن الله تعالی لا یجبر أحداً علی الفعل، وسأبین لک ذلک من خلال هذین المثالین:

ص: 74

لوقلنا: إن هناک مریضاً علی فراش المرض؛ فإن أمامه تقدیرین:

1 -  إما أن یرجع إلی الأطباء الخبراء ویعمل بالوصفة الطبیة التی تعطی له.

2 -  إما أن یهمل نفسه ولا یشاور أحداً.

 فإذا اختار الأول فسیکون الشفاء حلیفه، وإذا اختار الثانی سیکون المرض واستمراره حلیفه، وهذان التقدیران کلاهما من الله تعالی والمریض حر فی اختیار أحدهما.

أنور: افهم من هذا أن الله تعالی لا یجبر احداً علی شیء؟

حسن: لا شک فی هذا لأن الإجبار خلاف العدل وهو ظلم والله تعالی منزه عن ذلک.

أنور: إذن ما معنی أن هذا الأمر قضاه الله تعالی وکتبه علی العبد ولابد من وقوعه؟

حسن: لابد أن تعرف أن التقدیر والقضاء منه سبحانه لا یسلب الإنسان اختیاره، لأن الحریة والاختیار من خصوصیات الإنسان وهی ضمن التقدیر، کما انه سبحانه قضی قضاءً تکوینیاً بصدور فعل الإنسان باختیاره وحریته التامة.

أنور: أیضا رجعت إلی عدم الوضوح، أرجوک أوضح أکثر.

حسن: أقصد أن الاختیار قدّره الله تعالی فی تکوین الإنسان وقضی وحکم أن یکون الإنسان مختاراً غیر مجبور فأین الإجبار؟

أنور: هکذا لا یوجد أجبار، ولکن من أین أتت هذه الفکرة؟

حسن: إنها فکرة أموّیة غیر صحیحة قالها معاویة وأراد سلب الخلافة من أصحابه وهذا کلام طویل.

ص: 75

أنور: دعه لا حاجة لنا به، ولکن ما معنی أن الله تعالی کتب علیّ کذا وکذا ولا استطیع التخلص مما کتب الله تعالی؟

حسن: علم الله سبحانه بمقدار الشیء وضرورة وجوده علمٌ ثابتٌ فی کتاب، وهذا معناه انه تعالی یعلم بالأشیاء قبل وقوعها فیکتبها ولا یعنی هذا انه یلزم العبد بما کتب.

أنور: قلیل من البیان أرجوک.

حسن: أقول: إن الله تعالی یعلم مثلاً أن أنور سیفعل کذا وکذا باختیاره ثم یکتب هذا الذی سیفعله أنور فقط، هل معنی هذا أن أنور سیکون مجبراً علی ما کتبه الله تعالی؟

أنور: کلا، هو مجرد علم وکتابة.

حسن: إذن لا دخل لکتابة الله تعالی فی فعل الإنسان، ولکن لابد أن نعرف أن الله تعالی لا یکتب أن شیئاً سیقع، ثم یقع خلاف الکتابة هذا محال لأن الله تعالی لا تخفی علیه خافیة فهو یعلم کل شیء.

أنور: أحسنت بینت شیئاً مهماً وهو لا یجوز إلقاء اللوم علی الله تعالی فی حال صدور شیء قبیح منا ولا نستطیع أن نبرر فشلنا بأنه قضاء وقدر، ولا یحق لأحد أن یتجاوز علی آخر ویظلمه ویقول: هذا قضاء وقدر لأن الإنسان مختار غیر مجبر. شکراً لک یا حسن لقد نورت عقلی.

حسن: الفضل والشکر لله تعالی.

ص: 76

…الحلقة 24: أمن الله الحسنة والسیئة أم من العبد؟

أنور: السلام علیکم.

حسن: وعلیکم السلام ورحمة الله وبرکاته.

أنور: مادام الحدیث عن العدل الإلهی هل لی ببعض الأسئلة لو سمحت؟

حسن: بکل سرور، الإجابة فیها ثواب کبیر.

أنور: أمن الله الحسنة والسیئة أم من العبد؟

حسن: إذا نظرنا إلی الحسنة والسیئة بأنها من الأمور الإمکانیة فهی لا تتحقق إلا من الله تعالی، لأنه هو خالق کل شیء، وإذا نظرنا إلیهما من حیث المناشئ والدواعی فالحسنة من الله تعالی والسیئة من تقصیر العبد.

أنور: ماذا قلت؟... لم أفهم شیئاً؟

حسن: أقصد أن الأسباب کلها من الله تعالی ولکن التلوین منا: أی بمعنی آخر لولا الله تعالی لما استطاع العبد المعصیة، لأن العبد یعمل بحول الله وقوته ولکن تقصیره فی اختیاره، وما یؤید هذا، الحدیث القدسی: «یا ابن ادم بمشیئتی کنت أنت الذی تشاء لنفسک ما تشاء، وبنعمتی أدیت إلیّ فرائضی، وبقدرتی قویت علی معصیتی خلقتک سمیعاً بصیراً، أنا أولی بحسناتک منک وأنت أولی بسیئاتک منی».

ص: 77

أی یا أیها الإنسان أنا أعطیتک القدرة والقوة علی الفعل، فان فعلت الحسنات فانسبها إلیّ، لأنها فضائل وان فعلت السیئات فانسبها إلی نفسک، لأنک مقصر وجاهل وأنا منزه عن ذلک.

أنور: صار واضحاً أنّ کل ما یفعله العبد هو بحول الله وقوته فإن کانت أفعاله جیدة فهی من فضل الله تعالی والله یستحق الحمد علیها، وان کانت غیر جیدة فالعبد أحق بالذم من واهب القوة والحول تعالی الله علواً کبیراً.

حسن: أحسنت لقد فهمت هذا الأمر جیداً.

أنور: عندی سؤال آخر: ما معنی کون الهدایة والضلالة بیده سبحانه؟

حسن: سأجیبک بعد هذه الاستراحة.

…الحلقة 25: ما معنی کون الهدایة والضلالة بیده سبحانه؟

أنور: السلام علیکم.

حسن: وعلیکم السلام ورحمة الله وبرکاته.

أنور: لا شک أنّک لم تنسَ ما وعدتنا به من الإجابة علی سؤالنا؟

حسن: کلا: وأنا فی أتم الخدمة... .

کما تعلم یا أخی العزیز أن الآیات القرآنیة الکریمة دلت علی أن الهدایة والضلالة بیده سبحانه کما فی قوله تعالی: ((فَیُضِلُّ اللّهُ مَن یَشاء وَیَهْدِی مَن

ص: 78

 یَشاء وَهُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ))(1) وهناک الکثیر من الآیات التی تشیر إلی هذا المعنی بل تصرح به بأتم التصریح، وهذه الآیات الکریمة لو وقفنا علیها ظاهریاً یلزم من نصوصها الجبر، ولکن أنت تعلم أن الله تعالی لا یجبر أحداً علی فعل طاعة أو معصیة بل ترک الاختیار هو المیزان وهو الذی یحدد المطیع أو العاصی.

أنور:  إذن کیف نتخلص من هذا الإشکال؟

حسن: لم یوجد فی المقام إشکال بل هو الفراغ الحاصل من الجهل بهذه الأمور... علی کل حال قبل أن أجیبک علی هذا السؤال لابد أن أبیّن لکم أن لله تعالی هدایتین؛ الأولی هدایة عامة والثانیة هدایة خاصة... والآن أعرض لک الأمر ببساطة، قوله تعالی: ((یَهْدِی مَن یَشاء))(2)، إشارة إلی الهدایة العامة والخاصة، وقوله: ((یُضِلُّ مَن یَشاء))(3)، إشارة إلی حرمان العبد وخذلانه من الهدایة الخاصة فقط.

أنور: أحتاج إلی توضیح أکثر لأقف علی تمام المعرفة فی هذا الأمر.

حسن: بکل سرور.... یا سیدی الکریم إن الهدایة العامة هی التی تعم کل الموجودات؛ العاقل منها وغیر العاقل وهی علی قسمین:

1 -  الهدایة العامة التکوینیة: ویراد منها خلق کل شیء وتجهیزه بما یحتاج إلیه لیصل إلی غایته التی خلق لها کما فی قوله تعالی: ((قالَ رَبُّنا الَّذِی أَعْطَی


1- سورة إبراهیم، الآیة: 4.
2- سورة البقرة، الآیة: 142.
3- سورة الرعد، الآیة: 27.

ص: 79

کُلَّ شَیْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَی))(1)، ومن الهدایة التکوینیة فی الإنسان العقل الذی أنعم الله تعالی به علینا لنصل إلی ما خلقنا لأجله.

2 - الهدایة العامة التشریعیة: هی الهدایة العامة الشاملة للعاقل فقط، لأنه مخلوق یستطیع أن یدرک الشرائع التی یفیضها الله تعالی علیه والتی توصله إلی الخیر والکمال.

أما الهدایة الخاصة: فهذه الهدایة تختص بأفراد، وببعض دون بعض، فهی لا تشمل إلا من استضاء بنور الهدایة العامة والذی استفاد منها تمام الفائدة، أی أن الإنسان إذا استخدم عقله والتزم بالشرائع فإنه سیکون محل عنایة الله تعالی ورعایته فیوفقه الله تعالی لسبل النجاة والتزود بالأعمال الصالحة، وهذا ما یؤید قوله تعالی: ((وَالَّذِینَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًی))(2)، وکما فی قوله تعالی: ((وَالَّذِینَ جَاهَدُوا فِینَا لَنَهْدِیَنَّهُمْ سُبُلَنَا...))(3).

أنور: الآن وقد عرفنا الهدایة العامة والخاصة فما معنی الضلالة التی بیده سبحانه؟

حسن: المراد من الإضلال فی قوله تعالی: ((یُضِلُّ مَن یَشاء)) هو عدم الهدایة الخاصة وعدم التوفیق لما صدر منهم من أفعال قبیحة کالظلم أو الفسق، ویؤید هذا قوله تعالی: ((وَاللّهُ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الظّالِمِینَ))(4)، أو کما فی قوله تعالی:


1- سورة طه، الآیة: 50.
2- سورة محمد، الآیة: 17.
3- سورة العنکبوت، الآیة: 69.
4- سورة البقرة، الآیة: 258.

ص: 80

((وَما یُضِلُّ بِهِ إِلاّ الْفاسِقِینَ))(1)، وهناک الکثیر من الآیات التی تبیّن حرمان بعض الناس من الهدایة الخاصة والتوفیق الإلهی بسبب أفعالهم القبیحة.

أنور: أحسنتم کثیراً اتضح لی الأمر بتمامه.

…الحلقة 26: هل إن السعادة والشقاء من الله تعالی؟

أنور: السلام علیکم.

حسن: وعلیکم السلام ورحمة الله وبرکاته.

أنور: عندی سؤال متعلق بالعدل الإلهی هل بالإمکان الإجابة علیه؟

حسن: نعم تفضل.

أنور: کثیراً ما أسمع أن هذا الشخص سعید وهذا الشخص شقی أمِنَ الله تعالی السعادة والشقاء أم من العبد أم شرکة بینهما؟

حسن: هذا سؤال لطیف ووجیه، وقبل ان نبین ما منشؤهما لابد أن نسلط الضوء علی معنییهما.

أنور: نعم أحسنت.

حسن: یا سیدی الکریم، عُرفت السعادة بأنها صفة یتصف بها العبد عندما ینال الخیر الموافق لجسمه وروحه فیتنعم به ویلتذ، وأما الشقاوة فهی فقدان ذلک والحرمان منه.


1- سورة البقرة، الآیة: 26.

ص: 81

أنور: وإن کان هناک تعاریف أخری لکنها ترجع إلی ما قلت... نعم أکمل.

حسن: لابد أن نبیّن أن هذه الأمور قد وردت فی القرآن الکریم وفی الحدیث الشریف کما فی قوله تعالی: ((یَوْمَ یَأْتِ لا تَکَلَّمُ نَفْسٌ إِلاّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِیٌّ وَسَعِیدٌ (105) فأَمّا الَّذِینَ شَقُواْ فَفِی النّارِ لَهُمْ فِیها زَفِیرٌ وَشَهِیقٌ (106) خالِدِینَ فِیها ما دامَتِ السّماوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاّ ما شاء رَبُّکَ إِنَّ رَبَّکَ فَعّالٌ لِما یُرِیدُ (107) وَأَمّا الَّذِینَ سُعِدُواْ فَفِی الْجَنَّةِ خالِدِینَ فِیها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالأَرْضُ إِلاّ ما شاء رَبُّکَ عَطَاء غَیْرَ مَجْذُوذٍ))(1)، وهناک حدیث رواه عمر عن النبی  صلی الله علیه وآله وسلم یقول: «لما نزل (فمنهم شقی وسعید) قلت یا رسول الله فعلی ماذا نعمل؟ علی شیء قد فرغ منه، أم علی شیء لم یفرغ منه؟ فقال علی شیء قد فرغ منه یا عمر، وجفت الأقلام، وجرت به الأقدار، ولکن کل میسر لما خلق له».

  تلک الآیة وهذا الحدیث قد تشعر القارئ بأن السعادة والشقاء صفتان یتصف بهما الإنسان جبراً، ولکن فی الواقع لیس ذلک إلا إخباراً فیه دعوة للطاعة ونبذ المعصیة، لأن معناها أن الله تعالی أراد للإنسان الذی یختار الطاعة السعادة وللذی یختار المعصیة الشقاوة وإخباره بذلک لعلمه الأزلی وإرادته، وهذا لا یلزم منه الجبر بل یؤکد الاختیار لأن السعادة والشقاوة نتیجتان متوقفتان علی الفعل والفعل یصدر باختیار الفاعل، وهذا الکلام الذی تقدم ناظر إلی الآخرة دون الدنیا.


1- سورة هود، الآیة: 105 - 108.

ص: 82

أنور: ولکنّ هذین المفهومین السعید والشقی یتصف بهما أهل الدنیا فی الدنیا فکیف ذلک؟

حسن: یا أخی الکریم: إن السعادة والشقاء من الأمور التی یکتسبها الإنسان فی مدة حیاته ولیسا هما من الأمور الذاتیة التی تلازم الإنسان ولا تنفک عنه، فلا یقول عاقل إن السعادة أمر یتصف به الإنسان منذ ولادته وکذلک الحال فی الشقاء، بل هما نتیجة عوامل لها درجة الاقتضاء ولیس الإلزام سواء کانت هذه العوامل وراثیة أم ثقافیة أم بیئیة، أی الإنسان الذی یتصف بأنه مخلوق مختار لا یفقد اختیاره بسبب هذه العوامل فی تحقیق السعادة أو الشقاء.

أنور: ولکنّ هناک حدیثاً عن النبی  صلی الله علیه وآله وسلم یقول: «الشقی من شقی فی بطن أمه والسعید من سعد فی بطن أمه»؟.

 حسن: أرجو منک یا أخی أنور أن ترکز معی: إذا صح هذا الحدیث وثبت صدوره من النبی  صلی الله علیه وآله وسلم یکون المراد منه أن الإنسان فی بطن أمه علی صنفین: شقی وسعید أی إن الذی یولد من نطفة وبویضة لأبوین سالمین روحاً وجسماً یتصف بالسعادة فی بطن أمه وتستمر معه فی حیاته الدنیویة وهذا بخلاف الجنین المتکون من نطفة وبویضة لأبوین علیلین جسماً وروحاً فحیاته من هذا الوقت محکومة بالشقاء، ((إِلاّ ما شاء رَبُّکَ)) فإذن لا ترتبط بالآخرة بل هی مرتبطة بالدنیا، وهناک معنی غیر هذا الذی ذکرناه یشرح مراد الحدیث الشریف: «عن حمد بن عمیر قال: سألت أبا الحسن موسی بن جعفر  علیه السلام عن معنی

ص: 83

قول رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم: الشقی من شقی فی بطن أمه والسعید من سعد فی بطن أمه، فقال: الشقی من علم الله وهو فی بطن أمه أنه سیعمل أعمال الأشقیاء، والسعید من علم الله وهو فی بطن أمه أنه سیعمل أعمال السعداء».

أی إن الإخبار بسعادة وشقاء الفرد وهو فی بطن أمه مستند إلی علم الله تعالی بأنه سیکون شقیاً باختیاره للأعمال الطالحة أو سعیداً باختیاره للأعمال الصالحة ولیس هناک جبر أو تقیید للفرد.

أنور: هذا کلام علمی ممتاز.

حسن: أختم لک حدیثی بهذا الحدیث الذی یبین أن السعادة والشقاء من صنع الإنسان ولیس مجبوراً علی أحدهما کما یتضح فی قول أمیر المؤمنین علیه السلام حیث یقول: «حقیقة السعادة أن یختم الرجل عمله بالسعادة وحقیقة الشقاء أن یختم المرء عمله بالشقاء»، فإذن اتضح أن للفرد دخلاً فی اتصافه بالشقاء أوالسعادة.

ص: 84

ص: 85

الفصل الثالث: النبوة

اشارة

· بیان معنی النبوة وفوائد البعثة

· هل إن البعثة لطف الهی؟

· بیان المعجزة

· ما الفرق بین المعجزة والسحر؟

· طرق إثبات النبوة

· صفات النبی ومنها العصمة

· هل إن العصمة تسلب الاختیار؟

· عصمة النبی فی الأمور الفردیة والاجتماعیة

· کلام فی النبوة الخاصة

· فی صفات نبی الإسلام

· عوامل بناء شخصیة الإنسان

· کلام فی فصاحة القرآن الکریم وبلاغته

· کلام فی القرآن الکریم

· کلام فی عالمیة الرسالة وخاتمیتها

ص: 86

ص: 87

…الحلقة 27: بیان معنی النبوة وفوائد البعثة

أنور: السلام علیکم.

حسن: وعلیکم السلام ورحمة الله وبرکاته.

أنور: مع علمی ببقاء مواضیع متعلقة بالعدل الإلهی لم یتم الحدیث عنها إلا أننی أراها لیست ضروریة جداً بالنسبة لهذه المحاورة.

حسن: نعم ما تقدم عن العدل الإلهی یکفی لمن أراد الاطلاع بنحو الثقافة الدینیة علی نحو التخصص.

أنور: فإذن ممکن أن نتکلم الآن عن النبوّة فمن أین أبدأ؟

حسن: نبدأ باستعراض موجز وبسیط لبیان معنی النبوّة وأقسامها والحاجة إلیها.

ص: 88

أنور: أحسنتم کفیتنا المؤونة.

حسن: إذن نبدأ بتعریف النبوّة التی ذکرها العلماء فنقول: هی سفارة بین الله تعالی وبین ذوی العقول من عباده لتعریفهم أمر معادهم ومعاشهم، أی دنیاهم وأخراهم.

وأما تعریف النبی: هو الإنسان المخبر عن الله تعالی بإحدی طرق الإخبار.

أنور: هل لی بسؤال قبل الخوض فی التفاصیل؟

حسن: نعم تفضل.

أنور: هل بعثة الأنبیاء واجبة ولازمة؟

حسن: نعم لابد من بعثة الأنبیاء إلی الناس، أی أن حکمة الخالق سبحانه وعدالته تقتضی إرسال الرسل لهدایة الناس وإرشادهم إلی سبل السعادة.

أنور: هل لک أن تبین ذلک بدلیل؟

حسن: نعم وبشکل إجمالی (الإنسان اجتماعی بالطبع إما بدافع الفطرة أو بدافع الحاجة، وعلی هذا لابد من تشکیل مجتمع وحیاة اجتماعیة، فإذا صار الأمر کذلک یوجب وجود قانون ینظم حیاة المجتمع وإلا تعم الفوضی ویشتد التنافس والتشاجر بین أبناء المجتمع لأن الإنسان مفطور علی حب ذاته وجر النفع لها دون مراعاة حقوق الآخرین، ولابد أن یکون هذا القانون معصوماً من الخطأ ویلبی حاجات الفرد والمجتمع علی أکمل وجه، وعلی هذا

ص: 89

الأساس لابد أن یکون المقنن متصفاً بصفات تؤهله إلی سن هذا القانون المعصوم وتشریعه).

أنور: أنت بینت لی حاجة الناس إلی القانون، وزدتنی أن بینت لی صفة هذا القانون فهل لک أن تذکر لی صفات المقنن أو الشروط التی تجعله مؤهلاً للتقنین؟

حسن: نعم: للمقنن شروط:

أولها: أن تکون لدیه معرفة بالإنسان معرفة کلیة، أی محیطاً به إحاطة تامة.

ثانیها: أن لا یکون المقنن منتفعاً بالقانون.

ثالثها: أن یحرص المقنن علی إصلاح الباطن مع الظاهر من خلال قانونه.   

ومما یؤکد هذا قوله تعالی: ((لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَیِّناتِ وَأَنزَلْنا مَعَهُمُ الْکِتابَ وَالْمِیزانَ لِیَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ...))(1)، فصارت غایة الرسل وإنزال الکتب هی القیام بالقسط الذی یحقق السعادة، وهذا لا یتم إلا بسن قانون صحیح ومتکامل ومعصوم.

أنور: عرفنا شروط المقنن وعرفنا القانون وعرفنا حاجة المجتمع إلیه، هل هناک فوائد أخری من البعثة؟

حسن: أنا بحاجة إلی استراحة، فهل تسمح بذلک؟

أنور: بالطبع سیدی أنت متفضل ولک الأمر.


1- سورة الحدید، الآیة: 25.

ص: 90

…الحلقة 28: تکملة فی فوائد البعثة

أنور: أظن انک نلت قسطاً من الراحة تؤهلک للحوار مرة أخری ألیس کذلک؟

حسن: الحمد لله أنا جاهز.

أنور: إذن تفضل بالإجابة علی سؤالی السابق ألا وهو ما هی الفوائد الأخری من البعثة بحیث تجعلها لازمة؟

حسن: نعم هناک فوائد أخری للبعثة منها:

1 - حاجة المجتمع إلی المعرفة.

2 - حمایة الفطرة المودعة فی الإنسان، وضبط الغرائز.

3 - اللطف الإلهی.

4 - إلقاء الحجة.

أنور: هذه الأمور التی ذکرتها توجب بعثة الأنبیاء، هل لی أن أطمع بشرح موجز لها؟

حسن: نعم وسنتعرض لشرح النقاط بشکل موجز ویسیر بما یسمح به المقام.

أولاً: حاجة المجتمع إلی المعرفة:بما أن الله تعالی أودع الغرائز فی الإنسان فلابد أن تکون هناک غایة، وحیث أن هذه الغرائز لاتستطیع بمفردها أن تصل بالإنسان إلی غایته ضم إلیها ما یستنیر به ویفی بحاجاته التی تقصر الغرائز عن

ص: 91

تلبیتها وهو (العقل) إلا أن العقل غیر مصون عن الخطأ والزلل والاشتباه، فلابد من سلاح یحفظ العقل من الخطأ والانزلاق ولیس ذلک إلا العلم الإلهی الذی یبنی عقل الإنسان ویهذب روحه ویبین نوع علاقته مع إفراد مجتمعه، ویوضح الطرق السالکة من الطرق المهلکة ویرشد إلی المصالح وینهی عن المفاسد.

وهذا لایتم إلا من خلال المعرفة الإلهیة التی یرسلها الله تعالی إلی الناس عن طریق سفرائه (الأنبیاء).

أنور: هل لی ببعض الأدلة النقلیة؟

حسن: نعم أخی الکریم فلنأخذ دلیلاً قرآنیاً کما فی قوله تعالی: ((کانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِیِّینَ مُبَشِّرِینَ وَمُنذِرِینَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْکِتابَ بِالْحَقِّ لِیَحْکُمَ بَیْنَ النّاسِ فِیما اخْتَلَفُواْ فِیه))(1).

وهناک أحادیث متنوعة تشیر إلی عجز العقل عن إدراک جمیع ما ینفع الإنسان، وأحادیث تشیر إلی فائدة البعثة ولزوم إرسال الرسل فقد قال رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم: «ولا بعث الله نبیاً ولا رسولاً حتی یستکمل العقل...» وقول أمیر المؤمنین علیه السلام: «فبعث الله محمداً  صلی الله علیه وآله وسلم لیخرج عباده من عبادة الأوثان إلی عبادته، ومن طاعة الشیطان إلی طاعته»، وقوله  علیه السلام: «...إلی أن بعث الله محمداً رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لانجاز عدته، وتمام نبوته... وأهل الأرض یومئذ ملل متفرقة، وأهواء منتشرة، وطوائف مشتتة، بین مشبه لله بخلقه، أو ملحدٍ فی أسمائه، أو مشیر به إلی غیره، فهداهم به


1- سورة البقرة، الآیة: 213.

ص: 92

من الضلالة...»، وقول الإمام الکاظم  علیه السلام لتلمیذه هشام: «یا هشام، ما بعث الله أنبیاءه ورسله إلی عباده إلا لیعقلوا عن الله، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة، وأعلمهم بأمر الله، أحسنهم عقلاً، وأکملهم عقلاً، وأرفعهم درجة فی الدنیا والآخرة»، وقول الإمام الرضا  علیه السلام: «لم یکن بد من رسول الله بینه وبینهم، یؤدی إلیهم أمره ونهیه وأدبه، ویوقفهم علی ما یکون به من إحراز منافعهم ودفع مضارهم إذ لم یکن فی خلقهم ما یعرفون به ما یحتاجون إلیه».

ثانیاً: حمایة الفطرة المودعة فی الإنسان وضبط الغرائز:لابد من تلبیة متطلبات الفطرة وإشباع الغرائز وإلا یهلک الإنسان ویعدم فمثلاً: بالنسبة إلی الغرائز نجد أن خلایا الإنسان بحاجة إلی الغذاء وبدنه بحاجة إلی النوم والراحة، وبدون ذلک یضطرب الإنسان ویخرج عن عنوان الإنسانیة، فلا بد من تشریع یضبط هذه الغرائز ویحافظ علی إنسانیة الإنسان,وأما بالنسبة إلی الفطرة فمثلا: معرفة الله تعالی والمیل إلی الأعمال الحسنة والابتعاد عن الأمور السیئة هذه من مرتکزات الفطرة، فلابد من وجود قانون وتشریع یحمی هذه الفطرة ویحقق لها حاجاتها إلی الهدایة, لعدم قدرة العقل علی ذلک لعجزه عن الإحاطة بالجزئیات والغیبیات فهو بحاجة إلی الوحی کما أن الوحی بحاجة إلیه لیکون محلاً للتشریع.

أنور: أرانی أتعبتک هذا الیوم.

حسن: شکراً لملاحظتک سنکمل إن شاء الله تعالی.

ص: 93

…الحلقة 29: هل إن البعثة لطف الهی؟

أنور: السلام علیکم.

حسن:علیکم السلام ورحمة الله وبرکاته.

أنور: کأنما وقفنا عند النقطة الثالثة فی لزوم بعثة الأنبیاء إلا وهی اللطف الإلهی؟

حسن: نعم:مما استدلوا به علی لزوم بعثة الأنبیاء والرسل هی قاعدة اللطف، ولکی نسلط الضوء علی معنی هذه القاعدة فلابد من تعریف اللطف فنقول: هو کل ما یکون موجباً لقرب المکلف إلی فعل الطاعة والبعد عن فعل المعصیة من دون أن یکون مُمکّناً للفعل، بل هو مقرّب فقط، کما أن هذا اللطف لا یؤدی إلی الإلجاء والاضطرار.

أنور: هل لکم ان تضربوا مثلاً یوضح ما قلتم؟

حسن: نعم: الوعد بالخیر، والوعید بالعذاب، أو مبدأ الترغیب الذی یرغب العبد فی العمل الصالح، ومبدأ الترهیب الذی یبعد العبد عن المعصیة وهکذا.

أنور: شکراً لک صارت القاعدة واضحة، وفهمت من کلامکم أن بعثة الأنبیاء هی لطف إلهی.

حسن: نعم: وعبر عنها فی القرآن ((البشیر، النذیر)) ولکن هناک دوراً آخر للأنبیاء غیر دور البشارة والإنذار هو التعلیم والأمر والنهی وهذا یدخل فی اللطف المحصّل.

ص: 94

أنور: ما هذا؟ کأنه کلام جدید؟

حسن: نعم: إن اللطف ینقسم علی قسمین:

أ -  اللطف المحصّل.

ب - اللطف المقرب.

والمراد بالأول: هو القیام بالمقدمات والمبادئ التی یتوقف علیها تحقق الغرض أی أنه لطف ممکن.

والمراد بالثانی: ما بینه من أنه مقرِّب غیر ممکن.

وبعثة الرسل من اللطف الأول أی أنها ممکنة من الفعل لا مقرِّبة.

أنور: هل أن هذا اللطف مما یقتضیه کمال الله وعدله؟

حسن: نعم بالضبط فهو واجب عنه لکماله وعدله.

أنور: هل لک أن تشنف أسماعنا بذکر ما یحیی القلب من کلام الرسول الأکرم  صلی الله علیه وآله وسلم أو أهل بیته؟

حسن: نعم: ورد عن أمیر المؤمنین  علیه السلام ما فیه إشارة إلی ذلک: «أیها الناس، إن الله تبارک وتعالی لما خلق خلقه أراد أن یکونوا علی آداب رفیعة وأخلاق شریفة، فعلم أن لن یکونوا کذلک إلا بأن یعرفهم ما لهم وما علیهم، والتعریف لا یکون إلا بالأمر والنهی، والأمر والنهی لا یجتمعان إلا بالوعد والوعید، والوعد لا یکون إلا بالترغیب، والوعید لا یکون إلا بالترهیب، والترغیب لا یکون إلا بما تشتهیه أنفسهم وتلذه أعینهم، والترهیب لا یکون إلا بضد ذلک...»(1).


1- بحار الأنوار: ج 4، کتاب العدل والمعاد، الباب 15.

ص: 95

أنور: لماذا هذا اللطف بالعبد؟

حسن: سؤال ممتاز: یا سیدی أرد علیک بما قاله العلامة الحلی ( قدس سره): «إن المکلِّف إذا علم أن المکلَّف لا یطیع إلا باللطف، فلو کلفه من دونه کان ناقضاً لغرضه، کمن دعا غیره إلی طعام، وهو یعلم أنه لا یجیبه إلا أن یستعمل معه نوعاً من التأدب، فإن لا یفعل الداعی ذلک النوع من التأدب کان ناقضاً لغرضه، فوجوب اللطف یستلزم تحصیل الغرض».

أنور: ما هو قولکم فی أن بعثة الرسل لإقامة الحجة علی الخلق؟

حسن: هذا من أوضح البدیهیات، تعلم أن الله تعالی لا یکلف عباده إلا بعد إقامة الحجة علیهم وإلا بدون إقامة الحجة علیهم یلزم منه الظلم، تعالی الله عن ذلک علواً کبیراً.

أنور: صدقت إنی نسیت قوله تعالی: ((وَما کُنّا مُعَذِّبِینَ حَتَّی نَبْعَثَ رَسُولاً))(1).

حسن: وهناک آیة أخری تصرح بالحجیة علی الناس کما فی قوله تعالی: ((لِئَلاّ یَکُونَ لِلنّاسِ عَلَی اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَکانَ اللّهُ عَزِیزًا حَکِیمًا))(2).

أنور: إذن عرفنا لماذا یلزم بعث الأنبیاء والرسل، والآن لابد من معرفة الأمور المتعلقة بالنبوة، وأترک هذا الأمر إلیک.

حسن: إن شاء الله تعالی بعد أن نأخذ قسطاً من الراحة.


1- سورة الأسراء، الآیة: 15.
2- سورة النساء، الآیة: 165.

ص: 96

…الحلقة 30: بیان المعجزة

 أنور: أرجو أن تکون قد ارتحت وتهیأت.

حسن: نعم الحمد لله علی نعمه... سیدی الکریم ما دمنا فی النبوّة العامة وعلی هذا لابد من الحدیث فی الملحقات المرتبطة بعنوان النبوّة العامة کالمعجزة، وصفات الأنبیاء ونبدأ الحدیث عن المعجزة، ولکن قبل التعرض لهذا الموضوع نشیر إلی أن هناک ثلاثة طرق لإثبات صدق مدعی النبوّة:

1 - الإعجاز.

2 - تصدیق النبی السابق للنبی اللاحق.

3 - القرائن والشواهد من حالات المدعی وتلامذته ومنهجه بحیث تعطینا القطع بصدق دعواه.

أنور: ستشرح لی هذه الطرق حسب التسلسل؟

حسن: نعم ونبدأ بالإعجاز فنقول عرف العلماء المعجزة: بأنها أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدی، مع عدم المعارضة.

أنور: أرجوک شیئاً من الإیضاح؟

حسن: أنت تعلم أن هناک أموراً مضادة لحکم العقل کاجتماع النقیضین وارتفاعهم، أو وجود المعلول بلا علة وغیر ذلک فهذا لا یخرق أبداً، وأما الذی یخرق فهو القواعد العادیة التی لا تکون مستحیلة بحسب حکم العقل.

ص: 97

أنور: هل لک أن تمثل لی مثلاً عن الإعجاز الخارق للعادة؟

حسن: نعم مثلاً عرش بلقیس الذی نقله شخص فی طرفة عین من مکان بعید إلی مکان آخر دون الاستعانة بالوسائل الطبیعیة فی زمن خال من الوسائل الصناعیة المتحضرة، فهذا من المعجزات.

أنور: لکن هل تم ذلک النقل بلا أسباب؟

حسن: کلا: لم أقل بلا أسباب إنما الذی قلته لم یتم بالأسباب الطبیعیة العادیة، وهذا یعنی أن هناک أسبابا أخری لم یصل إلیها العلم  بعد، وهذا شرح التعریف فی شقه الأول (أمر خارق للعادة) ثم ننتقل إلی المقطع الثانی (مقرون بالتحدی) فأقول لابد من وجود دعوی للتحدی لإثبات السفارة أو النبوّة، لأن بدون هذا التحدی أو بدون دعوی النبوّة سیکون الإعجاز مجرد کرامة لا غیر.

وأما المقطع الثالث فی التعریف (مع عدم المعارضة) فمعناه ان لا یوجد من له القدرة علی إثبات نفس الإعجاز لرد الدعوی.

أنور: لو وجد من یستطیع ذلک وهو معارض لمدعّی النبوّة، کیف نحکم؟

حسن: نقول إذا کان المعارض مدعیاً للنبوّة أیضاً فلابد أن یکون أحدهما صادقاً والآخر کاذباً وإلا لایمکن أن تختلف دعوتان وکلاهما علی حق، ثم قلنا إن المعجزة لابد أن یعجز عنها جمیع الناس وإلا لا تسمی معجزة.

أنور: ماذا نفسر لو أتی شخص بعمل خارق ولکنه غیر مطابق للدعوی؟

حسن: سؤال جداً ممتاز: یا سیدی فعل مسیلمة ذلک عندما أدعی النبوّة فطلبوا منه أن یفعل کما  فعل رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم عندما تفل فی بئر قلیلة الماء فازداد

ص: 98

ماؤها وعذب، فقام مسیلمة بذلک فانعکست النتیجة ففار الماء ولم یبق شیء وکذّبه الله تعالی، فنفهم من هذا کله أن المعجزة لابد أن تکون مطابقة للدعوی.

أنور: هل استطیع أن أضیفه للتعریف؟

حسن: نعم تستطیع ذلک.

أنور: عندی أسئلة أخری متعلقة بالمعجزة؟

حسن: وأنا عندی موعد ولابد من الذهاب إلیه وسأکمل لک غداً إن شاء الله.

…الحلقة 31: ما الفرق بین المعجزة والسحر؟

أنور: سلام من الله علیک سیدی الأستاذ.

حسن: استغفر الله وعلیک السلام ورحمة الله وبرکاته... سل ما بدا لک.

أنور: أرید أن اسأل هل إن الإعجاز یخالف قاعدة العلة والمعلول؟

حسن: کلا... ولعلک ترید أن تقول کیف تتحول عصا من خشب إلی حیة تسعی وغیر ذلک؟

أنور: هذا وغیره.

حسن: نحن یجب أن لا نخلط بین عدم وجود العلة مطلقاً وبین عدم وجود العلة المادیة، فالذی   یخالف القاعدة لو قلنا إن هذه الأشیاء وقعت دون أن تستند إلی علة ابداً، ولکن الحق إن لها علة لم نشاهدها أو لم یعرفها العلم بعد أو لم تصل إلیها التجربة.

ص: 99

أنور: إذن ما هی العلة التی توجد المعجزة؟

حسن: هناک أقوال وکلها ترد إلی الله تعالی، فإما أن تکون العلة هی الله تعالی مباشرة أو مخلوقاً یعمل بإذنه وإقداره غیر ظاهر لنا، أو هی نفس النبی وروحه، وهذا أیضا یرجع إلی الله تعالی.

أنور: عرفنا الفرق بین المعجزة والکرامة، ولکن ما هو الفرق بین المعجزة والسحر؟

حسن: الفرق بین المعجزة وبین السحر ما یلی:

1 - السحر یمکن تعلمه دون المعجزة.

2 - السحر قابل للمعارضة دون المعجزة.

3 - السحر لا یقترن بالتحدی دون المعجزة.

4 - السحر محدود من حیث التنوع دون المعجزة.

5 - السحر یختلف فی غایته عن المعجزة.

أنور: شکراً کثیراً کثیراً... ولکن بقی لدی سؤال واحد فقط؟

حسن: سل کما تشاء.

أنور: کیف تدل المعجزة علی صدق دعوة النبوّة؟

حسن: بما أن الله تعالی عادل لا یجور ویرید هدایة الناس ولا یرضی بضلالتهم، وبما أن المعجزة سند للمدعی فإن الدعم الإلهی للمدعی بالمعجزة دلیل علی أن هذا المدعی مرتبط بالله تعالی وإلا سیقع کثیر من الناس فی الانحراف والضلال عند اتباعهم مدعی النبوّة الکاذب، فلذلک من المحال أن یسند الله تعالی المدعی الکاذب بمعجزة، لأن ذلک یتسبب فی انحراف الناس.

ص: 100

أنور: إذن نستنتج أن کل من جاء بالمعجزة وهو یدعی النبوّة فهو صادق ونبی؟

حسن: نعم بالضبط، ثم أرید أن أضیف إلی ما تقدم شیئاً آخر، لو سأل سائل لماذا لم تقع معجزة فی الوقت الحاضر مع حاجة الإنسان المعاصر الذی أنبهر بالتطور العلمی لذلک؟ فسیکون الجواب: أن القرآن الکریم هو خاتم المعجزات لأنه معجزة لخاتم الأنبیاء  صلی الله علیه وآله وسلم وسیبقی معجزة خالدة إلی ما شاء الله.

أنور: کیف یکون معجزة خالدة؟

حسن: ألا تقرأ قوله تعالی متحدیاً جمیع البشر وعلی مدی الدهر ((وَإِن کُنتُمْ فِی رَیْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَی عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِن مِثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءکُم مِن دُونِ اللّهِ إِنْ کُنْتُمْ صَادِقِینَ))(1)، وقوله تعالی: ((قُل لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَی أَن یَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ یَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ کَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِیرًا))(2).

هاتان الآیتان صریحتان فی أن القرآن الکریم معجزة تحدی بها صاحبها جمیع البشر والجن إلی ما شاء الله تعالی.

أنور: هذا الکلام الجمیل کان فی الطریق الأول لإثبات دعوی المدعی للنبوّة، والآن لابد من شرح الطریقین الآخرین.

حسن: بعد أن تأخذ کوبا من الماء وشیئاً من الراحة.


1- سورة البقرة، الآیة: 23.
2- سورة الإسراء، الآیة: 88.

ص: 101

…الحلقة 32: طرق إثبات النبوة

أنور: هل شربت الماء هنیئاً مریئاً؟

حسن: الحمد لله علی نعمة الماء والسلام علی أبی عبدالله الحسین.

أنور: ها.... هل تکمل لی الحوار؟

حسن: الطریق الثانی وهو(تنصیص النبی السابق علی نبوّة اللاحق) لأن الأول قد ثبتت له النبوّة من خلال معجزته وهو متصف بالعصمة عن الخطأ والکذب والسهو وغیر ذلک، وهذا النبی الأول هو الذی أخبر عن اللاحق فیکون هذا الإخبار نصاً قطعیاً علی نبوّة اللاحق.

أنور: هذا واضح جداً.

حسن: وأما الطریق الثالث وهو (جمع القرائن والشواهد...) فهذه القرائن والشواهد تدلنا علی صدق دعواه أو تدلنا علی کذبه وهی کما یلی:

1 - نفسیات المدعی: أی تحلیه بروحیات کمالیة عالیة وأخلاق نبیلة ومن_زّه عن کل نقص علی مستوی الظاهر والباطن.

2  -  مضمون الدعوة: لابد أن یکون مضمون الدعوة یطابق المعارف الإلهیة.

3 - التضحیة بنفسه وبمن یحب من أجل إثبات صدق دعوته.

4 - أدوات الدعوة: یجب أن تکون الأدوات والأسالیب موافقة للفطرة والطهارة.

ص: 102

6 - المؤمنون به: یجب أن یؤمن به قبل کل أحد من له معرفة به وبباطنه وأسراره.

أنور: هذا الطریق الثالث فیه کلام کثیر ألیس کذلک؟

حسن: بلی ولکنه ینفع فی المقام.

أنور: هل ننتقل إلی الأمر الثانی فی النبوة العامة؟

حسن: أتقصد صفات النبی؟   

أنور: نعم...

حسن: جید ولکن هل فرغت سلتک من الأسئلة؟

أنور: نعم... أنا انتظر الکلام فی الأمر الثانی.

حسن: إن شاء الله تعالی.

…الحلقة 33: صفات النبی ومنها العصمة

أنور: السلام علیکم.

حسن: وعلیکم السلام ورحمة الله وبرکاته.

أنور: وعدتمونا بالحدیث عن صفات الأنبیاء، ولا شک أنکم ستفون بوعدکم.

حسن: نعم... لابد من الوفاء... فیا سیدی الکریم بما أن النبوّة هی مسؤولیة قیادة المجتمع البشری من خلال هدایة الإنسان إلی الکمال وإیصاله

ص: 103

إلی السعادة الدنیویة والأخرویة فلابد أن یتصف من یقوم بهذا الدور بامتیازات ومؤهلات ینفرد بها عن جمیع الناس.

أنور: هذا الأمر لاشک فیه وهو من البدیهیات.

حسن: فالصفات الروحیة والفضائل الأخلاقیة التی یجب أن یتصف بها النبی تجتمع فی الأمور التالیة:

1. العصمة: التی هی قوة تمنع الإنسان عن اقتراف المعصیة والوقوع فی الخطأ.

2. التن_زه عن کل ما یوجب نفرة الإنسان عنه وعقم التبلیغ.

3. أن یکون النبی أفضل وأعلم من جمیع الأمة لقبح تبعیة الأفضل للمفضول.

4.  التحلی بکفاءة فریدة فی القیادة والإدارة وحسن التدبیر.

وبعبارة موجزة ینبغی أن یتصف بکمال الظاهر والباطن.

أنور: هل لک أن تشرح لی بشکل موجز عن کل نقطة من هذه النقاط؟

حسن: نعم سأبین لک ما ینفع فی المقام فنبدأ مثلاً بالعصمة:

فأقول: إن المتکلمین عرّفوا العصمة فضلاً عمّا ما تقدم بأنها (لطف یفعله الله فی المکلف بحیث لایکون له مع ذلک داع إلی ترک الطاعة، ولا إلی فعل المعصیة، مع قدرته علی ذلک).

وللعصمة مراتب ثلاث:

1 - المصونیة عن الذنب ومخالفة الأوامر المولویة.

2 - المصونیة فی تلقی الوحی ووعیه وإبلاغه إلی الناس.

3 - المصونیة من الخطأ فی تطبیق الشریعة والأمور الفردیة والاجتماعیة.

ص: 104

أنور: یقولون إن هناک نوعین من العصمة فهل هذا صحیح؟

حسن: نعم...هناک عصمة ذاتیة وأخری أفعالیة.

أنور: ممکن أن توضح لی شیئاً عن ذلک؟

حسن: العصمة الذاتیة: هی التنزه عن الذنوب والخطأ عمداً وسهواً ونسیاناً، وهذه مختصة بالأنبیاء والأئمة  علیهم السلام. 

العصمة الأفعالیة: هی التنزه عن الذنوب والخطأ عمداً فقط، وهذه باستطاعة أی من الناس الذین یعملون علی مجاهدة النفس الوصول إلیها علماً أنها حصلت لبعض أولاد الأئمة کأبی الفضل العباس وأخته زینب العقیلة والسیدة فاطمة المعصومة وعلی الأکبر وغیرهم.

أنور: أحتاج إلی بیان کیفیة حصول العصمة؟

حسن: بشکل مختصر: تحصل العصمة من درجة التقوی العلیا التی یتحلی بها الإنسان، ومن العلم القطعی بعواقب المعاصی وقبحها، وحب الخالق وعشقه، هذه الأمور هی التی تصد الإنسان عن ارتکاب المعصیة أو الخطأ.

أنور: هذا کلام جمیل ومفید رغم کونه مختصراً، سیدی أحب أن أطلع علی دلیل لزوم العصمة؟

حسن: کما تعلم أن الدلیل علی العصمة إما أن یکون دلیلاً عقلیاً محضاً أو مرکباً من الدلیل العقلی والشرعی وهی کما یلی:

أولاً -  عدم العصمة یؤدی إلی نقض الغرض:

أی أن الغرض والمقصود من إرسال الأنبیاء إلی الناس هو لإرشادهم نحو

ص: 105

المصالح وإبعادهم عن المفاسد الواقعیة وتربیتهم وتزکیتهم وإیصالهم إلی الکمال اللائق بهم، وهذا لایحصل بدون العصمة، فلو فرضنا وقوع الخطأ والنسیان والسهو من النبی فکیف یتسنی له إرشاد الناس إلی ما یرید الله تعالی؟

ثانیاً  -  إن العصمة هی الوسیلة الأحسن والأرجح لتحقیق الغرض وغیرها دونها فی الفضل، فلذلک یجب تقدیمها علی غیرها لعدم جواز تقدیم الراجح علی المرجوح الذی هو غیرها، علماً أن لامانع منها.

ثالثاً  -  عدم العصمة یوجب تنفر الناس عن قبول قول النبی والاستماع إلیه، وعدم سکن النفوس والانقیاد للنبی.

رابعاً  -  لو لم یکن النبی معصوماً للزم الإنکار علیه وهذا یستلزم إیذاءه، وهو منهی عنه، إذن یجب أن یکون معصوماً حتی لایقع فی المنکر الذی یؤدی إلی إیذائه ومن ثم یؤدی إلی وقوع الناس فی الحرج.

خامساً  -  إذا قلنا بعدم العصمة فهذا یعنی جواز صدور المعصیة منه، فإذا صدرت منه المعصیة لایجوز عند ذلک اتباعه، علماً أننا مأمورون باتباعه فیقع عند ذلک التناقض.

أنور: من هنا نفهم الآیات الکریمة التی تحث الناس علی اتباع الأنبیاء وعدم مخالفتهم.

حسن: نعم بالضبط وهناک کلام کثیر فی العصمة لا یسمح المقام بسرده.

أنور: عندی سؤال عن العصمة؟

حسن: دعنا نسترح بعض الشیء.

ص: 106

…الحلقة 34: هل إن العصمة تسلب الاختیار؟

أنور: سیدی الکریم... هل إن العصمة تسلب الاختیار؟

حسن: کلا فهی لاتسلب الاختیار، فلو سلبت الاختیار لما حصل للمعصوم فضل فی عصمته.

أنور: إذن نستطیع أن نقول إن المعصوم قادر علی فعل المعصیة.

حسن: نعم بالتأکید ولکن الذی منعه من ذلک ما تقدم من قولنا عن درجة تقواه وعلمه القطعی بالعواقب وحبه وعشقه لله تعالی.

أنور: أحتاج إلی بعض الأمثلة؟

حسن: مثلاً: الوالد العطوف لایفکر مجرد تفکیر بذبح ابنه لفرط حبه لولده مع قدرته علی ذلک.

ومثل آخر: العاقل لایفکر بشرب السم لمعرفته بالعواقب مع قدرته علی ذلک.

أنور: أحیاناً یفهم من بعض النصوص أن العصمة موهبة إلهیة وهذا یعنی عدم أفضلیة المعصوم علی غیره؟

حسن: یجاب علی هذه المسألة بالآتی:

1 - قول الشیخ المفید قدس سره: «العصمة تفضل من الله علی من علم انه یتمسک بعصمته».

ص: 107

2 - قول السید المرتضی قدس سره: «العصمة لطف الله الذی یفعله تعالی، فیختار العبد عنده الامتناع عن فعل القبیح».

وبشکل مختصر مفید نقول: إنه تعالی علم ما فی ضمائرهم ونیاتهم ومستقبل أمرهم، وعلم انه لو أُفیضت علیهم الموهبة لاستخدموها فی طریق الطاعة وترک المعصیة بکامل حریتهم واختیارهم.

أنور: هل لعامل الوراثة والتربیة دخل فی ذلک؟

حسن: نعم عامل الوراثة والتربیة رغم کونه خارجاً عن اختیارهم لکنه عامل مساعد علی الوصول إلی الکمال ولکن بشرط استثماره وضمه إلی مجاهدة النفس وترویضها لکی تتحقق العصمة، وبدون تلک المجاهدة وذلک الترویض لاینفعهم عامل الوراثة والتربیة، أی أن تلک العوامل عوامل اقتضائیة غیر إلزامیة.

أنور: ماذا تقصد ب_(عوامل اقتضائیة غیر إلزامیة)؟

حسن: أقصد أنها تؤدی إلی الکمال أو النقص إذا أراد صاحبها ذلک ولکن لاتجبره علی الکمال أو النقص.

أنور: إذا صار الإنسان معصوماً، فهل یقع فی المعصیة بعد العصمة؟

حسن: کلا.... وهذا ما بینه القرآن الکریم فی قوله تعالی: ((وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَیَعْقُوبَ کُلاًّ هَدَیْنَا وَنُوحًا هَدَیْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّیَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَیْمَانَ وَأَیُّوبَ وَیُوسُفَ وَمُوسَی وَهَارُونَ وَکَذَلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ))(1)، ((أُوْلَئِکَ


1- سورة الأنعام، الآیة: 84.

ص: 108

الَّذِینَ هَدَی اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِکْرَی لِلْعَالَمِینَ))(1)، ثم قال فی مکان آخر ((وَمَن یَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَیْسَ اللَّهُ بِعَزِیزٍ ذِی انتِقَامٍ))(2)، فنقول: بما أن النبی شملته الهدایة لا یضل إذن النبی لا یضل.

أنور: ما قولک فیما یقال من أن النبی معصوم فی مقام التبلیغ فقط؟

حسن: قلنا إن هناک عصمة عن الخطأ فی تطبیق الشریعة والأمور العادیة.

أنور: ما الدلیل علیها؟

حسن:هذا من البدیهیات فلو فرضنا انه ینسی ویسهو ویخطئ فیطبق خلاف ما یقول, ألا یلزم من هذا نقض کونه أسوة وقدوة؟

ألایلزم من هذا انه یأمر الناس بالبر وینسی نفسه؟

ألایلزم من هذا دخول الشک فی قلوب الأتباع عندما یرون التناقض بین القول والفعل؟ ألایحصل فی أذهانهم شعور بأن الذی یسهو وینسی ویخطئ فی التطبیق قد یکون کذلک فی مجال التبلیغ فیرفع الاطمئنان بقوله؟

هذا فضلاً عن الآیات التی تشیر إلی أن النبی شاهد علی أمته, فکیف یکون شاهدا وهو متعرض للسهو والنسیان والخطأ.

أنور: هل لی بذکر الآیات؟            


1- سورة الأنعام، الآیة: 90.
2- سورة الزمر، الآیة: 37.

ص: 109

حسن:نعم کما فی قوله تعالی: ((وَکَذَلِکَ جَعَلْنَاکُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَکُونُواْ شُهَدَاء عَلَی النَّاسِ وَیَکُونَ الرَّسُولُ عَلَیْکُمْ شَهِیدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِی کُنتَ عَلَیْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن یَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن یَنقَلِبُ عَلَی عَقِبَیْهِ وَإِن کَانَتْ لَکَبِیرَةً إِلاَّ عَلَی الَّذِینَ هَدَی اللّهُ وَمَا کَانَ اللّهُ لِیُضِیعَ إِیمَانَکُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِیمٌ))(1)، ((فَکَیْفَ إِذَا جِئْنَا مِن کُلِّ أمَّةٍ بِشَهِیدٍ وَجِئْنَا بِکَ عَلَی هَؤُلاء شَهِیدًا))(2)، ((وَإِن مِنْ أَهْلِ الْکِتَابِ إِلاَّ لَیُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَیَوْمَ الْقِیَامَةِ یَکُونُ عَلَیْهِمْ شَهِیدًا))(3)، ((وَیَوْمَ نَبْعَثُ مِن کُلِّ أُمَّةٍ شَهِیدًا ثُمَّ لاَ یُؤْذَنُ لِلَّذِینَ کَفَرُواْ وَلاَ هُمْ یُسْتَعْتَبُونَ))(4)، ((وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْکِتَابُ وَجِیءَ بِالنَّبِیِّینَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِیَ بَیْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لا یُظْلَمُونَ))(5)، ((مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِی بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّی وَرَبَّکُمْ وَکُنتُ عَلَیْهِمْ شَهِیدًا مَا دُمْتُ فِیهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّیْتَنِی کُنتَ أَنتَ الرَّقِیبَ عَلَیْهِمْ وَأَنتَ عَلَی کُلِّ شَیْءٍ شَهِیدٌ))(6).

أنور: أحسنت کثیراً.

حسن: أحسن الله إلیک.


1- سورة البقرة، الآیة: 143.
2- سورة النساء، الآیة: 41.
3- سورة النساء، الآیة: 159.
4- سورة النحل، الآیة: 84.
5- سورة الزمر، الآیة: 69.
6- سورة المائدة، الآیة: 117.

ص: 110

…الحلقة 35: عصمة النبی فی الأمور الفردیة والاجتماعیة

أنور: سیدی لم تبیّن کیف یکون النبی معصوماً حتی فی الأمور الفردیة والاجتماعیة؟

حسن: بما أن النبی أسوة لأمته لابد أن یکون عمله خالیاً من الخطأ والنسیان والسهو وإلا یلزم وقوع الناس فیما وقع هو فیه من الخطأ، لأنه الأسوة والقدوة فی مجال الحیاة الفردیة والاجتماعیة ولیس فی مجال التبلیغ.

أنور: کیف؟ لم أفهم ما قلت؟

حسن: أقصد أن الله تعالی أمرنا بأن نقتدی به فی مجال الحیاة الفردیة والاجتماعیة ولم یأمرنا أن نقتدی به فی التبلیغ لأن التبلیغ هو وظیفة النبی فقط.

وبعبارة أصرح إن سنة النبی هی قوله وفعله وتقریره، ألیس هو القائل (صلّوا کما رأیتمونی أصلی) ألیس فی هذا دلالة علی اعتماد الفعل دون القول وهناک کثیر من الأدلة التی تشیر إلی أن فعل النبی حجة علینا.

وهذه الآیة صریحة فی أن الفعل حجة ((إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَیْکَ الْکِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْکُمَ بَیْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاکَ اللّهُ وَلاَ تَکُن لِّلْخَآئِنِینَ خَصِیمًا))(1)، فقوله تعالی: ((لِتَحْکُمَ بَیْنَ النَّاسِ)) هو فعل وتطبیق فلو تسرب الخطأ إلی التطبیق لساد الظلم ولعمت الفوضی.


1- سورة النساء، الآیة: 105

ص: 111

وهنا سؤال واضح: إذا رأینا النبی احتضن شخصاً وقبله ألا یدل ذلک علی أن هذا الشخص مقبول ومحبوب عند النبی ویجب احترامه؟

أنور: طبعاً هذا من البدیهیات.

حسن: إذن حکمنا علی هذا الشخص بهذا الحکم من خلال فعل النبی لا من قوله، وهذا یدل علی أن الفعل له دخل فی معرفة التکلیف.

أنور: هذا کلام منطقی وصحیح، والآن ننتقل إلی الصفة الثانیة وهی (التن_زه عن المنفرات) فماذا لدیک فی ذلک؟

حسن: نقول إن قیادة الناس وهدایتهم تتطلب قائداً وهادیاً تطمئن إلیه القلوب وتسکن به النفوس، وهذا لا یتم إلا إذا کان من_زهاً عن کل ما ینفر الناس؛ مثلاً:

1 - التن_زه عن دناءة الآباء وعهد الأمهات له دور کبیر فی الاطمئنان والانقیاد إلیه.

2 - سلامته فی بدنه من التشوهات والأمراض التی یخشاها الناس کالبرص والجذام وغیره.

3 - کمال الخُلُق وحسنه له التأثیر الکبیر فی جذب الناس کما أن خلافه له دور فی نفورهم وهذا ما تؤکده الآیة الکریمة ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ کُنتَ فَظًّا غَلِیظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِکَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِی الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَکَّلْ عَلَی اللّهِ إِنَّ اللّهَ یُحِبُّ الْمُتَوَکِّلِینَ))(1).


1- سورة آل عمران، الآیة: 159.

ص: 112

4 - العقل السلیم الکامل له الدور العظیم فی قیادة الناس وانقیادها.

5 - حسن السیرة التی یتأثر بها من یعتمد علی الظواهر.

أنور: هذا ممتاز... ماذا عن الصفة الثالثة التی هی علم النبی وأفضلیته من هذه الجهة؟

حسن: الآن اقترب وقت الصلاة فلنتهیأ لها.

أنور: نعم أحسنت.

…الحلقة 36: تکملة فی صفات الأنبیاء

أنور: تقبل الله صلاتکم وأعمالکم.

حسن: لنا ولکم إن شاء الله تعالی.

أنور: ها... أعود إلی الصفة الثالثة.

حسن: نعم... المعارف العلیا والعلوم فی أصول الدین وفروعه، بل فی کل ما یحقق السعادة  الدنیویة والأخرویة، شرط فی تحقیق الغرض الذی من أجله بعث النبی، فلذلک لابد أن یکون النبی متصفاً بهذه الصفة لئلا یکون علیه حجة، ولکی لایقدّم علیه أحد من أمته، ولکی یطاع فی کل ما یقول، وهذا یتطلب أن یکون علمه من لدن حکیم فلذلک جاء فی الآیات الکریمة ما یؤکد هذا المعنی کما فی قوله تعالی: ((وَما یَنطِقُ عَنِ الْهَوی (3) إِنْ هُوَ إِلاّ

ص: 113

وَحْیٌ یُوحَی))(1)،وکما فی قوله ((...وَمَا آتَاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاکُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِیدُ الْعِقَابِ))(2).

أنور: إذن حان وقت الحدیث عن الصفة الرابعة ألا وهی (کفاءته القیادیة)؟

حسن: لابد للناس من قائد وحاکم کفوء، یسیر علی الصراط المستقیم، لکی یصل بهم إلی بر الأمان، وهذا یتحقق من خلال القیادة المعنویة المحضة کهدایة الأمة إلی عبادة الله تعالی وإبعادهم عن الأوثان وإرشادهم إلی ما فیه صلاح الدنیا والآخرة، ومن خلال القیادة العامة فی الحیاة الفردیة أو الاجتماعیة التی لا تقتصر علی الجهات المعنویة فقط بل تتعداها إلی تشکیل النظام والدولة، وهذا ما ذکره القرآن الکریم کما فی قوله تعالی: ((فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْکَ وَالْحِکْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا یَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَکِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَی الْعَالَمِینَ))(3)، وهذه القیادة لاتتسنی إلا لمن کان ذا مواهب کثیرة فی الإدارة والتدبیر وحسن الولایة.

أنور : هل یمکن لک أن تذکر لی ما یطیب القلب من روایات المعصومین؟


1- سورة النجم، الآیة: 3 و4.
2- سورة الحشر، الآیة: 7.
3- سورة البقرة، الآیة: 251.

ص: 114

حسن: نعم... لقد ورد عن النبی  صلی الله علیه وآله وسلم «لاتصلح الإمامة إلا لرجل فیه ثلاث خصال: ورع یحجزه عن معاصی الله، وحلم یملک به الغضب، وحسن الولایة علی من یلی حتی یکون کالأب الرحیم»(1)، کما ورد عن أمیر المؤمنین  علیه السلام: «أیها الناس إن أحق الناس بهذا الأمر أقومهم وأعلمهم بأمر الله، فإن شغب شاغب أستعتب، وإن أبی قوتلِ»(2).

أنور: أحسنت لقد أدخلت علی قلبی اللذة المعنویة.

حسن: أحسن الله إلیک والآن انتهینا من بحث النبوّة العامة.

أنور: أتقصد أن هناک کلاماً عن النبوّة الخاصة؟

حسن: نعم سیکون إن شاء الله تعالی.

أنور: إن شاء الله تعالی.

…الحلقة 37: کلام فی النبوة الخاصة

أنور: السلام علیکم.

حسن: وعلیکم السلام... کیف أصبحتم؟

أنور: الحمد لله علی نعمه التی لا تحصی، نعم سیدی کان الکلام عن النبوّة الخاصة والدعوة الإسلامیة، وعدتنا بالحدیث عنهما.


1- الکافی: ج 1، ص 407.
2- نهج البلاغة: خطبة 117.

ص: 115

حسن: بزغت هذه الدعوة فی ظروف ملیئة بالشرک وعبادة الأصنام وظلم الحکام ومعاناة الشعوب وانتهاک حرمات المستضعفین، فلکی تطهر الأرض من هذه الآثام لابد من قیام رجل یرتبط بالسماء یعمل علی هدی الناس وتعلیمهم وإخراجهم من الظلمات إلی النور.

أنور: هل إن قیام رجل بهذه الأعباء لا یأتی إلا بعد أن یعم الظلم والفساد؟

حسن: فی زمن الأنبیاء والرسل هم المسؤولون عن هذه الأعباء وفی عدم وجودهم یکون الدور لأوصیائهم، لأن الله تعالی لایخلی الأرض من حجة، ففی کل آن هناک حجة لله تعالی علی الناس، وفی الحکمة الإلهیة عندما تحتاج الأرض إلی وجود نبی أو رسول یبعث الله تعالی بذلک إلیها، ولهذا جاء محمد ابن عبدالله  صلی الله علیه وآله وسلم بدعوته الخاتمة لیحقق العدل وینشر الهدی.

أنور: هل بالإمکان تحدید تاریخ الدعوة الإسلامیة حسب التاریخ المیلادی؟

حسن: نعم قام الرسول الأکرم  صلی الله علیه وآله وسلم بدعوته فی أوائل القرن السابع المیلادی أی سنة(610م)، وابتدأ بدعوة عشیرته وأقربائه، لیکونوا سنداً لدعوته، ثم توسعت الدعوة إلی غیرهم من العرب وغیر العرب، خاض النبی صلی الله علیه وآله وسلم وأصحابه خلالها حروباً وغزوات کثیرة، لکی تکون کلمة الله تعالی هی العلیا وکلمة الذین کفروا السفلی، حتی تمت الدعوة وأصبح الرجل أمة لا ینازعها أحد وذلک فی سنة (633م) واستمر الأصحاب فی أثر نبیهم  صلی الله علیه وآله وسلم واتسعت الدعوة وعمت ربوع المعمورة.

ص: 116

أنور: هل لهذه الدعوة سمات وعلامات تعرف بها؟

حسن: من خلال تدبرنا للقرآن الکریم نجد الآیات الکثیرة التی تصف الدعوة بصفة واضحة کما فی قوله تعالی: ((قُلْ یَا أَیُّهَا النَّاسُ إِنِّی رَسُولُ اللّهِ إِلَیْکُمْ جَمِیعًا))(1)، هذه الآیة تشیر إلی عالمیة الدعوة وسعتها وعدم اختصاصها بقوم دون غیرهم، کما أن هذه الدعوة هی عین الرحمة والإنسانیة وهذا ما تطلع علیه من خلال قوله تعالی ((وَمَا أَرْسَلْنَاکَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِینَ))(2)، ثم لو وقفنا علی قوله تعالی: ((ما کانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِن رِجَالِکُمْ وَلَکِن رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِیِّینَ وَکانَ اللَّهُ بِکُلِّ شَیْءٍ عَلِیمًا))(3)، لرأینا أن هذه الرسالة هی خاتمة الرسالات وأن النبی  صلی الله علیه وآله وسلم خاتم الأنبیاء وکتابه خاتم الکتب.

أنور: أفجأةً جاءت هذه الدعوة أم کان لها شیء من التمهید؟

حسن: طبعاً کان لها کامل التمهید والتثقیف، وذلک من خلال البشارات التی أطلقها الأنبیاء الذین سبقوا رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم کنبی الله موسی   علیه السلام وروح الله عیسی  علیه السلام.

وهذا ما أشار إلیه القرآن الکریم بقوله تعالی: ((الَّذِینَ یَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِیَّ الأُمِّیَّ الَّذِی یَجِدُونَهُ مَکْتُوبًا عِندَهُمْ فِی التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِیلِ...))(4)، وفی


1- سورة الأعراف، الآیة: 158.
2- سورة الأنبیاء، الآیة: 107.
3- سورة الأحزاب، الآیة: 40.
4- سورة الأعراف، الآیة: 157.

ص: 117

قوله تعالی: ((وَإِذْ قَالَ عِیسَی ابْنُ مَرْیَمَ یَا بَنِی إِسْرَائِیلَ إِنِّی رَسُولُ اللَّهِ إِلَیْکُم مُّصَدِّقًا لِمَا بَیْنَ یَدَیَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ یَأْتِی مِن بَعْدِی اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَیِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِینٌ))(1).

أنور: هل من سمات أخری لهذه الدعوة؟

حسن: نعم لها سمات أخری:

أولاً: انها دعوة مکملة لما سبقها من الشرائع ویصرح بهذا القرآن الکریم فی قوله تعالی: ((وَلَمَّا جَاءهُمْ کِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَکَانُواْ مِن قَبْلُ یَسْتَفْتِحُونَ عَلَی الَّذِینَ کَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَا عَرَفُواْ کَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَی الْکَافِرِینَ))(2).

ثانیاً: انها دعوة ذات شریعة تکفل سعادة الدنیا والآخرة لمن یعتنقها کما فی قوله تعالی: ((الَّذِینَ یَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِیَّ الأُمِّیَّ الَّذِی یَجِدُونَهُ مَکْتُوبًا عِندَهُمْ فِی التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِیلِ یَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنکَرِ وَیُحِلُّ لَهُمُ الطَّیِّبَاتِ وَیُحَرِّمُ عَلَیْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَیَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِی کَانَتْ عَلَیْهِمْ فَالَّذِینَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِیَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ))(3)، ونستنتج أن هذه الدعوة دعوة کاملة لا نقص فیها مبرأة من الخرافات والأساطیر والأوهام، بل هی حقائق ناصعة وأفکار نیّرة تبدد الظلم والظلمات.


1- سورة الصف، الآیة: 6.
2- سورة البقرة، الآیة: 89.
3- سورة الأعراف، الآیة: 157.

ص: 118

أنور: لک الشکر سیدی قد عرفنا سمات هذه الدعوة، فهل لنا أن نعرف سمات صاحبها؟

حسن: سنلتقی إن شاء الله ونتحدث عن ذلک.

…الحلقة 38: فی صفات نبی الإسلام

أنور: سلام علیکم.

حسن: علیکم السلام ورحمة الله وبرکاته.

أنور: کنت قد وعدتنی...  .

حسن: نعم لا تکمل وعدتک بالحدیث عن سمات الداعی، وها أنذا أفی بوعدی، یا سیدی الکریم فضلاً عمّا ما تقدم من الصفات العامة للأنبیاء علیهم السلام فهناک صفات إضافیة أخری یتصف بها صاحب الدعوة والوجود المقدس والنبی الأکرم محمد بن عبدالله  صلی الله علیه وآله وسلم فهو سید الأنبیاء والمرسلین لا یصل أحد إلی فضله ورتبته حتی شهد بحقه ربه جل وعلا فی قوله تعالی: ((وَإِنَّکَ لَعَلی خُلُقٍ عَظِیمٍ))(1)، ووصفه فی موقع آخر: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِینَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَی الْکُفَّارِ رُحَمَاء بَیْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُکَّعًا سُجَّدًا یَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا...)) (2)، وتحدث هو بأبی وأمی فقال: «فضلت علی الأنبیاء بست:


1- سورة القلم، الآیة: 4.
2- سورة الفتح، الآیة: 29.

ص: 119

أعطیت جوامع الکلام، ونصرت بالرعب، وأحلّت لی الغنائم، وجعلت لی الأرض طهوراً ومسجداً، وأرسلت إلی الخلق کافة وختم بی النبیون»(1)، وما جعله الله تعالی أسوة وقدوة لنا إلا لاتصافه بما یلی:

قال بعض العلماء: کان رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم أحلم الناس، وأشجع الناس، وأعدل الناس، وأعف الناس، لم تمس قط یده ید امرأة لا یملک رقها أو عصمة نکاحها أو لا تکون ذات رحم محرم منه، وکان أسخی الناس لا یبیت عنده دینار ولا درهم، وإن فضل ولم یجد من یعطیه فجاءه اللیل لم یأو إلی من_زله حتی یبرأ منه إلی من یحتاج إلیه، وکان یخصف النعل ویرقع الثوب ویخدم مصالح أهله ویقطع اللحم معهن.

وکان أشد الناس حیاءً، لا یثبت بصره فی وجه أحد، یجیب دعوة الحر والعبد، ویقبل الهدیة ولو کانت جرعة لبن ویکافئ علیها، ولا یأکل الصدقة، ویغضب لربه ولا یغضب لنفسه یعود المرضی، ویشهد الجنائز، ویمشی بین أعدائه وحده بلا حارس، أشد الناس تواضعاً، وأسکنهم فی غیر کبر، وأبلغهم من غیر تطویل، وأحسنهم بشراً، لا یهوله شیء من أمور الدنیا ولم یشبع من خبز بر ثلاثة أیام متوالیة حتی لقی الله تعالی إیثاراً علی نفسه لا فقراً ولا بخلاً.

وکان یعصب الحجر علی بطنه من الجوع، ویأکل ما حضر ولا یرد ما وجد، ولا یتورع من مطعم حلال، ویلبس ما وجد، ویرکب ما أمکنه مرة


1- فضائل الخمسة من الصحاح الستة: ج1، ص45.

ص: 120

فرساً ومرة بعیراً ومرة بغلة شهباء ومرة حماراً ومرة یمشی راجلاً، ویعود المرضی فی أقصی المدینة، یحب الطیب ویکره الروائح الردیئة، ویجالس الفقراء، ویؤکل المساکین، ویکرم أهل الفضل فی أخلاقهم، ویتألف أهل الشرف بالبر لهم، ویصل ذوی رحمه من غیر أن یؤثرهم علی من هو أفضل منهم، ولا یجفو أحداً، یقبل معذرة المعتذر إلیه، یمزح ولا یقول إلا حقاً، ویضحک من غیر قهقهة، وترفع الأصوات علیه فیصبر، وما لعن امرأة ولا خادماً، ولا یجزی بالسیئة السیئة ولکن یعفو ویصفح، ویبدأ من لقیه بالسلام، وما أخذ أحد بیده فیرسل یده حتی یرسلها الآخذ، ولا یقوم ولا یجلس إلا علی ذکر الله.

وکان أکثر جلوسه أن ینصب ساقیه جمیعاً ویمسک بیدیه علیهما شبه الحبوة، ولم یکن یعرف مجلسه من مجلس أصحابه، لأنه حیث ما انتهی به المجلس جلس فیه، وأکثر ما یجلس مستقبل القبلة.

وکان یکرم من یدخل علیه حتی ربما بسط ثوبه لمن لیست بینه وبینه قرابة، وکان یؤثر الداخل علیه بالوسادة التی تکون تحته، فإن أبی أن یقبلها عزم علیه حتی یفعل.

وکان أبعد الناس غضباً وأسرعهم رضاءً، وکان أرأف الناس وخیر الناس للناس وأفصح الناس منطقاً وأحلاهم، وأوجز الناس کلاماً، یجمع کل ما أراد مع الإیجاز، یتکلم بجوامع الکلم، طویل السکوت لا یتکلم فی غیر الحاجة، ولا یقول المنکر ولا یقول فی الغضب والرضا إلا الحق.

ص: 121

وکان أحب الطعام إلیه ما کثرت علیه الأیدی، ولا یأکل الحار، ویأکل مما یلیه، ویأکل بأصابعه الثلاث وربما استعان بالرابعة، ویأکل خبز الشعیر غیر منخول، وکان لا یأکل الثوم والبصل ولا الکراث، وما ذم طعاماً قط ولکن إن أعجبه أکله وإن کرهه ترکه، وکان یلعق الصفحة فیقول: آخر الطعام أکثر برکة، ویلعق أصابعه من الطعام حتی تحمر، وکانت ثیابه کلها مشمراً فوق الکعبین.

أنور: جزاک الله خیراً هذه الصفات الأخلاقیة الرائعة التی ذکرتها فضلاً عن کونها کلاماً عقائدیاً فهی درس أخلاقی کامل.

حسن: نحن نقول ونتحدث عن کل ما یبنی شخصیة الإنسان.

…الحلقة 39: عوامل بناء شخصیة الإنسان

أنور: سلام علیکم.

حسن: وعلیکم السلام ورحمة الله وبرکاته.

أنور: کان الحدیث عن إنکم تتحدثون عن کل ما یبنی شخصیة الإنسان؟

حسن: نعم نحن نعتقد أن شخصیة الإنسان تبنی بعدة عوامل، ومنها العلوم الدینیة کعلم العقائد الذی یهتم ببناء فکر الإنسان وعلم الأخلاق الذی یهتم بتهذیب روح الإنسان وعلم الفقه الذی یهتم ببیان السلوک العبادی أی سلوک العبد تجاه مولاه الحق عزّ وجل، وبیان السلوک العملی عند تعامل الفرد مع المجتمع وبکلمة مختصرة معرفة التکلیف الشرعی.

ص: 122

أنور: کنا قد تحدثنا عن سمات الدعوة وصاحب الدعوة والآن لابد أن ننتقل إلی الأدلة التی تثبت نبوّة نبی الإسلام... فما تقول؟

حسن: قلنا فیما سبق إن الذی یدّعی النبوّة لابد أن یأتی بالمعجزة التی تؤید قوله، ولابد أن تکون لهذه المعجزة شروط منها أن یکون هناک خرق للعادة وتحد وعجز عن مقابلة المعجزة من قبل الناس وأن تطابق المعجزة الدعوی.

أنور: حسناً إذن ما هی معجزة نبی الإسلام  صلی الله علیه وآله وسلم؟

حسن: تعتقد أن القرآن الکریم الذی هو وحی إلهی من_زل من الله تعالی علی نبیه الأکرم هو المعجزة التی أتی بها النبی  صلی الله علیه وآله وسلم.

أنور: وما هی وجوه الإعجاز؟

حسن: القرآن إعجازه یتجسد فی البلاغة والفصاحة والنّْظم والأسلوب للبلیغ والفصیح، وهو معجزة للحکیم فی حکمته، وللعالم فی علمه، وللاجتماعی فی اجتماعه، وللمقنن فی تقنینه، وللسیاسی فی سیاسته، وللحکام فی حکومتهم، فهو الکتاب الذی وصف بأنه تبیان لکل شیء لما یحتویه من علوم ومعارف عالیة ومضامین عمیقة، وکتاب خالٍ من التناقض والاختلاف والتغییر وکتاب ملیء بالتحدی کما فی قوله تعالی: ((قُل لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَی أَن یَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ یَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ کَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِیرًا))(1)، وکما فی قوله تعالی: ((أَمْ یَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ


1- سورة الإسراء، الآیة: 88.

ص: 123

بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَیَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِن دُونِ اللّهِ إِن کُنتُمْ صَادِقِینَ (13) فَإِن لَمْ یَسْتَجِیبُواْ لَکُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ))(1)، ومما یؤید ذلک قوله تعالی: ((أَمْ یَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاّ یُؤْمِنُونَ (33) فَلْیَأْتُوا بِحَدِیثٍ مِثْلِهِ إِن کَانُوا صَادِقِینَ))(2)، فبعد هذا التحدی الصریح أیستطیع أحد أن ینکر إعجازه، قد سمع هذا التحدی أهل مکة بل کل بلغاء المشرکین وخصمائهم فی الجزیرة العربیة وغیرهم، ولم یتقدم شخص واحد لیتحدی إلا ثلاثة تعاهدوا علی أن یأتوا بشیء یشبه القرآن الکریم، فعجزوا عن ذلک، وهذا مذکور فی کتب التأریخ بشکل مفصل. 

أنور: من خلال کلامکم نفهم أن باب التحدی مفتوح لمن أراد أن یأتی بمثله؟

حسن: نعم مفتوح لأن القرآن الکریم خالد فی إعجازه یتحدی جمیع الأجیال والأمم.

أنور: سیدی الکریم عندی سؤال وأرجو أن لا أثقل علیک به؟

حسن: کلا تفضل کلی آذان صاغیة.

أنور: أولاً دعنا نسترح بعض الشیء وتکمل لی الحدیث فیما بعد... ما تقول؟

حسن: نعم نحن بحاجة إلی کوب شای.


1- سورة  هود، الآیة: 13 و 14.
2- سورة الطور، الآیة: 33 و 34.

ص: 124

…الحلقة 40: کلام فی فصاحة القرآن الکریم وبلاغته

أنور: والآن وقد استمتعنا بشرب الشای العراقی هل لی أن أسأل سؤالی؟

حسن: نعم نعم تفضلوا.

أنور: قلتم فصاحة وبلاغة ونظْم فما معنی هذه المفردات؟

حسن: الفصاحة: هی جمال اللفظ وأناقة الظاهر.

البلاغة: هی جمال العرض وسمو المعنی.

النظْم: رصانة البیان واستحکام التألیف.

وکما ذکر أهل اللغة فإن البلاغة هی حسن البیان، والفصاحة هی سلامة الألفاظ من الإبهام وسوء التألیف، والنظْم هو صف العبارة بتألیف وتنسیق جیدین.

أنور: هل عجز البشر عن الإتیان بمثل القرآن الکریم فعلاً؟

حسن: نعم ولا یزالون عاجزین، ولو کانوا غیر ذلک لجاءوا بما یشابهه أو یعارضه سیما أن هناک تحدیاً، لأنک تعلم أن النبی الأکرم  صلی الله علیه وآله وسلم تحدی جمیع المشرکین وأهل الکتاب لإثبات دعوته فی الوقت الذی کانت فیه البلاغة والفصاحة سیدة المواقف، وکانت الدعوة التی أتی بها رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم قالعة لکل ما لدیهم من دیانات وخرافات وتحریفات.

أنور: نعم من خلال قراءتی اطلعت علی أن البلغاء والخطباء والشعراء کثیرون فی زمن الدعوة، ویتصفون بالأنفة والعصبیة.

ص: 125

حسن: نعم أحسنتم.

أنور: هل أن المعارضین کمسیلمة الکذاب وغیره جاءوا بشیء یشابه القرآن الکریم؟

حسن: یا سیدی الکریم إن أردت الوقوف علی خزعبلاتهم وسخافاتهم ستضحک کثیراً مما جاءوا به.

أنور: لا بأس نسمع شیئاً عنهم.

حسن: إن مسیلمة ادعی النبوّة والشراکة مع رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم کما جاء ذلک فی التاریخ واخذ یثرثر بکلام سجع کما فی قوله: «لقد أنعم الله علی الحبلی أخرج منها نسمة تسعی، بین صفاق وحشی» أو کقوله «الفیل، ما الفیل وما أدراک ما الفیل، له ذنب وبیل، وخرطوم طویل»، وهناک کلام آخر لرجل یدعی طلیحة بن خویلد الأسدی فیقول: «والحمام والیمام، والصرد والصوم، لیبلغ ملکنا العراق والشام».

وهناک کلام لسجاح بنت الحارث والأسود العنسی أسخف مما ورد علی لسان الکذابین الأولین، فمجرد التأمل فی کلامهم تجد الرکاکة الأدبیة وضحالة المعنی واضحتین مما یجعلک تحکم علی کذب دعواهما وسخافة عقلیهما.

أنور: لا یحتاج کلامهما إلی أن یقف أحد علیه ویتأمل.

حسن: ممتاز... والآن ماذا یدور فی خلدک؟

أنور: اطلب من جنابکم أمرین:  

الأول: أن تذکر لی أمثلة قرآنیة علی الفصاحة والبلاغة والنّظْم.

الثانی: أن تذکر لی شواهد علی عجز البلغاء عن تحدی القرآن الکریم.

ص: 126

حسن: نعم أرجو أن تعیرنی اهتمامک... فیا أخی الکریم جاء قوله تعالی: ((وَمِنْ آیَاتِهِ الْجَوَارِ فِی الْبَحْرِ کَالأَعْلامِ))(1)، لیعطینا صورة فصیحة واضحة أقرّ بها فصحاء العرب، وقوله تعالی: ((إِنَّا أَعْطَیْنَاکَ الْکَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّکَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَکَ هُوَ الأَبْتَرُ))(2)، غایة فی روعة البلاغة، وقوله تعالی: ((الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَیَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ))(3)، کامل النظم بدیع الرونق، وهذا الذی ذکرته لک من الآیات الکریمة اتفق علیها البلغاء والفصحاء العرب وغیرهم.

أنور: نعم هذا کلام جمیل فی الأمر الأول وإن لم أکن من أهل البلاغة والفصاحة، والآن لابد من ذکر الأمر الثانی.

حسن: نعم.....جاء فی السیرة النبویة اعتراف البلغاء بإعجاز القرآن الکریم کما جاء عن اعتراف الولید بن المغیرة الذی هو من کبار البلغاء وفصحاء العرب وحکیمهم، یروی فی التاریخ أن الولید سمع الآیات الکریمة من النبی الأکرم  صلی الله علیه وآله وسلم: ((حم(1) تَنزِیلُ الْکِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِیزِ الْعَلِیمِ (2) غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِیدِ الْعِقَابِ ذِی الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ إِلَیْهِ الْمَصِیرُ (3) ما یُجادِلُ فِی آیاتِ اللَّهِ إِلاّ الَّذِینَ کَفَرُوا فَلا یَغْرُرْکَ تَقَلُّبُهُمْ فِی الْبِلادِ (4) کَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ کُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِیَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِیُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَکَیْفَ کانَ عِقَابِ (5) وَکَذَلِکَ


1- سورة الشوری، الآیة: 32.
2- سورة الکوثر، الآیة: 1 - 3.
3- سورة الرحمن، الآیة: 1 - 5.

ص: 127

حَقَّتْ کَلِمَتُ رَبِّکَ عَلَی الَّذِینَ کَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ))(1)، فلما سمع ذلک قام حتی أتی مجلس قومه بنی مخزوم فقال: «والله لقد سمعت من محمد آنفاً کلاماً ما هو من کلام الإنس ولا من کلام الجن، وأن له حلاوة، وأن علیه لطلاوة، وأن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وانه لیعلو وما یعلی علیه» ثم ذهب إلی من_زله.

وأما ما جاء عن عتبة بن ربیعة عندما سمع قوله تعالی:((وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِی أَکِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَیْهِ وَفِی آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَیْنِنَا وَبَیْنِکَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ))(2)، قال: «... إنی سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط. والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالکهانة، یا معشر قریش أطیعونی واجعلوها بی، وخلّوا بین هذا الرجل وبین ما هو فیه، فاعتزلوه، فو الله لیکونن لقوله الذی سمعت منه نبأ عظیم. فإن تصبه العرب فقد کفیتموه بغیرکم. وإن یظهر علی العرب، فملکه ملککم، وعزّه عزّکم، وکنتم أسعد الناس به»(3).

فبعد هذا هل هناک شک أو ریب فی إعجاز القرآن من حیث البلاغة والفصاحة؟

أنور: هذا کلام کالشمس.

حسن: بعد هذا لابد من الراحة یا أنور.

أنور: أحسنتم کثیراً.


1- سورة غافر، الآیة: 1 - 6.
2- سورة فصلت، الآیة: 5.
3- الالهیات: ج 3، ص 248.

ص: 128

…الحلقة 41: کلام فی القرآن الکریم

أنور: سلام علیکم.

حسن: وعلیکم السلام ورحمة الله وبرکاته.

أنور: هل لدیک شیء عن إعجاز القرآن الکریم؟

حسن: لا، ولکن لابد أن أذکر لک الشواهد التی تدل علی کونه کتاباً سماویاً.

أنور: رائع وأنا بأمس الحاجة لذلک.

حسن: یا سیدی الکریم أذکر ذلک کرؤوس أقلام روماً للاختصار، ما تقول؟

أنور: ماذا أقول... لا أقول إلا أن یجزیک الله خیراً ویؤجرکم أجراً کبیراً.

حسن: شکراً لک. إذن من الشواهد التی تدل علی کون القرآن الکریم کتاباً سماویاً:

1 - أمیّة الرسول الذی حمل الرسالة فیها شاهد کبیر علی أن القرآن الکریم الملیء بالمعارف والتشریعات العادلة العالیة والنظْم الأخلاقیة والأخبار الغیبیة لیس من صنع الرسول  صلی الله علیه وآله وسلم بل هو کتاب سماوی.

2 - عدم الاختلاف فی الأسلوب: أی أن نزوله فی مدة ثلاث وعشرین سنة، دون أن یکون هناک اختلاف فی الأسلوب لمن الشواهد الصریحة علی سماویة الکتاب الکریم.

ص: 129

3 - عدم الاختلاف فی المضمون أیضاً شاهد آخر علی ذلک، وهذا ما أشار إلیه القرآن فی قوله تعالی: ((أَفَلاَ یَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ کَانَ مِنْ عِندِ غَیْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِیهِ اخْتِلاَفًا کَثِیرًا))(1).

4 - هیمنة القرآن علی الکتب السماویة التی سبقته.

5 - إعجازه من ناحیة إتقان التشریع والتقنین.

6 - الإخبار عن الغیب، کإخباره عن عجز البشر عن معارضة القرآن، وإخباره عن انتصار الروم علی الفرس، أو عن فتح مکة وغیر ذلک.

7 - إخباره عن الظواهر والقوانین الکونیة ککرویة الأرض، وحرکة الأجرام السماویة، وحرکة الأرض، وزوجیة الموجودات وغیرها.

8 - الأخلاق والفضائل والمکارم التی جاء بها القرآن الکریم فی عصر الجهل والقتل والاغتصاب دلیل واضح علی إلهیة القرآن الکریم. 

هذا مجمل الشواهد وبشکل مختصر لکی یطمئن به قلبک إن شاء الله تعالی.

أنور: أحسنتم، هذا کلام منطقی وحقیقی لا زیف فیه.

ولکن __ أخی حسن __ هل لک أن تذکر لی المعاجز التی صدرت من النبی صلی الله علیه وآله وسلم فی حیاته؟.

حسن: نعم؛ هناک الکثیر من المعاجز التی جاء بها رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم، لکی یثبت دعوته سیما عندما کان یتحداه المشرکون... ومنها:


1- سورة النساء، الآیة: 82.

ص: 130

1. انشقاق القمر. 

2. الإسراء والمعراج.  

3. المباهلة.  

4. حرکة الشجرة ونبوغ الماء من بین أصابعه.  

5. تسبیح الحصی فی کفه... وغیرها.

أنور: شکراً لک کثیراً.

…الحلقة 42: کلام فی عالمیة الرسالة وخاتمیتها

أنور: سلام علی مولای.

حسن: علیکم السلام، کیف أصبحت؟

أنور: أشکر لک رباً کریماً وأحمده حمداً لا یحصی.

حسن: الحمد لله کثیراً... أذن لابد أن اسمع ما ترید.

أنور: نعم، أرید الاطلاع علی أمرین وبشکل موجز، هما:

1. عالمیة الرسالة.     

2. خاتمیة الرسالة... فما تقول؟

حسن: لا بأس بهذا الطلب... ها... ها.

بعد أن ضحکنا فالآن نتکلم عن ذلک...  .

ص: 131

1. عالمیة الرسالة الإسلام دین عقیدة وعمل، لا یختص بشعب أو مجتمع دون آخر، ولا یتحدد بوطن جغرافی دون آخر، ولا بلسان دون آخر، ولا بجنسیة دون أخری بل هو دین لجمیع البشر وهذا ماورد فی قوله تعالی: ((قُلْ یَا أَیُّهَا النَّاسُ إِنِّی رَسُولُ اللّهِ إِلَیْکُمْ جَمِیعًا الَّذِی لَهُ مُلْکُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ یُحْیِی وَیُمِیتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِیِّ الأُمِّیِّ الَّذِی یُؤْمِنُ بِاللّهِ وَکَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ))(1)، ((وَمَا أَرْسَلْنَاکَ إِلاّ کَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِیرًا وَنَذِیرًا وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ))(2)، ((ما أَصابَکَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَکَ مِن سَیِّئَةٍ فَمِن نَفْسِکَ وَأَرْسَلْنَاکَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَکَفَی بِاللّهِ شَهِیدًا))(3)، ((وَما أَرْسَلْنَاکَ إِلاّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِینَ))(4) ، ((تَبَارَکَ الَّذِی نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَی عَبْدِهِ لِیَکُونَ لِلْعَالَمِینَ نَذِیرًا))(5)، ومن خلال بعض الآیات الکریمة الأخری نجد القرآن الکریم یوجه خطاباته إلی الناس کافة دون أی قید أو صفة سواء أکانت هذه الخطابات خطابات إرشادیة أم أحکام شریعة أم بیان غایة نزوله، کما فی الآیات الکثیرة التی تعطی الانطباع العالمی للإسلام.


1- سورة الأعراف، الآیة: 158.
2- سورة سبأ، الآیة: 28.
3- سورة النساء، الآیة: 79.
4- سورة الأنبیاء، الآیة: 107.
5- سورة الفرقان، الآیة: 1.

ص: 132

2. خاتمیة الرسالة اتفق المسلمون علی أن النبی الأکرم  صلی الله علیه وآله وسلم هو خاتم النبیین، وأن شریعته خاتمة الشرائع، وکتابه خاتم الکتب والصحف، فبهذا یکون النبی محمد بن عبدالله  صلی الله علیه وآله وسلم. آخر السفراء الإلهیین الذین أدوا دورهم علی أتمه وأکمله دون نقص أو عیب، ومما یدل علی ذلک نصوص الکتاب والسنة، وکما یلی:

أ. الخاتمیة فی القرآن الکریم نص القرآن الکریم علی الخاتمیة نصاً لا یقبل التحریف، ولا یعتریه الشک ابداً کما فی قوله تعالی:

((مَا کَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِن رِجَالِکُمْ وَلَکِن رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِیِّینَ وَکَانَ اللَّهُ بِکُلِّ شَیْءٍ عَلِیمًا))(1).

وهناک آیة تبین أن الإسلام هو الغالب والظاهر علی الدین کله ولو قلنا بمجیء دین آخر ناسخ للإسلام لما صرح تعالی بها کما فی:

((... لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَلَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ))(2).


1- سورة الأحزاب، الآیة: 40.
2- سورة التوبة، الآیة: 33.

ص: 133

ب. الخاتمیة فی الأحادیث الشریفة وردت عن النبی الأکرم  صلی الله علیه وآله وسلم أحادیث کثیرة تصرح بأن النبوّة ختمت بالنبی محمد بن عبدالله  صلی الله علیه وآله وسلم، کما فی قوله  صلی الله علیه وآله وسلم: «أنت منی بمن_زلة هارون من موسی إلا انه لا نبی بعدی»، وفی قول آخر له  صلی الله علیه وآله وسلم والمسلمون مجتمعون حوله، قال  صلی الله علیه وآله وسلم: «أیها الناس إنه لا نبی بعدی، ولا سنة بعد سنتی، فمن ادعی بعد ذلک فدعواه وبدعته فی النار، فاقتلوه، ومن اتبعه فإنه فی النار»(1).

کما ورد عن أمیر المؤمنین  علیه السلام عند تغسیل وتجهیز النبی  صلی الله علیه وآله وسلم وتجهیزه فی وفاته: «بأبی أنت وأمی یا رسول الله، لقد انقطع بموتک ما لم ینقطع بموت غیرک من النبوّة». وغیر ذلک من الأحادیث التی تشیر وتصرح بختم النبوّة وانقطاعها.

أنور: هذا کلام وافٍ وکاف إن شاء الله تعالی، ولکنی اطمع بأسئلة تدور فی ذهنی. من أهم الأسئلة فی مسألة الخاتمیة هو: التطور الاجتماعی یستلزم تطوراً فی القوانین والتشریعات، فکیف تواکب الشریعة هذا التطور المتحرک والمتغیر، وهی شریعة ختمت منذ زمن بعید؟

حسن: نقول:

1. إن الشریعة جاءت لکی تهذب غرائز الإنسان وروحانیاته وهذه الغرائز والروحانیات موجودة منذ خلق الإنسان، وستبقی إلی یوم یبعثون دون تغیّر أو تبدیل، فلابد لها من قانون یحکمها ویدوم ویثبت بدوامه وثباتها.


1- بدایة المعارف الإلهیة: ج 1، ص 277.

ص: 134

2. إنّ التغیر لا یقع فی الفطرة أو الغرائز أو الروحانیات، وإنما یقع فی بعض الخصوصیات الطارئة.

أنور: هل توضح بالمثال؟

حسن: نعم، مثلاً لو قلنا إن الرابطة بین الولد ووالدیه، والأخ وأخیه هی من الروابط الطبیعیة الروحیة، فجاءت الشریعة بنظام هذه الروابط من التوارث أو الصلة أو التکریم، وهذا أمر ثابت فیستدعی تشریعاً ثابتاً، ومثلاً إن المرأة تختلف عن الرجل ولکل منهما أحکامه وتشریعاته الخاصة به، فلو ادّعی أحد أن هذا الاختلاف غیر موجود فهو إما جاهل أو مکابر ومن ثم لابد من قانون یعطی کل ذی حق حقه.

وبکلام أوضح:القتل ظلماً حرام سواء کان بالسیف أو بالرصاص أو بالکرسی الکهربائی، فالحرمة ثابتة وان تغیرت الوسیلة. فالکلام ما قاله الأئمة علیهم السلام: «حلال محمد حلال إلی یوم القیامة، وحرامه حرام إلی یوم القیامة».

أنور: هناک سؤال لا یقل أهمیة عن سابقه وهو: أن قوانین الشریعة الإسلامیة محددة؛ فکیف تفی بحاجات الإنسان غیر المتناهیة؟

حسن: إن أول الکلام غیر تام، لم تکن قوانین الشریعة الإسلامیة محددة، بل هی تصلح لکل زمان ومکان، ولکن بشرط عدم تعطیل العقل، والالتزام بأحکامه، وثانیاً لابد من الاعتراف بأن الأحکام تابعة للمصالح والمفاسد، ولابد من اتباع الأصول والقواعد والالتزام بالاجتهاد.

أنور: هذا کلام یحتاج إلی تفصیل، ولکن حان وقت الراحة، واللقاء ثانیة.

حسن: نعم سنلتقی إن شاء الله تعالی.

ص: 135

…الحلقة 43: تکملة فی الرسالة

أنور: سلام علی أُستاذنا.

حسن: وعلیک السلام ورحمة الله وبرکاته.

أنور: لعلی فهمت من کلامکم السابق ان الکتاب والسنة الشریفة مشتملان علی أصول وقواعد تکفی لاستنباط آلاف الفروع التی یحتاج إلیها الإنسان کفرد أو مجتمع؟

حسن: نعم لا شک فی ذلک، ولکن یجب أن لا نغفل دور الثقل الثانی للقرآن وهم العترة الطاهرة التی أخذت علی عاتقها بیان الشریعة وحفظها وسد حاجة المجتمع أو الأفراد فی کل الشؤون العبادیة والمعاملاتیة، وهذا ما أراده النبی الأکرم  صلی الله علیه وآله وسلم عندما صرح للمسلمین بحدیث الثقلین.

أنور: نعم فالاعتماد علی ما ذکرت ضرورة لا یمکن الاستغناء عنها.

حسن: أرید أن أضیف إلی کلامی ملحقاً صغیراً لیتضح الأمر جلیاً، ألا وهو إیماننا بأن الإسلام یهتم بالمعنی دون الظاهر فی مرحلة التقنین، وهذا هو الذی أدی إلی بقاء أحکامه واستمرارها صالحة کافیة، وأیضاً مما یجعلنا نفخر بالإسلام کونه دیناً جامعاً بین الدعوة إلی المادة، والدعوة إلی الروح، ومیزاناً وسطاً بین المادیة البحتة والروحیة المحضة، ولهذا جاء قول أمیر المؤمنین  علیه السلام: «للمؤمنین ثلاث ساعات، ساعة یناجی فیها ربه، وساعة یرمّ فیها

ص: 136

معاشه، وساعة یخلی بین نفسه ولذاتها»(1). ولاشک فی أن هذه الساعات الثلاث تخلق توازناً رائعاً فی حیاة الإنسان.

أنور: حدیث رائع، هل من شرح موجز تتقوی به القلوب؟

حسن: نعم، ولیکن شرحاً خاتماً للبحث فی النبوّة، فنقول: إن مراد الإمام علیه السلام أن یتوجه العبد لربه فی أداء فرائضه أو نوافله، وأن یکون ربه حاضراً عنده طالما له نفس یصعد وین_زل، وأن یلتفت مع توجهه لربه إلی حیاته ونفقته الواجبة، وذلک من خلال طلبه للرزق الحلال لیحفظ ماء وجهه ووجه من یعول، وفی المقطع الثالث أشار الإمام  علیه السلام إلی إعطاء النفس حقها وإشباع حاجاتها وغرائزها من الطریق الذی سنه الله تعالی للبشر، وفی هذه الحالة یکون العبد فی عبادة دائمة واستقرار مستمر یؤدی إلی وجود فرد سوی یخدم المجتمع وینفعه.


1- نهج البلاغة، باب الحکم.

ص: 137

الفصل الرابع: الإمامة

اشارة

  مفهوم الإمامة

  إن الإمامة من أصول الدین أم من فروعه؟

  إن الإمامة بالبیعة أم بالنص؟

  ماهی صفات الإمام ووظائفه؟

  ما هو مصدر علم الإمام؟

  هل إن الإمام یعلم الغیب؟

  لماذا لا یعلم أهل البیت  علیهم السلامعلومهم لجمیع الناس؟

  هل یجب طاعة الأئمة ومحبتهم؟

  لماذا صار حبهم واجباً؟

  إن الإمامة بالنص أم بالانتخاب؟

  الدلیل علی إمامة علی ابن أبی طالب وأولاده  علیهم السلام

  هل یجب الإیمان بوجود الإمام المهدی عجل الله فرجه الشریف؟

  فوائد الغیبة

  فوائد الانتظار

  کلام فی من یدعی السفارة عنه عجل الله فرجه الشریف

ص: 138

ص: 139

…الحلقة 44: مفهوم الإمامة

أنور: کان حدیثنا عن قول أمیر المؤمنین  علیه السلام فیما یجب علیه الفرد فی یومیاته، وکان حدیثه  علیه السلام حدیثاً رائعاً ینم عن مصدر معصوم عارف بما یجب.

حسن: نعم یا أنور، لقد قالوا: إن کلام الإمام إمام الکلام من حیث الظاهر والباطن واللفظ والمعنی، وکیف لا یکون کذلک وهو باب مدینة العلم؟.

أنور: أری أن الحدیث یتجه نحو الإمامة ودورها من حیث لا نشعر، فهل حان وقت الحدیث عنها؟  وإذا کان کذلک فمن أین تبدأ؟

حسن: نعم قد حلا وقت الحدیث عن الإمامة، طالماً صار مفتاح الحدیث هو قول أمیر المؤمنین  علیه السلام وسأبدأ أولا ًبما یلی:

ص: 140

تعریفها

عرفت الإمامة بعدة تعریفات:

1 - الإمامة: رئاسة عامة فی أمور الدین والدنیا.

2 - الإمامة: خلافة الرسول فی إقامة الدین.

3 - الإمامة: نیابة عن صاحب الشریعة فی حفظ الدین وسیاسة الدنیا.

4 - الإمامة: خلافة عن الرسول فی إقامة الدین وحفظ الملّة.

وبصرف النظر عن هذه التعریفات التی صدرت من أفواه علماء المسلمین، نقول أن الإمامة: هی خلافة إلهیة تعطی الولایة التشریعیة  لصاحبها والتی من مسؤولیاتها الخلافة الظاهریة.

أنور: حسب علمی إن الإمام هو المتقدم علی الناس، و الذی یکون قدوة لغیره... ألیس کذلک؟

حسن: نعم، هذا تعریف الإمامة عند أهل اللغة، وأما ما ذکرته لک فهو عند أهل الاختصاص، أی تعریفها الاصطلاحی.

أنور: لماذا قلت إنها خلافة إلهیة؟

حسن: أنت تعلم کما یعلم الجمیع أن الغایة من خلق الإنسان هی الوصول إلی کماله وقربه الإلهی، ولا یکون ذلک إلا عن طریق الشریعة الإلهیة، التی بدورها تحتاج إلی أمین علیها یوصلها کما یرید الله تعالی لها أن تصل، ومن هذا نستنتج أن صاحب الشریعة لابد أن یتصف بصفات ممیزة عن غیره، ولقد تقدم الکلام عن ذلک فی بحث النبوّة، ثم علمت أن النبی یموت

ص: 141

ولا یبقی، کغیره من البشر الذین کتب علیهم الموت، فلاّبد حینئذ من حافظ لشریعته ومبلغ لها إلی الأجیال التی تعقب فترة النبوّة، لیکون امتداداً طبیعیاً للنبی، ولابد لهذا الحافظ أن یکون متصفاً بکل صفات النبی ما عدا النبوّة، لیکون حجة علی الناس وقدوة وأسوة لهم؟

أنور: إذن نفهم من کلامکم أن الإمام ینبغی أن یکون کالنبی ولا یفترق عنه إلا بالنبوّة؟

حسن: نعم بالضبط، فالإمام: هو الإنسان الکامل الإلهی والعالم بما یحتاج إلیه الناس فی تعیین مضارهم ومصالحهم، ولکی یتضح مقام الإمام انقل إلیک ما جاء عن مولانا الإمام علی بن موسی الرضا  علیه السلام فی وصف الإمامة، وهو وصف رائع ینوّر العقل ویفتح مصاریع أبواب القلب ویدغدغ الروح... فیقول الإمام الرضا  علیه السلام: «إن الإمامة أجلّ قدراً، وأعظم شأناً، وأعلا مکاناً، وأمنع جانباً، وأبعد غوراً من أن یبلغها الناس بعقولهم أو ینالوها بآرائهم أو یقیموا إماماً باختیارهم أنّ الإمامة خصّ الله عزَّ وجلّ بها إبراهیم الخلیل   علیه السلام بعد النبوّة والخلّة مرتبة ثالثة وفضیلة شرفه بها وأشاد بها ذکره فقال: ((..إِنِّی جَاعِلُکَ لِلنَّاسِ إِمَامًا...))(1)، فقال الخلیل  علیه السلام سروراً بها ((وَمِن ذُرِّیَّتِی)) قال الله تبارک وتعالی: ((لاَ یَنَالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ)) فأبطلت هذه الآیة إمامة کلّ ظالم إلی یوم القیامة، وصارت فی الصفوة ثم أکرمه الله تعالی بأن جعلها فی ذریته أهل الصفوة والطهارة، فقال: ((وَوَهَبْنَا لَهُ


1- سورة البقرة، الآیة: 124.

ص: 142

إِسْحَقَ وَیَعْقُوبَ نَافِلَةً وَکُلا جَعَلْنَا صَالِحِینَ))، ((وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً یَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَیْنَا إِلَیْهِمْ فِعْلَ الْخَیْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِیتَاء الزَّکَاةِ وَکَانُوا لَنَا عَابِدِینَ))(1)، فلم تزل فی ذریته یرثها بعض عن بعض قرناً فقرنا حتی ورثها الله تعالی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال جلّ وتعالی: ((إِنَّ أَوْلَی النَّاسِ بِإِبْرَاهِیمَ لَلَّذِینَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِیُّ وَالَّذِینَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِیُّ الْمُؤْمِنِینَ))(2)، فکانت له خاصة فقلّدها  صلی الله علیه وآله وسلم علیاً -  علیه السلام - بأمر الله تعالی علی رسم ما فرض الله، فصارت فی ذریته الأصفیاء الّذین آتاهم الله العلم والإیمان بقوله تعالی: ((قَالَ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِیمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِی کِتَابِ اللَّهِ إِلَی یَوْمِ الْبَعْثِ))(3)، فهی فی ولد علیّ -  علیه السلام- خاصة إلی یوم القیامة، إذا لا نبیّ بعد محمَّد - صلی الله علیه وآله وسلم- فمن أین یختار هؤلاء الجهال؟!.

إنّ الإمامة هی من_زلة الأنبیاء، وارث الأوصیاء، إنّ الإمامة خلافة الله، وخلافة الرسول، ومقام أمیر المؤمنین  -  علیه السلام -  ومیراث الحسن والحسین علیهما السلام-  إن الإمامة أس الإسلام النامی، وفرعه السامی، بالإمام تمام الصلاة والزکاة والصیام والحج والجهاد، وتوفیر الفیء والصدقات، وإمضاء الحدود والأحکام، ومنع الثغور والأطراف، الإمام یحلّ حلال الله ویحرّم حرام الله، ویقیم حدود الله، ویذب عن دین الله، ویدعو إلی سبیل ربِّه بالحکمة


1- سورة الأنبیاء، الآیة: 72 - 73.
2- سورة آل عمران، الآیة: 68.
3- سورة الروم، الآیة: 56.

ص: 143

والموعظة الحسنة، والحجة البالغة، الإمام کالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم وهی فی الأفق بحیث لا تنالها الأیدی والأبصار، الإمام البدر المنیر، والسراج الزاهر، والنور الساطع، والنجم الهادی فی غیاهب الدجی، وإجواز البلدان والقفار، ولجج البحار، الإمام الماء العذب علی الظمأ، والدالّ علی الهدی، والمنجی من الردی، الإمام النار علی الیفاع، الحار لمن اصطلی به، والدلیل فی المهالک، من فارقه فهالک، الإمام السحاب الماطر، والغیث الهاطل، والشمس المضیئة، والسماء الظلیلة، والأرض البسیطة، والعین الغزیرة، والغدیر والروضة، الإمام الأنیس الرفیق، والوالد الشفیق، والأخ الشقیق، والأم البرة بالولد الصغیر، ومفزع العباد فی الداهیة الناد، الإمام أمین الله فی خلقه، وحجته علی عباده، وخلیفته فی بلاده، والداعی إلی الله، والذاب عن حرم الله، الإمام المطهر من الذنوب، والمبرّأ عن العیوب، المخصوص بالعلم، الموسوم بالحلم، نظام الدین، وعز المسلمین، وغیظ المنافقین، وبوار الکافرین، الإمام واحد دهره لا یدانیه أحد، ولا یعادله عالم، ولا یوجد منه بدل، ولا له مثل ولا نظیر، مخصوص بالفضل کلّه من غیر طلب منه ولا اکتساب، بل اختصاص من المفضل الوهاب فمن ذا الذی یبلغ معرفة الإمام أو یمکنه اختیاره هیهات هیهات، ضلت العقول وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وخسئت العیون، وتصاغرت العظماء، وتحیرت الحکماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الألبّاء، وکلّت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعییت البلغاء عن وصف شأن من شأنه أو

ص: 144

فضیلة من فضائله، وأقرت بالعجز والتقصیر، وکیف یوصف بکله، أو ینعت بکنهه، أو یفهم شیء من أمره، أو یوجد من یقوم مقامه، أو یغنی غناه، لا کیف وأنّی وهو بحیث النجم من ید المتناولین، ووصف الواصفین فأین الاختیار من هذا، وأین العقول عن هذا، وأین یوجد مثل هذا؟ .... إلی أن قال: والقرآن ینادیهم: ((وَرَبُّکَ یَخْلُقُ مَا یَشَاء وَیَخْتَارُ مَا کَانَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَی عَمَّا یُشْرِکُونَ))(1)، ... إلی أن قال: فکیف لهم باختیار الإمام؟ والإمام عالم لا یجهل، وراع لا ینکل، معدن القدس والطهارة والنسک والزهادة والعلم والعبادة، مخصوص بدعوة الرسول ونسل المطهرة البتول، لا مغمز فیه فی نسب، ولا یدانیه ذو حسب، فالبیت من قریش والذروة من هاشم والعترة من الرسول  -  صلی الله علیه وآله وسلم -  والرضا من الله عزَّ وجلّ، شرف الأشراف، والفرع من عبد مناف نامی العلم، کامل الحلم، مضطلع بالإمامة عالم بالسیاسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر الله عزّ وجلّ، ناصح لعباد الله، حافظ لدین الله، إن الأنبیاء والأئمة  -  صلوات الله علیهم  - یوفقهم الله، ویؤتیهم من مخزون علمه وحکمه ما لا یؤتیه غیرهم، فیکون علمهم فوق علم أهل الزمان فی قوله تعالی: ((أَفَمَن یَهْدِی إِلَی الْحَقِّ أَحَقُّ أَن یُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ یَهِدِّیَ إِلاَّ أَن یُهْدَی فَمَا لَکُمْ کَیْفَ تَحْکُمُونَ))(2)، .... إلی أن قال: فهو معصوم مؤیّد موفّق مسدّد، قد أمن من الخطایا والزلل والعثار،


1- سورة القصص، الآیة: 68.
2- سورة یونس، الآیة: 35.

ص: 145

یخصه الله بذلک، لیکون حجته (البالغة) علی عباده، وشاهده علی خلقه ((ذَلِکَ فَضْلُ اللَّهِ یُؤْتِیهِ مَن یَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِیمِ))(1)، فهل یقدرون علی مثل هذا فیختارونه؟ أو یکون مختارهم بهذه الصفة فیقدمونه ... (2).

أنور: ما أروع هذا الوصف ولو لم یکن غیر هذا الوصف لدل علی إمامة الإمام الرضا  علیه السلام لما فیه من مضامین عالیة وبلاغة وفصاحة وبیان سام.

حسن: اذن بعد هذا الکلام الجمیل والطویل احتاج إلی کوب من الشای تتخلله استراحة وجیزة.

أنور: لقد طلبت حقاً... فإلی ذلک.

…الحلقة 45: إن الإمامة من أصول الدین أم من فروعه؟

أنور: الیوم أطلت علیک کثیراً.

حسن: انا متفرغ لخدمتکم هذا الیوم.

أنور: جزاک الله خیراً عنی وعن من ینتفع بهذا الکلام الجمیل، أذن ترخصنی فی أن أسال سؤالاً یدور فی ذهنی وذهن غیری من الشباب.

حسن: نعم تفضل.

أنور: إن الإمامة من أصول الدین أم من فروعه؟


1- سورة الجمعة، الآیة: 4.
2- الأصول من الکافی: ج 1، ص 198.

ص: 146

حسن: سؤال متوقع وجمیل أیضاً فاسمع یاسیدی:

الإمامة عند أهل السنة من فروع الدین ولعل جمیعهم أو أکثرهم اتفق علی ذلک، ولنا علی قولهم هذا اعتراض کبیر وعدم قبول، وأما الإمامة عندنا فقد ظهر رأی الإمامیة من خلال ما تقدم من تعریفها، وأیضاً عرفت مما تقدم مقام الإمام ووظیفته بعد النبی، فإذن کل ما أوجب أن تکون النبوّة أصلاً فهو یوجب أن تکون الإمامة أصلاً بالمعنی الذی تقدم.

أنور: إذن أفهم من کلامکم؛ بما أن الإمام کالنبی فی حفظ الشرع ووجوب اتباعه والحاجة إلیه وریاسته العامة بلا فرق إلا النبوّة فیجب الإقرار بأن الإمامة أصل من أصول الدین.

حسن: نعم بالضبط.

 أنور: هل من مؤیدات لقولکم؟

حسن: قال أهل العلم إن الآیة الکریمة: ((یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ یَهْدِی الْقَوْمَ الْکَافِرِینَ))(1)، نازلة فی الإمامة وتدل بوضوح علی من_زلتها وأهمیتها، وأیضاً یمکن الاستدلال بقوله تعالی: ((حُرِّمَتْ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِیرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَیْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّیَةُ وَالنَّطِیحَةُ وَمَا أَکَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَکَّیْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَی النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِکُمْ فِسْقٌ الْیَوْمَ یَئِسَ الَّذِینَ کَفَرُواْ مِن دِینِکُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ


1- سورة المائدة، الآیة: 67.

ص: 147

دِینَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَرَضِیتُ لَکُمُ الإِسْلاَمَ دِینًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِی مَخْمَصَةٍ غَیْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ))(1)، الذی هو دلیل علی ولایة أمیر المؤمنین  علیه السلام کما نصت علی ذلک الروایات، وفضلاً عن هذا کله ما ورد عن رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم: «من مات ولم یعرف إمام زمانه مات میتة جاهلیة» فهذا الحدیث یدل علی أنّه بمعرفة الإمام وإتباعه یثبت الدین، وبعدم ذلک فلا دین، فهل بعد هذا الحدیث شک فی أن الإمامة أصل من أصول الدین؟.

أنور: هذا التأکید وهذه الأهمیة والمن_زلة للإمامة لا یمکن إلا أن تکون أصلاً.

حسن: أحسنتم.

أنور: والآن وبعد ثبوت أن الإمامة أصل من أصول الدین، فهل یکون المنکر لها علی أنها أصل خارج عن الإسلام؟

حسن: ما علیه أغلب علمائنا أنه خارج عن المذهب، وهناک من یراه خارجاً عن الإسلام.

أنور: یقول أهل السنة إن الإمامة تنعقد بالشوری، فهل هذا صحیح؟

حسن: کلا لیس بصحیح فإن الإمامة لا تنعقد إلا بالنص، ولو کانت الشوری هی أساس الحکم لوجب علی الرسول الأکرم  صلی الله علیه وآله وسلم أن یصرح بذلک، وإن یبین حدودها وخصوصیاتها، کأن یبیّن من هم الذین یشترکون فی الشوری، وما هی شرائط المنتخب، وهل یعتمد علی کمیة الأداء أو العمل علی أساس النوعیة، وهناک کلام طویل عریض للاعتراض علی الشوری.


1- سورة المائدة، الآیة: 3.

ص: 148

أنور: ما تقول فی البیعة؟

حسن: قبل الخوض فی تفصیلات هذا السؤال لا بد أن نقف علی معنی البیعة، فلقد ورد عن ابن خلدون (البیعة هی العهد علی الطاعة) أی أن المبایع یعاهد أمیره علی أن یسلّم له التصرف فی أموره وأمور المسلمین، ویطیعه فیما یأمره، وتتم البیعة بأن یضع المبایع یده فی ید من بایعه.

أنور: هل هی من مبتکرات الإسلام؟

حسن: لا، لا بل هی من تقالید العرب قبل الإسلام، ولما جاء الإسلام أمضاها وجعلها أمراً لازماً لا یجوز نقضها.

أنور: هل تمت البیعة للنبی  صلی الله علیه وآله وسلم من أحد؟

حسن: نعم تمت له عندما بایعه أهل المدینة قبل الهجرة، وتمت البیعة بعد الهجرة عند الشجرة التی سمیت بیعة الرضوان والتی ورد ذکرها فی القرآن الکریم فی قوله تعالی: ((لَقَدْ رَضِیَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ إِذْ یُبَایِعُونَکَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِی قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّکِینَةَ عَلَیْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِیبًا))(1).

أنور: هل اختصت البیعة بالرجال فقط؟

حسن: کلا هناک بیعة للنساء بایعْن بها النبی  صلی الله علیه وآله وسلم أیضاً تم ذکرها فی القرآن الکریم فی قوله تعالی: ((یَا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذَا جَاءکَ الْمُؤْمِنَاتُ یُبَایِعْنَکَ عَلَی أَن لا یُشْرِکْنَ بِاللَّهِ شَیْئًا وَلا یَسْرِقْنَ وَلا یَزْنِینَ وَلا یَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا یَأْتِینَ


1- سورة الفتح، الآیة: 18.

ص: 149

بِبُهْتَانٍ یَفْتَرِینَهُ بَیْنَ أَیْدِیهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا یَعْصِینَکَ فِی مَعْرُوفٍ فَبَایِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِیمٌ ))(1).

أنور: هل أفهم من کلامکم إن البیعة هی أساس الحکم؟

حسن: لا... لیس هناک دلیل علی ذلک.

أنور: وکیف تفسر البیعة التی حصلت للنبی  صلی الله علیه وآله وسلم؟

حسن: الجواب عن هذا یتضح من خلال ما یلی:

1 - بیعة المسلمین للرسول  صلی الله علیه وآله وسلم لم تعْنِ الاعتراف بزعامته، ولا تعد وسیلة لنصبه أو تعیینه بل هی التزام وعهد بالطاعة له لأنه رسول جاء بأمر الله تعالی، متصفاً بصفات تؤهله للقیادة والزعامة، ولهذا فهو لا یحتاج إلی بیعتهم فیما یخص منصبه وقیادته، إنما تعنی بیعتهم له الالتزام بأوامره والانتهاء عن نواهیه والطاعة المطلقة له وتعد بمنزلة التأکید علی الالتزام بإیمانهم به  صلی الله علیه وآله وسلم.

2 -  إن البیعة میثاق بین شخصین یجب الالتزام بها والوفاء والنصیحة والطاعة لمن نبایعه وهذا ما أکده أمیر المؤمنین  علیه السلام فی قوله: «وأما حقی علیکم، فالوفاء بالبیعة، والنصیحة فی المشهد والمغیب، والإجابة حین ادعوکم، والطاعة حین آمرکم...».

3 - هناک نصوص صریحة علی نبوّة النبی  صلی الله علیه وآله وسلم وإمامته لا تقف أمامها عدم البیعة ولا تزید فیها بیعة المبایعین.

أنور: أراک تعبت ...  .

حسن: لا بأس باللقاء غداً لإکمال الحوار.


1- سورة الممتحنة، الآیة: 12.

ص: 150

…الحلقة 46: إن الإمامة بالبیعة أم بالنص؟

أنور: سلام علیکم.

حسن: وعلیکم السلام ورحمة الله وبرکاته... وفقک الله تعالی لکل خیر لالتزامک بمتابعة تحصیل العلم سیما فیما یصون فکرک من الانحراف أو الشبهات.

أنور: جزاکم الله خیر الجزاء، انکم أسخیاء فی تزویدنا بما نحتاج، والآن لا بأس بإکمال ما بدأنا به من حیث انتهینا بشرط عدم ممانعتکم.

حسن: نعم تفضلوا ... قلنا إنّ بیعة المسلمین للنبی  صلی الله علیه وآله وسلم لم تکن وسیلة للتنصیب، بل هی عهد بالطاعة والانقیاد، وهذا ما أکده النبی  صلی الله علیه وآله وسلم بقوله: «فإن آمنتم بی فبایعونی علی أن تطیعونی، وتصلّوا وتزکوا، وأن تدفعوا عنی العدو حتی الموت، ولا تفروا من الحرب».

أنور: إذن نستطیع أن نفهم مما تقدم أن البیعة التی حصلت لأمیر المؤمنین  علیه السلام هی بمنزلة تحصیل حاصل؟

حسن: نعم هی کذلک.

أنور: ولکن هل لک أن تزیدنی فی بیان أمر الإمامة وکونه امراً إلهیاً؟

ص: 151

حسن: نعم، هناک کلمات ووقائع صدرت عن النبی  صلی الله علیه وآله وسلم فیها دلالة واضحة علی ارتباط الإمامة بالله تعالی حصریاً، ومنها:

1 -  عندما دعا رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم القبائل للدخول فی الإسلام جاءت الوفود تتری إلیه ومنها وفد بنی خامر، فلما التقی الوفود بالرسول الإکرم  صلی الله علیه وآله وسلم فی موسم الحج قال رئیسهم للنبی  صلی الله علیه وآله وسلم: «أرایت ان نحن بایعناک علی أمرک، ثم أظهرک الله علی من خالفک، أیکون لنا الأمر من بعدک؟ فأجابة النبی  صلی الله علیه وآله وسلم الامر إلی الله، یضعه حیث یشاء» فأرجو الترکیز علی قوله  صلی الله علیه وآله وسلم لیتضح لک الأمر.

2 -  بعث النبی الأکرم  صلی الله علیه وآله وسلم سلیط بن عمرو العامری إلی ملک الیمامة (هوزة بن علی الحنفی) الذی کان نصرانیاً یدعوه إلی الإسلام، وکتب معه کتاباً، فقدم علی ملک الیمامة، فأنزله وحیاه وکتب إلی النبی  صلی الله علیه وآله وسلم یقول: «ما أحسن ما تدعو إلیه، واجمله، وانا شاعر قومی وخطیبهم والعرب تهاب مکانی فاجعل لی بعض الأمر، اتبعک» فقدم سلیط علی النبی  صلی الله علیه وآله وسلم بکتابه فلما قرأ علیه قال  صلی الله علیه وآله وسلم: «لو سألنی سیابه من الأرض ما فعلته، بادَ، وبادَ ما فی یده».

3 -  ومما ورد فی القرآن الکریم ما یؤید فعل النبی  صلی الله علیه وآله وسلم  وقوله، فلقد قال الله تعالی فی کتابه الکریم: ((...اللّهُ أَعْلَمُ حَیْثُ یَجْعَلُ رِسَالَتَهُ...))(1)، ولأن الإمامة کالنبوّة من حیث الوظیفة والغایة؛ فهی أمر إلهی لیس لأحد الحق فی البت بها سواء أکان فرداً أم أمة.


1- سورة الأنعام، الآیة: 124.

ص: 152

أنور: اذن صار واضحاً أن الإمامة وقیادة الأمة لم تخضع للاختیار والانتخاب والترشیح وإنما هی منصب إلهی ومنصوص علیه من قبل الله تعالی.

حسن: نعم أحسنتم.

أنور: هل صحیح ما یقال إن الصحابة لم یلتزموا بالتنصیب الالهی؟

حسن: الاصح هو ان الصحابة لم یلتزموا بتنصیب الإمام علی  علیه السلام فقط وهو التنصیب الإلهی الوحید الذی تم علی ید رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم.

أنور: کیف ذلک؟

حسن: أتعلم أن خلافة عمر بن الخطاب بتعیین من أبی بکر؟ وهل تعلم أن خلافة عثمان بتعیین من عمر؛ اذ جعله ضمن ستة أشخاص حصراً؟

أنور: لا، لم اسمع بذلک.

حسن: وبعد أن سمعت؟

أنور: فهمت من کلامکم أنهم نصبوا وعیّنوا، فکیف یقال إنها شوری؟

حسن: دعک مما یقال.

أنور: علی کل حال جزیتم خیراً... نشکرکم کثیراً.

حسن: لا شکر علی واجب ..... نراکم إن شاء الله.

ص: 153

…الحلقة 47: ما هی صفات الإمام ووظائفه؟

أنور: سلام من الله علیکم.

حسن: وعلیک السلام ایها الطالب المجد.

أنور: ما دمتم قد تفضلتم علینا بذکر أمر الإمامة، فهل لی أن أسأل أسئلة مهمة؟

حسن: نعم ما حضرت إلا لأجیب عن أسئلتک.

أنور: لکم منا جزیل الشکر... یا سیدی.

سؤال: هل أستطیع استخراج صفات الإمام ووظائفه من بطن الکلمة المتقدمة التی قالها الإمام الرضا  علیه السلام فی وصف الإمامة؟

حسن: نعم فیها الکثیر من صفات الإمام ووظائفه، ویظهر منها مدی حاجة الأمة إلیه.

أنور: سیدی الکریم دعنی أعُدْ إلی الوراء قلیلاً، لنقف معکم علی صفات الإمام ووظائفه، لکی ندحض مزاعم کل من یدّعی إمامة الأمة وهو غیر معصوم وغیر لائق بها.

حسن: مقترح جید یغنینا عن التکرار للوقوف علی صفات الإمامة ووظائفه، وعلی هذا أستطیع أن أُلخّص لک ما تقدم وکما یلی:

1 -  ان لا یکون ظالماً منذ ولادته إلی یوم وفاته.

2 -  ان یکون معصوماً من الذنب عمداً وسهواً ونسیاناً، ومطهراً من الرجس والدنس.

ص: 154

3 -  ان یکون أعلم أهل زمانه وأفضلهم.

4 -  ان یکون متملیا بکل الصفات الکمالیة والفضائل الأخلاقیة.

5 -  وورد عن الإمام الرضا  علیه السلام: «أن الإمام واحد دهره، لا یدانیه أحد، ولا یعادله عالم، ولا یوجد منه بدل، ولا له مثل ولا نظیر، مخصوص بالفضل کله من غیر طلب منه له ولا اکتساب، بل اختصاص من المفضل الوهاب.....» وقال ایضاً: «للإمام علامات:یکون اعلم الناس، واحکم الناس، واتقی الناس واحلم الناس، وأشجع الناس، وأسخی الناس، واعبد الناس، ویولد مختوناً، ویکون مطهراً، ویری من خلفه کما یری من بین یدیه». وغیر ذلک من الصفات والکمالات التی جمعت فیه.

أنور: ذکرتم لنا صفاته فلا بأس أن تذکروا لنا وظائفه؟

حسن: نعم یمکن ذکر وظائفه التی أشار إلیها الإمام الرضا  علیه السلام وهی کما یلی:

1 - بالإمام تمام الصلاة والزکاة والصیام والحج والجهاد.

2 - توفیر الفیء والصدقات.

3 - امضاء الحدود والاحکام.

4 - منع الثغور والأطراف.

5 - یحل حلال الله ویحرم حرام الله.

6 - یذب عن دین الله.

ص: 155

7 - یجمع جمیع الوظائف الإلهیة بما انه خلیفة الله تعالی وحجته علی عباده وحافظ لدینه وناصح لعباده، ولهذا استحق التأیید والتسدید والتوفیق الإلهی لیتم وظائفه کما یریدها الله تعالی.

أنور: هناک سؤال آخر لابد من معرفته؟

حسن: سیکون ذلک فی لقائنا القادم إن شاء الله تعالی.

…الحلقة 48: ما هو مصدر علم الإمام؟

أنور: السلام علیکم.

حسن: وعلیکم السلام ورحمة الله وبرکاته.

أنور: تقدم الکلام فی معرفة صفات الإمام ووظائفه، وحان وقت السؤال الثانی الذی لا یقل أهمیة عن سابقه، ألا وهو لماذا یجب أن یتصف الإمام بهذه الصفات؟

حسن: هذا سؤال رائع ینتج من جوابه اسکات من یدعی الإمامة دون التحلی بصفات الإمام ویکون رداً جیداً علی من یبرر أخطاء الخلفاء الماضین، ولهذا لابد من الوقوف علی أسباب وجوب اتصاف الإمام بالصفات الآنفة الذکر، وهی کما یلی:

1 - غرض النبوّة هو استکمال النفوس والوصول بها إلی کمالها، فکذلک هو غرض الإمامة لأنها امتداد طبیعی للنبوّة، وکما یلزم من ذلک ان یکون النبی فی الصفات أکمل وأفضل من جمیع الناس فلابد أن یکون الإمام کذلک.

ص: 156

2 - لقبح تقدیم المفضول علی الفاضل، أی لو کان الإمام أقل فضلاً من غیره لقبح تقدیمه علی ذلک الآخر عقلاً وشرعاً، ومن هذا نفهم لا بد أن یکون الإمام أفضل أهل زمانه.

3 - لو لم یکن الإمام أفضل وأکمل من جمیع الناس لامتنع انقیاد الناس إلیه ولنفرت منه النفوس ومن ثم لا یستطیع تحقیق الغرض الإلهی ألا وهو هدایة الناس وحفظ الدین.

4 - لو جاز أن یصدر من الإمام المنکر لوجب نهیه عن ذلک مما یلزم أذیته وردعه، وهذا فی ذاته مرفوض شرعاً لقوله تعالی: ((وَالَّذِینَ یُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَیْرِ مَا اکْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِینًا))(1).

5 - لو کان الإمام أنقص من الرعیة ما جاز تقدیمه لقبح تقدیم المفضول علی الفاضل، ولو کان مساویاً لهم لا ستحال ترجیحه علیهم لعدم جواز الترجیح بلا مرجح، فینتج من هذا وجوب أن یکون الأفضل.

6 - وهناک الکثیر من الأدلة علی ضرورة کون الإمام أفضل من الرعیة نترکها للاختصار.

أنور: جزاکم الله خیراً... استفدنا کثیراً بهذه الأبحاث الرائعة.

حسن: فی خدمتکم وخدمة المسلمین.

أنور: جاء دور السؤال الثالث الذی یرتبط بعلم الإمام  علیه السلام وهو: ما هو مصدر علم الإمام  علیه السلام؟ وهل انه یعلم الغیب؟ وما هو الفرق بین علمه وعلمنا؟


1- سورة الأحزاب، الآیة: 58.

ص: 157

حسن: هذه الأسئلة من الأسئلة التی یحتاج الناس إلی معرفة أجوبتها لأهمیتها، ولابد لی أن أُجیب عنها واحداً تلو الآخر فأقول:

جواب السؤال الأول: إن مصدر علم الإمام  علیه السلام هو الله تعالی ویصل إلیه تارة عن النبی  صلی الله علیه وآله وسلم وتارة ثانیة عن طریق الإشراق وتنویر الباطن وثالثة عن طریق تحدیث الملائکة، ولا بأس أن اذکر لک ما یؤید ذلک ففی قول الإمام أمیر المؤمنین  علیه السلام: «علمنی رسول الله ألف باب ینفتح لی من کل باب ألف باب، فذلک ألف ألف باب حتی علمت ما کان وما یکون إلی یوم القیامة، وعلمت علم المنایا والبلایا وفصل الخطاب»، فلو تأملت فی هذا الحدیث لوجدت الإشارة إلی الطریقین واضحة صریحة.

أنور: مداخلة صغیرة قبل أن تنتقل إلی الطریق الثالث: ماذا یقصد بالألف هل هی إشارة إلی العدد؟

حسن: کلا تعبیر عن الکثرة کقوله تعالی: ((...إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِینَ مَرَّةً فَلَن یَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذَلِکَ بِأَنَّهُمْ کَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لاَ یَهْدِی الْقَوْمَ الْفَاسِقِینَ))(1).

أنور: أحسنت سیدی، نعم..  .

حسن: والطریق الثالث ألا وهو تحدیث الملائکة فقول أبی الحسن  علیه السلام: «الائمة علماء صادقون مفهّمون محدّثون» مؤید لما قلناه.


1- سورة التوبة، الآیة: 80.

ص: 158

وهناک طرق أخری کما فی الروایة عن الحارث بن المغیرة: «قلت لأبی عبدالله أخبرنی عن علم عالمکم؟ قال: وراثة من رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم ومن علی علیه السلام. قال قلت: انا نتحدث أنه یقذف فی قلوبکم وینکت فی آذانکم قال: أو ذاک», وهذا تصریح بطریق رابع ألا وهو القذف فی القلوب والنکت فی الآذان، ولکی نختم الکلام فی السؤال الأول فأضیف ان هناک مصحف فاطمة والجامعة والجفر وغیر ذلک.

أنور: أحسنت کثیراً ... أدعک ترتاح وسألقاک؛ اذا سمحت.

حسن: شکراً لک سنلتقی إن شاء الله تعالی.

…الحلقة 49: هل إن الإمام یعلم الغیب؟

أنور: سلام علیکم.

حسن: وعلیکم السلام ورحمة الله وبرکاته.

أنور: ختمت الجواب عن السؤال الأول، فهل لک أن تزودنی بجواب السؤال الثانی؟

حسن: سؤالکم کان هل أن الإمام  علیه السلام یعلم الغیب؟

فأقول: لابد من بیان علم الغیب ثم نعرّج علی جواب سؤالکم، فیا سیدی علم الغیب؛ هو الإحاطة بکل ما غاب عنا أو عن المخلوقات الأخری، وهذا من شأن الله تعالی، ولکن إذا أراد الله سبحانه أن یهب ویعلّم

ص: 159

عبداً من عباده فلا یمنع من ذلک شیء، کما حصل هذا للعبد الصالح الخضر علیه السلام کما فی قوله تعالی: ((فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَیْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَدُنَّا عِلْمًا))(1)، فالله تعالی یعلّم عبده الذی یرید له أن یکون حجة علی الناس، فالإمام یعلم الغیب بقدر ما یعلمه الله تعالی وبحسب حاجته لذلک، لکی تتم حجیته علی الناس.

أنور: ما دمنا نتکلم فی علم الإمام فهل لی أن أسأل أسئلة خفیفة؟

حسن: بکل سرور.

أنور: أولاً هل لدیکم حدیث عن علم الغیب الذی یعلمه الإمام؟

حسن: نعم کقول الإمام الصادق  علیه السلام: «إن الله تعالی أحکم وأکرم وأجلّ وأعظم وأعدل من أن یحتج بحججه ثم یغیب عنهم شیئاً من أمورهم» وفی تعبیر آخر قال علیه السلام: «من شک أن الله تعالی یحتج علی خلقه بحججه لا یکون عنده کل ما یحتاجون إلیه فقد افتری علی الله».

أنور: سبحان الله تعالی کأن هذین الحدیثین وضعا لما تفضلت به قبل قلیل.

حسن: وهل لدینا من غیرهم، فهم  علیهم السلام النبع الصافی لکل العلوم.

أنور: سؤال آخر: عندنا علم مکتسب نتعلمه من المعلمین، وهناک قول یقول: «العلم نور یقذفه الله فی قلب من یشاء... الخ» هل هناک اختلاف بین العلمین؟


1- سورة الکهف، الآیة: 65.

ص: 160

حسن: الجواب واضح فالعلم الاول یسمی بالعلم الحصولی المکتسب، وهذا متیسر لکثیر من الناس، والعلم الثانی علم لدّنی من قبل الله تعالی یختص به من ارتضی من عباده کما بینّا ذلک فی الآیة التی نزلت بخصوص الخضر  علیه السلام: ((آتَیْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَدُنَّا عِلْمًا)) وهذا لا یحصل إلا إذا طهر القلب وصقل صقلاً جیداً لتشرق علیه الأنوار الربوبیة فتجلو أثر الظلمة والجهل، فیکون عندها القلب وعاءً لتلقی الفیض الإلهی.

أنور: أراک بدأت تتحدث شیئاً جدیداً فهل لک أن تزیدنی؟

حسن: کلا، هذا یکفی فی الوقت الحاضر.

أنور: سؤال أخیر هل إن الإمام کالإمام علی أو الحسین علیهما السلام أو الأئمة الطاهرین  علیهم السلام یعلمون بنا عندما نزورهم، ویسمعون قولنا، ویحیطون بنیاتنا؟

حسن: هذا سؤال رائع: یا سیدی الکریم إنهم یعلمون بنا ویسمعون قولنا ویطلعون علی نیاتنا، وسأبین لک ذلک علی شکل نقاط متسلسلة:

أولاً - إن طرق علم الأئمة  علیهم السلام متعددة منها ما یکون عن طریق الرسول الأکرم  صلی الله علیه وآله وسلم، ومنها عن طریق القذف فی القلوب والوقر فی الأسماع، ومنها عن طریق الاشراق وتنویر الباطن ومنها عن طریق تحدیث الملائکة وقد تقدمت الأدلة علی ذلک... کأنک نسیت ما ذکرناه؟

أنور: کلا لم أنسه، ولکن قصدی علمهم بعد وفاتهم.

ص: 161

حسن: نعم ...أنا ذکرت لک النقطة الأولی وأما النقطة الثانیة:      

ثانیاً -  إن الأئمة أحیاء عند ربهم یرزقون کما فی قوله تعالی: ((وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُواْ فِی سَبِیلِ  اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْیَاء عِندَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ))(1).

ثالثاً - هم حجج طاعتهم مفروضة علینا أحیاء وأمواتاً، وهذا معناه إننا نطیعهم بعد وفاتهم کما نطیعهم فی حیاتهم وإلاّ إذا لم نفعل ذلک سنقع فی الخطأ والبعد عن الله، کما أن هذا الحدیث الوارد عن الإمام أبی جعفر الباقر علیه السلام یوضح الأمر کله فیقول:«الله أجلّ وأعز وأکرم من أن یفرض طاعة عبد یحجب عنه علم سمائه وأرضه ثم قال: لا یحجب ذلک عنه»، فالإمام علی وأولاده الطاهرون طاعتهم مفروضة فلابد أن یکونوا محیطین بنا لکی یکونوا شهداء علینا یوم القیامة.

رابعاً -  إن أعمالنا تعرض علیهم  علیهم السلام لیشهدوا علیها وهذا ما یؤکده قوله تعالی: ((وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَیَرَی اللّهُ عَمَلَکُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ....)) (2)، وکلمة ((الْمُؤْمِنُونَ)) فی الآیة الأئمة  علیهم السلام وهناک أحادیث تؤید أن أعمالنا تعرض علیهم، کقول الإمام أبی عبدالله الصادق  علیه السلام: «مالکم تسوءون رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟! فقال رجل: کیف نسوؤه؟ فقال: أما تعلمون أن أعمالکم تعرض علیه، فإذا رأی فیها معصیة ساءه ذلک، فلا تسوءوا رسول الله وسروه».


1- سورة آل عمران، الآیة: 169.
2- سورة التوبة، الآیة: 105.

ص: 162

خامساً -  ما المانع أن یطلع الله تعالی نبیه  صلی الله علیه وآله وسلم وأهل بیته  علیهم السلام علی زائریهم وأسمائهم وأعمالهم الباطنیة؟ لیس هناک مانع طالما الأمر لا یتم إلا بإذن الله تعالی، ولا بأس أن أذکر لک الأحادیث التی تبین أنهم متواصلون معنا ومطلعون علینا وعلی نیتنا:

الأول -  ما یدل علی أن الله تعالی یوصل إلیهم سلامنا، کقول أمیر المؤمنین علیه السلام قال: «قال رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم من سلّم علیّ فی شیء من الأرض أبلِغُتُه ومن سلم علیّ عند القبر سمعته»، وروایة أخری «عن ابن مسعود قال: رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم إن لله ملائکة سیاحین فی الأرض یبلغونی عن أمتی السلام».

ثانیاً -  وقول الإمام جعفر بن محمد الصادق  علیه السلام فیه أدلة واضحة علی ما قلناه فیقول: «إن الحسین بن علی  علیه السلام عند ربه عز وجّل ینظر إلی زواره وهو أعرف بحالهم وبأسمائهم وأسماء آبائهم وبدرجاتهم ومنزلتهم عند الله عز وجّل من أحدکم بولده وإنه لیری من یبکیه فیستغفر له ویسأل آباءه  علیه السلام أن یستغفروا له.... الخ».

ففی هذا الحدیث إنه  علیه السلام یسمع ویری ویستغفر لأنه شهید حی عند ربه، ویتضح من الحدیث أن الإمام مطلّع علی نیّة الزائر ولیس علی ظاهر العمل وإلا لو کان یعلم ظاهر العمل فقط، کیف له أن یعلم صدق النیّة وأن عمل الزائر لم یکن ریاءً.

أنور: الیوم قد أتعبتک کثیراً.

حسن: أنا فی خدمتکم، إلی اللقاء.

ص: 163

…الحلقة 50: لماذا لا یعلم أهل البیت  علیهم السلام علومهم لجمیع الناس؟

أنور: سلام علیکم.

حسن: وعلیکم السلام ورحمة الله وبرکاته.

أنور: إتماماً للأسئلة التی طلبت الإجابة علیها، بقی لدی سؤالان فهل لک أن تجیبنی؟

حسن: نعم، لک أن تطرح کل ما یجول بخاطرک.

أنور: إذا کان لأهل البیت  علیهم السلام علم واسع لمَ لم یعلّموه لأصحابهم أو یذکروه أمامهم؟

حسن: الإجابة علی هذا السؤال یتلخص فی نقطتین:

الأولی - أنهم خصوا بعض أصحابهم بذلک، وتجنبوا آخرین للتفاوت بین إدراکاتهم، فمنهم من یستطیع أن یتحمل علومهم ومنهم من یحتمل منه الاضطراب والارتباک فی العقیدة، فلذلک ورد عن أمیر المؤمنین  علیه السلام أنه قال: «والله لو شئت أن اخبر کل رجل منکم بمخرجه ومولجه وجمیع شأنه لفعلت، ولکن أخاف أن تکفروا فیّ برسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم  ألا وإنی مفضیه إلی الخاصة ممن یؤمن ذلک منه، والذی بعثه بالحق واصطفاه علی الخلق، ما انطق إلا صادقاً، وقد عهد إلیّ بذلک کله،

ص: 164

وبمهلک من یهلک ومنجی من ینجو ومآل هذا الأمر، وما ابقی شیئاً یمر علی رأسی إلا أفرغه فی أذنی وأفضی به إلیّ»، ففی هذا الحدیث بیان واضح لما ذکرناه.

أنور: نعم واضح شدید الوضوح.

حسن: وأما النقطة الثانیة تجنباً لوقوع ضعاف العقول فی الانحراف العقائدی الذی یؤدی بدوره إلی نقض الغرض الذی جاءت من أجله الرسالة المحمدیة، ولذا قال  علیه السلام: «ولکن أخاف أن تکفروا فیّ برسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم فعندها یکون الإمام سبباً فی کفر الناس الذین لم یستطیعوا تحمل علومهم، فحجب ذلک العلم مع تفویت المصلحة المتعلقة به، خیر من تعلیمه إیاهم مع وقوعهم فی الکفر».

أنور: طالماً أن هناک فرقاً بین العلوم الإلهیة التی حازها أهل البیت علیهم السلام وبین العلوم البشریة الحصولیة، فهل لک أن تبین لی الفرق... مع وافر الشکر؟

حسن: نعم ..... جزاکم الله خیراً علی سؤالکم هذا لما فیه من إنصاف، ولکن قبل ان أبیّن لک الفرق فی ذلک لابد أن أتکلم عن أمر مهم.

أنور: نعم لا بأس من التزود بما لم التفت إلیه.

حسن: یا أخی الکریم: العلم الإلهی هو أشرف العلوم، وذلک بسبب شرف موضوعه، حیث أن موضوعه هو عن (الله تعالی وصفاته وأفعاله)، وبما أنه کذلک فلابد أن یکون العالم بالعلم الإلهی مقدّما علی العالم بالعلم البشری، ولأن العلم الإلهی یهتم ببناء الجنبة الروحیة فی الإنسان والتی هی

ص: 165

أهم من الجنبة المادیة صار العلم الإلهی مقدماً علی العلم البشری من حیث حاجة الإنسان إلیه، فإذن لابد أن یکون الطبیب الروحی مقدماً علی الطبیب المادی، فلهذا نری أن العقلاء یقدمون العلماء الدینیین علی العلماء المادیین لما یحملونه من علوم مهمة، وهناک الکثیر من الأحادیث التی تشیر إلی فضل العالم الإلهی، وبعد هذه المقدمة البسیطة المختصرة صار واضحاً لدیکم مدی ضرورة احترام العلماء وتعظیمهم وتقدیمهم وعدم توهینهم.

أنور: سیدی الکریم لقد أثرت شیئاً ملحاً یطرح فی هذه الأیام، وهو هل یجب احترام کل من تزیا بزی رجال الدین مع العلم إن هناک من لا یفقه من الدین شیئاً وهو مرتد لهذا الزی؟

حسن: سؤال فی محله... سیدی الکریم یجب احترام کل من یحترم نفسه، اما من ینتحل صفة لیس أهلاً لها فلا یستحق هذا الاحترام حتی لو کان مرتدیاً لهذا الزی ولکن یجب التثبت والفحص قبل کیل التهم لصاحب الزی لما فی ذلک من توهین لرجال الدین، وأختصر لک الأمر فی عبارة قالها أحد العلماء: «إذا رأیتم معمماً قد سرق فلا تقولوا هذا معمم لص، بل قولوا لصٌ قد لبس عمامة» وبهذا اکتفی.

أنور: نعم هذا کلام جمیل وصریح وواضح... جزاکم الله خیراً.

حسن: نرجع إلی جواب السؤال الذی طرحتموه فنقول: إن الفرق بین علوم أهل البیت  علیهم السلام والعلوم البشریة هو کما یلی:

1 - ان العلوم الکسبیة تحتاج إلی تعلم وتعلیم، وحیث أن الناس متفاوتون فی الفهم والإدراک فلابد من حصول الاختلاف فی کثیر من الأمور.

ص: 166

2 -  ان الکثیر من المجهولات خارجة عن قدرة علم الإنسان فلا یستطیع البت فیها.

3 -  فی حین نری أن العلوم الإلهیة التی أفاضها الله تعالی علی أنبیائه وأولیائه لا تقبل الاختلاف أو الشک ولا تحتاج إلی الاکتساب والتعلم بل هی نور یقذفه فی قلب من یشاء من عباده، فلذلک لا نجد فی أقوالهم  علیهم السلام مثل کلمة (الأوضح، الأظهر أو یحتمل.....) بل نلمس العکس من ذلک.

4 -  ونجد فی العلوم الإلهیة من القوة والظهور لا تحتاج معهما إلی تجدید النظر، وعندما أقول لا تحتاج إلی تجدید النظر لا ینافی هذا مسألة النسخ فی الشرائع السماویة لأن ذلک موضوع آخر.

 أنور: رائع مولای الکریم لقد أجدت وأحسنت... نکتفی الیوم بما قدمتموه.

حسن: إلی اللقاء إذن.

…الحلقة 51: هل یجب طاعة الأئمة ومحبتهم؟

أنور: سلام علیکم.

حسن: وعلیکم السلام ورحمة الله وبرکاته.

أنور: الیوم أرید أن أعرّج علی أمورٍ أخری تتعلق بالإمامة أیضاً.

حسن: أهلاً بکم فی جلستنا هذه.

ص: 167

أنور: یبتسم ویشکر ثم یقول: سیدی الکریم... هل نحن مأمورون بطاعة الائمة  علیهم السلام، ولماذا؟

حسن: نعم نحن مأمورون بذلک امتثالاً لأمر الله تعالی الذی یقول فی کتابه الکریم ((یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ أَطِیعُواْ اللّهَ وَأَطِیعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِی الأَمْرِ مِنکُمْ...))(1)، وهذه الآیة لا تشمل إلا من کان معصوماً، وهذا لا یکون إلاّ رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم والائمة الطاهرون الذین ثبتت طهارتهم وعصمتهم فیما سبق.

أنور: لو قال قائل سلمنا أن الأئمة من آل البیت  علیهم السلام من أولی الأمر، ولکن لماذا لا یشترک معهم غیرهم من أولی الأمر.

حسن: لأن غیرهم لیس بمعصوم، باعتراف ذلک الآخر علی نفسه، وبثبوت الأدلة علی عصمة عترة النبی  صلی الله علیه وآله وسلم الأئمة الطاهرین.

أنور: لماذا یشترط عصمة أولی الأمر؟

حسن: هذا یتضح بأدنی التفات منکم.

أنور: نعم أستطیع أن أقول لو کان أولو الأمر غیر معصومین للزم من طاعتهم الوقوع فی الخطأ والمعصیة المخالفة لأمر الله تعالی وهذا لا ینسجم مع الإیمان والتقوی.

حسن: أحسنتم فضلاً عن ذلک لا یمکن أن یقرن الله تعالی طاعة أولی الأمر الخاطئین بطاعته وطاعة رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم للزوم التناقض فی ذلک.

أنور: أحسنتم... ولکن هناک من یقول إن أولی الأمر هم أهل الحل والعقد من المؤمنین؟


1- سورة النساء، الآیة: 59.

ص: 168

حسن: هذا کلام ضعیف جداً، لأن حجة هؤلاء لا تتم إلا إذا أجمعوا علی أمر ما، فیکون الإجماع کاشفاً عن الحکم الشرعی مع توفر جمیع شروطه، وعلی فرض تحقق الإجماع بشرائط، فلیس لنفس المجمعین حق الأمر والولایة، علماً أن الآیة تشیر إلی أفراد ولیس إلی مجمعین، کما أن الخطأ قد یحصل فی رأی المجمعین إذا لم یکن معهم معصوم، ومن ثم لا یصح الامتثال لأمرهم لاحتمال کونه خطأ.

أنور: ولکن نجد أننا مأمورون بإطاعة الفقهاء، فکیف یکون وهم أیضاً لیسوا بمعصومین؟

حسن: نعم الفقهاء الذین یتبعون المعصوم فالطاعة لهم بالتبع وللمعصوم بالأصل، سیما أنهم منصبون من قبل المعصوم ولا یقولون إلا بقوله  علیه السلام فضلاً عن ذلک أن المراد بأولی الأمر الذی له حق الأمر والحکم شرعاً هو المعصوم  علیه السلام فقط، واما الفقهاء ترجع طاعتهم إلی طاعته فتکون طاعتهم واجبة لرجوعها إلی طاعة المعصوم  علیه السلام.

أنور: تبعاً لطاعتهم  علیهم السلام هل نحن ملزمون بحبهم ومودتهم، أی أن من لا یحبهم ولا یبغضهم أهو آثم أم لا؟

حسن: قبل أن نبین الحکم علی المحب أو المبغض لابد من بیان أمر هام وهو: أن الله تعالی لا یندب أو یفرض محبة أحد ما جزافاً وتشهیاً بل لابد من حکمة فی ذلک، ومن خلال التأمل فی آیة المودة فی قوله تعالی: ((... قُل لا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی...))(1)، نجد أن الله تعالی جعل أجر


1- سورة الشوری، الآیة: 23.

ص: 169

النبی  صلی الله علیه وآله وسلم علی رسالته وهدایته وتحمله المشاق من أجل کمالنا هو محبة قرباه وأهل بیته  علیهم السلام ومودتهم، ثم إن هذه المودّة مرتبطة بالله تعالی، أی أننا لا نحب إلاّ من أحبه الله تعالی ولا نبغض إلا من أبغضه الله تعالی، فلذلک صارت المودة من شعب الإیمان، کما فی قول الرسول الأکرم  صلی الله علیه وآله وسلم: «ود المؤمن للمؤمن من أعظم شعب الإیمان، ألا ومن أحب فی الله وابغض فی الله، واعطی فی الله، ومنع فی الله فهو من أصفیاء الله» ففی هذا الحدیث الشریف بیان جلیّ أن محبة أحباب الله تعالی توجب الإیمان وبغضهم یوجب العکس من ذلک.

أنور: هل لک أن تزیدنی من الروایات فی ذلک؟

حسن: نعم لقد وردت فی الحب والبغض روایات کثیرة منها:

«سأل  صلی الله علیه وآله وسلم أصحابه: أی عری الإیمان أوثق؟ فقالوا الله ورسوله أعلم وقال بعضهم: الصلاة وقال بعضهم الزکاة، وقال بعضهم الصیام، وقال بعضهم الحج والعمرة، وقال بعضهم الجهاد، فقال رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم: لکل ما قلتم فضل، ولیس به، ولکن أوثق عری الإیمان الحب فی الله والبغض فی الله وتولّی أولیاء الله، والتبری من أعداء الله».  

ومنها: ما روی عن عیسی  علیه السلام: «تحببوا إلی الله ببغض أهل المعاصی وتقربوا إلی الله بالتباعد عنهم، والتمسوا رضا الله بسخطهم».

ومنها ما ورد عن الإمام الصادق  علیه السلام: «کل من لم یحب علی الدین ولم یبغض علی الدین فلا دین له». وهناک الکثیر الذی لا یسع له المقام.

ص: 170

أنور: جزاکم الله خیر الجزاء.

حسن: إذن بعد ما تقدم لابد من الاستراحة.

أنور: وهو کذلک ... إلی اللقاء.

…الحلقة 52: لماذا صار حبهم واجباً؟

أنور: السلام علیکم.

حسن: وعلیکم السلام ورحمة الله وبرکاته.

أنور: بعد أن تبین فیما ذکرت من أن حب المؤمن نوع من أنواع العبادات والتقرب إلی الله تعالی،  فهل لک أن تبین لی أن مدلول آیة المودة یدل علی أهل البیت علیهم السلام؟

حسن: نعم بکل سرور... یا سیدی الکریم.

قبل أن أستعرض لک ذلک لا بد أن أذکر لک أمراً بمنزلة جواب لسؤال یقول لم تعبّدْنا الله تعالی بحب هؤلاء الأطهار بأعینهم؟

أنور: رائع هذا سؤال مهم.

حسن: إذن نبیّن لکم فنقول:

1 -  أن الله تعالی یعلم فی علمه الأزلی بهذه الوجودات المقدسة، کونها وجودات تختار ما یریده تعالی لها، وکونها تتحلی بقابلیات واستعدادات تؤهلها أن تکون هکذا باختیارها، فأراد لها أن تسمو وترتفع فأیدها بروح

ص: 171

القدس، ولکونها تملک المؤهلات التی تجعلها حجة علی الناس وأسوة لهم أمرنا بطاعة هذه النفوس الجلیلة واتباعهم، والاغتراف من نبعها الصافی.

2 -  إن من_زلة هذه الوجودات المقدسة لا تداینها من_زلة، ولا یقاس بها أحد من الناس، ولکی نقف علی حقیقة ما أقول فإلیک بعض الأحادیث:

3 -  إن لهذه الوجودات وظائف أخری غیر الوظائف الظاهریة التی تعرفها الناس.

منها: أنهم  علیهم السلام هم الشهداء علی الناس لما لهم من سعة فی العلوم وإحاطة بالأفعال والأقوال   والنیّات، فضلاً عمّا ما ورد من الروایات التی تدل علی عرض الأعمال علی الله ورسوله والمؤمنین والتی منها:

بأسناد صحیحة عن أبی جعفر وعن أبی عبدالله علیهما السلام: «نحن الأمة الوسط، ونحن شهداء الله علی خلقه»، وعن الحسکانی فی شواهد التن_زیل، عن سلیم الهلالی عن علی  علیه السلام: نحن الذین قال الله: ((...جَعَلْنَاکُمْ أُمَّةً وَسَطًا...))(1). عن العیاشی عن ابن أبی عمیر الزبیری عن أبی عبدالله  علیه السلام فی هذه الآیة: «أفتری أن من لاتجوز شهادته فی الدنیا علی صاع من تمر، یطلب الله شهادته یوم القیامة، ویقبلها منه بحضرة جمیع الأمم الماضیة، کلا لم یعن الله مثل هذا من خلقه».

منها: إنهم أبواب الله والسبیل إلیه والأدلاّء علیه لأنهم قائمون مقام النبی صلی الله علیه وآله وسلم، فکما أن التعبد والتقرب إلی الله تعالی بدون معرفة النبی ضلالة وتحیّر، کذلک هو بدون معرفة الإمام  علیه السلام، ومما یدل علی قولنا هذا ما ورد:


1- سورة البقرة، الآیة: 143.

ص: 172

فی الکافی بسند صحیح عن أبی جعفر  علیه السلام یقول: «کلّ من دان الله عزوجل بعبادة یجهد فیها نفسه، ولا إمام من الله، فسعیه غیر مقبول، وهو ضالّ متحیّر والله شانئ لأعماله».

وما رواه فیه أیضاً عن أمیر المؤمنین  علیه السلام فی ضمن حدیث: «إن الله تبارک وتعالی لو شاء لعرّف العباد نفسه، ولکن جعلنا أبوابه وصراطه وسبیله، والوجه الذی یؤتی منه، فمن عدل عن ولایتنا، أو فضّل علینا غیرنا، فإنهم عن الصراط لناکبون».

منها: إنهم أمان لأهل الأرض، وهذا یعنی أن الاهتداء لا یتحقق إلا بهم والتمسک بغیرهم نتیجته الهلکة والضلال، وما یؤکد هذا ما جاء عن مسند أحمد بن حنبل عن رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال:«النجوم أمان لأهل السماء، وإذا ذهبت ذهبوا، وأهل بیتی أمان لأهل الأرض، فإذا ذهب أهل بیتی ذهب أهل الأرض».

بعدما وقفت عند مقام الائمة  علیهم السلام ومنزلتهم ودورهم فی الحیاة الدنیا والآخرة، وما لهم من فضل علی الناس، فهل اتضح لک الآن لم تعبدنا الله تعالی بحبهم وطاعتهم؟

أنور: لا یحتاج بعد هذا کله إلی استفسار أو استفهام فهو واضح وضوح الشمس فی رابعة النهار.

حسن: إذن الحمد لله الذی جلا لک الغیوم التی تحجب الحقیقة.

أنور: الشکر لله تعالی اولاً وآخراً.

حسن: فهل لدیک سؤال آخر أو نأخذ شیئاً من الراحة؟

أنور: أحسنت لم تقصر فی عطائک ولنا أن نستریح.

ص: 173

…الحلقة 53: تکملة فی المودة

أنور: السلام علیکم.

حسن: وعلیک السلام ورحمة الله وبرکاته.

أنور: ما دمنا فی حدیث المودّة، هل لک أن ترفدنی بما یقوی القلب ویجعله مفعما بحبهم؟

حسن: نعم سأقتصر علی ذکر الأحادیث الشریفة فقط التی وردت عن طریق شیعة أهل البیت  علیهم السلام وعن غیرهم.

1 - قال محمد بن مسلم: سمعت أبا عبدالله  علیه السلام یقول: «إن الرجل ربّما یحب الرجل، ویبغض ولده، فأبی الله عزَّ وجلّ إلاّ أن یجعل حّبنا مفترضاً، أخذه من أخذه، وترکه من ترکه واجباً، فقال: ((...قُل لا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی..))»(1)، وقال أبو جعفر  علیه السلام فی ذیل الآیة المبارکة: «هی والله فریضة من الله علی العباد لمحمد  صلی الله علیه وآله وسلم فی أهل بیته».

2 - وقال الطبرسی قدس سره: «وصحَّ عن الحسن بن علی علیهما السلام أنه خطب الناس، فقال فی خطبته: أنا من أهل البیت الذین افترض الله مودتهم علی کل


1- سورة الشوری، الآیة: 23.

ص: 174

مسلم، فقال: ((...قُل لا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی...))(1).

3 - وقال العلاّمة  قدس سره فی کتاب کشف الحق: روی الجمهور فی الصحیحین وأحمد بن حنبل فی مسنده، والثعلبی فی تفسیره، عن ابن عباس S قال: «لما نزلت: ((...قُل لا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی...)) قالوا: یا رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم من قرابتک الذین وجبت علینا مودتهم؟ قال: علی وفاطمة وابناها) ووجوب المودة یستلزم وجوب الطاعة».

أنور: أحسنتم کثیراً جزاکم الله خیراً، ولکن أطمع فی أن أسال سؤالاً آخر؟

حسن: نعم... تفضل.

أنور: قد عرفنا أن حبهم واجب، فهل یعنی أنّ بغضهم یخرج المبغض عن الإیمان؟

حسن: سؤال جید... وإلیک الجواب:

1 - إنّ ترک الواجب الذی أمر الله تعالی فی أصول الدین یوجب الکفر باتفاق المسلمین، کما یذکر ذلک.

2 - إن بغض الإمام علی  علیه السلام وبنیه الأئمة المعصومین یوجب النفاق کما فی هذه الروایات: عن أمیر المؤمنین أنه قال لعهد النبی  صلی الله علیه وآله وسلم إلیّ «لا یحبک إلاّ


1- سورة الشوری، الآیة: 23.

ص: 175

مؤمن، ولا یبغضک إلاّ منافق»، وأن ابن أبی الحدید قال فی شرحه(1)، قد اتفقت الأخبار الصحیحة التی لا ریب فیها عند المحدثین، علی أن النبّی قال له: «لا یبغضک إلاّ منافق ولا یحبّک إلاّ مؤمن».

فإذا عرفت ذلک فاعلم أن المنافقین فی الدرک الأسفل من النار، وهذا یدل علی عدم إیمان المنافق.

3 -  إن الإمام علیاً  علیه السلام هو نفس رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم کما فی آیة المباهلة ((وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَکُمْ))(2)، وهو لحم رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم ودمه فمن أبغضه فقد أبغض رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم ومن أبغض رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم فقد أبغض الله تعالی والمبغض لله ولرسوله  صلی الله علیه وآله وسلم لا شک فی کفره ونصبه، بل إن من یحب الناصبی المعادی لله ولرسوله  صلی الله علیه وآله وسلم لیس بمؤمن، کما فی قوله تعالی: ((لا تَجِدُ قَوْمًا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْیَوْمِ الآخِرِ یُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ...))(3).

وهناک الکثیر من الأدلّة تطلب من مظانها فأعرضنا عنها للاختصار ولکفایة الأدلة التی ذکرت أعلاه.

أنور: جزاکم الله خیراً.

حسن: شکراً لکم.


1- ج1، ص364.
2- سورة آل عمران، الآیة: 61.
3- سورة المجادلة، الآیة: 22.

ص: 176

…الحلقة 54: إن الإمامة بالنص أم بالانتخاب؟

أنور: سلام علیکم.

حسن: وعلیکم السلام ورحمة الله وبرکاته.

أنور: ما دمنا فی بحث الإمامة تختلج فی صدری بعض الأسئلة المتعلقة بها.

حسن: لا بأس بذکرها لیتسنی لنا الجواب عنها.

أنور: نسأل ___ أولاً ___ عن الإمامة أهی أمر یتحقق بالنص أم بالانتخاب؟

حسن: سؤال مهم  -  وقدیم الطرح... یا سیدی الکریم -:

أنت تعلم أن النبوة منصب الهی وتعیین النبی بید الله تعالی لا بید شخص أو مجموعة أشخاص، فإذا عرفت هذا فأعلم أن الإمامة کذلک، لأنها الامتداد الطبیعی للنبوة من جمیع الجوانب إلا فی تلقی الوحی، وحیث أن الغرض من النبوة هو نفسه الغرض من الإمامة، فیجب أن تکون الإمامة کوظیفة أو رتبة لا تعطی إلا من قبل الله تعالی، ویجب أن یکون الإنسان الذی یمارس هذه الوظیفة أو یتسنم هذا المنصب معیّنا من الله تعالی حصراً.

أنور: لم أنت مصرٌّ علی أن یکون التعیین حصراً من قبل الله تعالی؟

حسن: لم أقل ذلک جزافاً ولم أصرَّ علیه تشهیا، بل هو حکم عقلی لا محیص منه، وسأفصل لک هذا:

1 - إننا آمنا بأن الإمام یجب أن یکون معصوماً وأفضل أهل زمانه فی کل مجال ومن کل جهة.

ص: 177

2 -  والعصمة أمر خفی لا یعلمها إلا الله تعالی.

3 -  فإذن یجب أن یکون تنصیب الإمام بید الله تعالی لإحاطته بکل شیء، ولعلمه بأن هذا الشخص معصوم أو غیر معصوم.

لابد أن أذکرک بأن العصمة واجبة فی الإمام، لأن مقام الإمامة مقام خطیر وکبیر لا یتحمله إلا المعصوم، ولأن عدم عصمة الإمام ستوقعنا فی إشکالات کثیرة، أحداها أن عنوان الأسوة والقدوة لا یتحقق إلا فی المعصوم، وثانیها أن الامتثال لأمر الإمام الخطّاء یوقعنا فی المعصیة وعدم الامتثال یوقعنا فی عصیان أولی الأمر والحال إننا مأمورون بطاعتهم، فیلزم التناقض وتکلیف مالا یطاق، وهذا لا ینسجم مع العدل الإلهی.

أنور : أحسنت أثلجت صدری بقولک هذا، إذن لا بد من التنصیب الإلهی.

حسن: أزیدک فوق ما تقدم أن الإمام منصوص علیه من قبل النبی الذی لا ینطق عن الهوی.

أنور: لم یتضح کلامک الأخیر أرجو توضیح ذلک.

حسن: أقول: إن النبی  صلی الله علیه وآله وسلم أشفق الناس علی أُمته وعلی سلامة بقائها حیة سائرة علی الحق فیلزم من ذلک أن لا یموت، ویدعها تتخبط فی أمرها بل لابد من تعیین من یحل محله لیقودها إلی الکمال ویکمل ما بدأه النبی.

أنور: اتضح الأمر جلیاً وصار من الخطأ أن نقول إن الإمامة بالاختیار.

حسن: أحسنت فهمتها سریعاً.

ص: 178

أنور: هذا من فضل ربی... ولکن ما الدلیل علی أن الإمامة انحصرت فی علی بن أبی طالب  علیه السلام؟

حسن: نحن نعتقد بأن النبی  صلی الله علیه وآله وسلم نص علی علی بن أبی طالب فی یوم الغدیر، وفی یوم إنذار العشیرة، وعندما ترکه فی المدینة فضلاً عن یوم التصدق بالخاتم.

أنور: هلاّ تذکر الشواهد علی ذلک؟

حسن: نعم نبدأ بأول موطن نص فیه النبی  صلی الله علیه وآله وسلم علی علی  علیه السلام وهو یوم أمر الله تعالی نبیه بقوله: ((وَأَنذِرْ عَشِیرَتَکَ الأَقْرَبِینَ))(1)، فجمع النبی صلی الله علیه وآله وسلم عشیرته وأطعمهم ثم سألهم من سیکون وزیره ووصیه وخلیفته من بعده فأحجم القوم إلا علیاً  علیه السلام فقال  صلی الله علیه وآله وسلم: «هذا أخی ووصیی وخلیفتی من بعدی فاسمعوا له وأطیعوا».

والموطن الثانی عندما ترکه فی المدینة لیخرج فی غزوة تبوک، فسأله علی علیه السلام هل تترکنی مع النساء والصبیان، فرد علیه النبی  صلی الله علیه وآله وسلم: «أما ترضی أن تکون منی بمن_زلة هارون من موسی إلا أنه لا نبیّ بعدی» وأنت تعلم أن من_زلة هارون هی الخلافة لموسی  علیه السلام. والموطن الثالث فی موضع یوم الغدیر فالقصة أشهر من أن تذکر، وقول النبی  صلی الله علیه وآله وسلم لا یمکن أن ینسی وهو یقول: «ألا من کنت مولاه فهذا علی مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وادر الحق معه کیف ما دار».


1- سورة الشعراء، الآیة 214.

ص: 179

والموطن الرابع عندما نزلت آیة  ((إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُواْ الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاَةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَهُمْ رَاکِعُونَ))(1)، ذکر المفسرون أن سبب نزولها هو تصدق علی  علیه السلام بالخاتم علی الفقیر الذی أقر للنبی  صلی الله علیه وآله وسلم بأن المتصدق هو علی  علیه السلام فکبر النبی  صلی الله علیه وآله وسلم لهذه المناسبة.

وهناک المواطن الکثیرة التی تؤکد أن الإمام والخلیفة بعد النبی  صلی الله علیه وآله وسلم هو علی بن أبی طالب فمن أراد التوسع فلیطلبها من محلها.

أنور: هذا المقدار المختصر یکفی لکل ذی لب وبصیرة.

حسن: أحسنتم .... تسمح لنا نستریح؟.

…الحلقة 55: الدلیل علی إمامة أولاده

أنور: ها قد استرحت ولکن أنا لم أسترح.

حسن: لمَ تقول هکذا؟

أنور: لا استریح حتی أحصل علی الإجابات الشافیة لأسئلتی الباقیة.

حسن: إذن تفضل اسأل.

أنور: بعد مراجعة التفاصیل فی کتب المسلمین والاطلاع علی مناقشة ما ذکرتموه تبین لنا أن الذی ذکرتموه فی غایة الصحة والصواب... ولکن بقی سؤال آخر مهم أرید قوله.


1- سورة المائدة، الآیة: 55.

ص: 180

حسن: لنسمع تفضلوا.

أنور: سلمنا أن الإمام والخلیفة بعد النبی  صلی الله علیه وآله وسلم هو علی بن أبی طالب علیه السلام ولکن کیف نسلم بإمامة أولاده من بعده؟

حسن: هذا أیضاً من الأسئلة الضروریة... یا أیها الأنور العزیز. أقول:

1 -  إن الائمة بعد النبی  صلی الله علیه وآله وسلم اثنا عشر کلهم من قریش، وهذا ما ذکره حدیث.

2 - ورد عن النبی  صلی الله علیه وآله وسلم ذکر خصوصیات هؤلاء الأئمة والتی لا تنطبق إلا علیهم کقوله  صلی الله علیه وآله وسلم: «من سره أن یحیا حیاتی ویموت میتتی ویدخل الجنة التی وعدنیها ربّی، ویتمسک بقضیب غرسه ربّی بیده، فلیتول علی بن أبی طالب وأوصیاءه من بعده، فإنهم لا یدخلونکم فی باب ضلال، ولا یخرجونکم من باب هدی، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منکم».

3 -  وقوله  صلی الله علیه وآله وسلم: «أنا رسول الله إلی الناس أجمعین، ولکن سیکون من بعدی أئمة علی الناس من الله من أهل بیتی، یقومون فی الناس فیکذَّبون، ویظلمهم أئمة الکفر والضلال وأشیاعهم».

4 - حدیث الثقلین.

أنور: لا بأس بذکر أسمائهم للأمانة العلمیة.

حسن: سأذکرهم بأسمائهم وولاداتهم ورحیلهم إلا قائمهم عجل الله فرجه الشریف.

ص: 181

1 - أبو الحسن علی بن أبی طالب (المرتضی) المتولد سنة 23 قبل الهجرة والمقتول سنة 40 بعدها.

2 - أبو محمد الحسن بن علی (الزکی)

(2 - 50)

3 - أبو عبدالله الحسین بن علی (سید الشهداء)

( 3 - 61)

4 - أبو محمد علی بن الحسین (زین العابدین)

( 38 - 95)

5 - أبو جعفر محمد بن علی (الباقر)

( 57 - 114)

6 - أبو عبدالله جعفر بن محمد (الصادق)

( 83 - 148)

7 - أبو إبراهیم موسی بن جعفر (الکاظم)

( 128 - 182)

8 - أبو الحسن علی بن موسی (الرضا)

( 148 - 203)

9 - أبو جعفر محمد بن علی (الجواد)

( 195 - 220)

10 - أبو الحسن علی بن محمد (الهادی)

( 212 - 254)

11 - أبو محمد الحسن بن علی (العسکری)

( 232 - 260)

12 - أبو القاسم بن الحسن (المهدی)

( 256 - ...)

وهو الحجة فی عصرنا الغائب المنتظر عجل الله تعالی فرجه وسهل مخرجه، لیملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً. 

أنور: إلی هنا نشکرکم کثیراً لم یبق لدینا إلاّ الخوض فی أمر الإمام الثانی عشر المهدی عجل الله فرجه الشریف.

حسن: سنخوض فی أمره إن شاء الله تعالی. 

ص: 182  

…الحلقة 56: هل یجب الإیمان بوجود الإمام المهدی عجل الله فرجه الشریف ؟

أنور: سلام علیکم.

حسن: علیکم السلام أخی الکریم.

أنور: اتفقنا ان نناقش أمر الإمام الثانی عشر وسأبدأ بطرح الأسئلة التالیة:

السؤال الأول: هل إن الإیمان بوجوده أمر ضروری؟

حسن: نعم أمر واجب وضروری وعدم الإیمان به یعنی عدم الإیمان بالإمامة والائمة، وما صار هذا الأمر واجباً إلاّ لاعتقادنا بعدم خلو کل عصر وزمان عن وجود الإمام المعصوم، فلذلک نعتقد بوجوده وحیاته فی کل زمان وفی هذا الزمان.

أنور: هل لکم ان توضحوا الأمر أکثر؟

حسن: نعم اعنی لو لم یکن فی الأرض إمام للزم نقض الغرض الذی جاء من أجله النبی  صلی الله علیه وآله وسلم وهو إیصال الناس إلی المطلوب، ولخلت الأرض من حجة لله تعالی فلا یمکن الاحتجاج علی الناس، ولساخت الأرض بأهلها، سیما بعد أن عرفنا الأدوار والوظائف الباطنیة التی یؤدیها الائمة  علیهم السلام.

أنور: أوضح أرجوک؟

حسن: أقول بما أن الإمام شاهد علی الناس یوم القیامة فلابد من وجوده لیشهد، وبما أن الإمام أمان لأهل الأرض فلابد أن یکون موجوداً، وبما أن الإمام وسیلة یتقرب بها إلی الله تعالی من خلال توجیهه وإرشاده وأوامره وطاعته فلابد من وجوده ....وهکذا.

ص: 183

أنور: أحسنتم.

حسن: ثم أضیف إلی قولی إن وجود الإمام وحیاته أمر مسلّم به عند أکثر المسلمین لما جاء عن طریق الرسول الکریم  صلی الله علیه وآله وسلم والعترة الطاهرة  علیهم السلام کقوله صلی الله علیه وآله وسلم: «من مات ولم یعرف إمام زمانه مات میتة الجاهلیة» وروی عن أم سلمة قالت: قال رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم: لمّا اسری بی إلی السماء، نظرت فإذا مکتوب علی العرش لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، أیدته بعلی، ونصرته بعلی، ورأیت أنوار علی وفاطمة والحسن والحسین، وأنوار علی بن الحسین ومحمد بن علی، وجعفر بن محمد وموسی بن جعفر وعلی ابن موسی ومحمد بن علی، وعلی بن محمد، والحسن بن علی، ورأیت نور الحجة یتلألأ من بینهم کأنه کوکب درّی، فقلت یارب من هذا؟ فنودیت یا محمد هذا نور علی وفاطمة، وهذا نور سبطیک الحسن والحسین، وهذه أنوار الأئمة بعدک من ولد الحسین مطهرون معصومون، وهذا الحجّة الذی یملأ الأرض (الدنیا نخ) قسطاً وعدلاً.

وهناک روایات کثیرة تدل علی وجوده وحیاته بین ظهرانینا.

أنور: بعد أن أجبتنا عن السؤال الأول والیک السؤال الثانی: هل أن الإمام المهدی من ولد الإمام الحسن العسکری  علیه السلام أو انه سیولد فیما بعد؟

حسن: بالنسبة لذیل السؤال من أنه سیولد فیما بعد لم یقل به أحد وما تقدم من ضرورة وجوده وحیاته تؤکد ولادته فی سنة 256 ه_ ووجوده فی الوقت الحاضر ولا یزال حیا، واما الجواب عن صدر السؤال هل إن الإمام المهدی من ولد الإمام الحسن العسکری  علیه السلام فیکون کالآتی:

ص: 184

1 -  إن الروایات الدالة علی خصوص شخصه وانه الثانی عشر من الأئمة، والتاسع من ولد الإمام الحسین  علیه السلام وعدم خلو الأرض من حجة وغیرها فیها دلالة علی انه من ولد الإمام الحسن العسکری  علیه السلام.

2 -  تواتر ولادته واحتجابه عندنا فضلاً عن أن الإمامه لا تنقطع أو تحوّل إلی عصر آخر هذا دلیل آخر علی انه من ولد الإمام العسکری  علیه السلام ولیس من غیره.

3 -  وقوع الغیبة الصغری وقیام السفراء مقامه لمدة سبعین عاماً لا یمکن أن یکون أمراً مکذوباً لاعتبارات کثیرة لا یسع المقام لذکرها.

4 - إخبار الإمام العسکری المعصوم عن ولادته لأصحابه وإراءته لهم دلیل علی ولادته ووجوده.

5 - رؤیة الکثیر من العلماء والصالحین له فی غیبته الکبری دلیل آخر علی وجوده وولادته.

وغیر ذلک من الأدلة التی تشیر إلی هذه الحقیقة.

أنور: إذا کان الإمام موجوداً فأین هو ولمَ لم یظهر فی العلن لیباشر مسؤولیاته؟

حسن: الإمام  عجل الله فرجه الشریف غائب، وهو موجود فی بقعة من الأرض تقتضیها المصلحة الکبری للإسلام ولکن هل أفهم من سؤالک بعد ما قدمت من الأدلة أنک تشکک فی وجوده؟

 أنور: کلا ولکن هذا سؤال ینقدح فی ذهن الکثیرین أمثالی أحببت أن أعرف جوابه.

ص: 185

حسن: یا سیدی قبل أن أبین لک لمَ لمْ یظهر الإمام فی العلن دعنی أوضح لک أمر الغیبة... ما تقول؟

أنور: ممتاز أسمع ذلک بشوق.

حسن: غاب الإمام غیبتین، إحداهما صغری والأخری کبری، ووقعت الغیبة الصغری من سنة 260ه_ إلی سنة 329ه_ أی ما تقارب السبعین سنة، ووقعت الغیبة الکبری من سنة 329ه_ وتدوم إلی یوم الظهور الموعود، ثم أن هذه الغیبة جاءت فی لسان الروایات التی وردت عن النبی  صلی الله علیه وآله وسلم وعترته الطاهرة  علیهم السلام.

قال رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم: «المهدی من ولدی یکون له غیبة وحیرة تضل فیهما الامم، یأتی بذخیرة الأنبیاء فیملأها عدلاً وقسطاً کما ملئت جوراً وظلماً».

وقال رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم: «طوبی لمن أدرک قائم أهل بیتی وهو یأتمّ به فی غیبته قبل قیامه، ویتولّی أولیاءه، ویعادی أعداءه ذاک من رفقائی وذوی مودّتی، وأکرم امتی یوم القیامة».

وقال أمیر المؤمنین  علیه السلام : «للقائم منّا غیبة أمدها طویل، کأنی بالشیعة یجولون جولان النعم فی غیبته، یطلبون المرعی فلا یجدونه، ألا فمن ثبت منهم علی دینه لم یقس قلبه لطول أمد غیبة إمامه فهو معی فی درجتی یوم القیامة».

وقال الإمام الحسن  علیه السلام : «إذا خرج ذاک التاسع من ولد أخی الحسین ابن سیدة الإماء، یطیل الله عمره فی غیبته، ثم یظهره بقدرته فی صورة شباب ابن دون أربعین سنة، ذلک لیعلم أن الله علی کل شیء قدیر».

ص: 186

 وقال الإمام الحسین  علیه السلام : «قائم هذه الامة هو التاسع من ولدی، وهو صاحب الغیبة وهو الذی یقسّم میراثه وهو حی».

وهناک روایة أخری تؤکد الغیبتین معاً عن المفضل عن الصادق  علیه السلام أنه قال: «إن لصاحب هذا الأمر لغیبتین، إحداهما أطول من الأخری».

أنور: لا بأس أن تذکر لی روایات عن العتره الطاهرة  علیهم السلام لکی ترتفع الشکوک سیما ونحن نعیش فی عصر أکثر فیه اللفظ والتشکیک والادعاءات فی قضیة الإمام  علیه السلام؟

حسن: أحسنت الطلب، سأذکر لک أموراً مهمة جاءت فی لسان هذه الروایات لیتضح الأمر فأقول:

فی الروایة تأکید علی أن الإمام المهدی هو من ولد الإمام الحسن العسکری ویتصل بجده الإمام الحسین  علیه السلام ویعد التاسع من ولده، کما أن فی هذه الروایة إشارة إلی طول عمره وغیبته وظهوره، فلذا نسمع الإمام السبط المجتبی  علیه السلام یذکر ذلک بقوله: «إذا خرج ذاک التاسع من ولد أخی الحسین ابن سیدة الإماء، یطیل الله عمره فی غیبته، ثم یظهره بقدرته فی صورة شباب ابن دون أربعین سنة، ذلک لیعلم أن الله علی کل شیء قدیر».

أنور: بعد ذکر هذه الروایات الرائعة أری من المناسب أن نستریح هذا الیوم لنلتقی غداً إن شاء الله تعالی.

حسن: جزاکم الله خیراً سنلتقی إن شاء الله تعالی.

ص: 187

…الحلقة 57: تفاصیل الغیبتین

أنور: سلام علیکم.

حسن: وعلیکم السلام ورحمة الله وبرکاته.

أنور: تکلمتم عن الغیبة الصغری والکبری دون ذکر بعض التفاصیل فهل لک أن تزیدنی فی ذلک؟

حسن: نحن اتفقنا علی أن نتکلم باختصار ونترک التفاصیل إلی محلها ولکن لا بأس أن نذکر ما هو ضروری، فنبدأ من صلاة الإمام الحجة  عجل الله فرجه الشریف علی أبیه لما فی هذه الصلاة من إشارات صریحة تؤکد أن الإمام  عجل الله فرجه الشریف مولود حی یرزق، وقد قام بأول وظیفة من وظائفه وهی الصلاة علی الإمام الذی سبقه، لیؤکد انه خلیفته الذی یجب ان یطاع، وتصدی الإمام المهدی  عجل الله فرجه الشریف لعمه جعفر بن علی لانحرافه وادعائه ما لیس له، واخذ یوجه الموالین إلیه ویربطهم بنفسه الشریفة عجل الله فرجه الشریف وبعد أن تأکد الموالون أن الإمام الحق هو المهدی لا غیر بدأت غیبة الإمام الصغری اثر مطاردة النظام الحاکم له سنة 260ه_ فغاب الإمام  عجل الله فرجه الشریف غیبة یتصل فیها مع سفرائه الذین نصبهم وکلاء عنه، وبموت السفیر الرابع بدأت غیبة الإمام الکبری... هناک تفاصیل أوسع لا حاجة لذکرها لما فی هذا المختصر بیان یتحمله المقام.

أنور: الآن بعد أن عرفنا أن الإمام  عجل الله فرجه الشریف بدأ غیبته الکبری اسمح لی إنّ أسأل عن سبب الغیبة؟

ص: 188

حسن: بینت لکم أن الإمام المهدی  عجل الله فرجه الشریف تعرض للمطاردة، لکی یقتل وهذا من أهم الأسباب وهناک أسباب أخری نذکرها بإیجاز:

1 - غاب الإمام  علیه السلام لخوفه القتل کما ورد فی الروایة عن أبی عبدالله علیه السلام انه قال: قال رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم: «لابد للغلام من غیبة فقیل له: ولمَ یا رسول الله؟ قال یخاف القتل».

2 - لئلا یکون فی عنقه بیعة لأحد کما ورد عن أبی عبدالله  علیه السلام انه قال: «صاحب هذا الأمر تعمی ولادته علی الخلق لئلا یکون لأحد فی عنقه بیعة إذا خرج».

أنور: قلت إنه یخاف وهل یخاف المعصوم؟

حسن: لا أقصد بقولی یخاف أی جبن أو جزع من الموت، فهذا مما لا یتصور فی حق الإنسان الکامل لأنه من الرذائل، ولکن المقصود من ذلک أن فی قتله مفسدة عظیمة وتفویت مصلحة الأمة، فهو لا یرید أن تقع هذه المفسدة وتفوت المصلحة التی وجد من أجلها الوجود.

أنور: أحسنتم علی هذا التوضیح... هل لی أن أسال؟

حسن: نعم لکم ما تشاؤون.

أنور: بعد أن عرفت سبب غیبته فما الفائدة منه  علیه السلام؟

حسن: الفوائد کثیرة ویستفاد منه کما یستفاد من الشمس التی حجبتها الغیوم، وهذا ما صرح به الإمام الصادق  علیه السلام بقوله : «لم تخل الارض منذ خلق الله آدم من حجة لله فیها ظاهر مشهور أو غائب مستور، ولا تخلو

ص: 189

إلی أن تقوم الساعة من حجة لله فیها، ولولا ذلک لم یعبد الله، قال سلیمان: فقلت للصادق  علیه السلام فکیف ینتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ فقال: کما ینتفعون بالشمس إذا سترها السحاب».

وقبل ذلک لابد أن نذکر فائدة الغیبة وهی:

1 - أن غیبته  علیه السلام لامتحان الخلق وتمحیصهم، کما ورد عن الإمام موسی بن جعفر  علیه السلام : «إذا فقد الخامس من ولد السابع من الأئمة فالله فی أدیانکم، لا یزیلنکم عنها أحد، یا بنی إنه لابد لصاحب هذا الأمر من غیبة، حتی یرجع عن هذا الأمر من کان یقول به، إنما هی محنة من الله امتحن الله بها خلقه».

وأمّا ذکر فوائد الإمام  علیه السلام الغائب فکالآتی:

2 - ان وجود الإمام لطف بذاته، لأنه الخلیفة الذی جعله الله تعالی فی الأرض: ((... إِنِّی جَاعِلٌ فِی الأَرْضِ خَلِیفَةً ...))(1).

3 - هو أحد العلل الغائبة للخلق کما ورد «نحن الذین بنا یمسک الله السماء أن تقع علی الارض إلا بإذنه، وبنا یمسک الأرض أن تمید بأهلها، وبنا ین_زل الغیث وینشر الرحمة ویخرج برکات الأرض، ولولا ما فی الأرض منّا لساخت بأهلها».

4 - وورد منه  علیه السلام علی ید محمد بن عثمان أحد سفرائه الأربعة: «...وإنی أمان لأهل الأرض کما أن النجوم أمان لأهل السماء».


1- سور البقرة، الآیة: 30.

ص: 190

5 - تولیه للإرشاد الظاهری والباطنی للناس.

6 - کونه وسیلة من الوسائل التی تتحقق بها الحاجات من خلال دعائه وشفاعته للمؤمنین.

7 - حافظ ودافع عن المؤمنین بدلیل قوله  علیه السلام إلی الشیخ المفید: «إنا غیر مهملین لمراعاتکم، ولا ناسین لذکرکم، ولولا ذلک لن_زل بکم اللأواء وحطمکم الأعداء».

وغیر ذلک من فوائد، وأحب أن أذکرک ان أداء هذه الفوائد لا یقتضی ظهوره کغیره ممن یؤدی فائدة وهو بمنزلة الجندی المجهول، وما جاء عن الخضر علیه السلام فی القرآن الکریم ما یؤکد هذا المعنی، حیث انه قام بثلاث فوائد دون ان یعلم به من انتفع منها.

أنور: صحیح ما قلته عن الخضر فإنه نفع الأبوین بقتل الطفل ونفع أصحاب السفینة دون علمهم، بنی الجدار للیتیمین.

حسن: أحسنتم التفسیر.

أنور: إذن بقی أن أسألکم عن حضور الإمام  علیه السلام فیما تقتضیه المصلحة؟

حسن: جاء فی الاخبار انه یحضر فی مواسم الحج، وعند قبور أجداده سیما قبر جده الإمام الحسین  علیه السلام، ویغیث من یستغیث به، ویتصل بالصالحین والعلماء حسب ما تقتضیه المصلحة، وهذا ما أکده زرارة قال سمعت أبا عبدالله علیه السلام یقول: «یفقد الناس إمامهم فیشهد الموسم فیراهم ولا یرونه»، وأخرج الشیخ الطوسی فی (الغیبة) عن السفیر الثانی الشیخ محمد بن عثمان العمری انه

ص: 191

قال: «والله إن صاحب الأمر لیحضر الموسم کل سنة یری الناس ویعرفهم، ویرونه ولا یعرفونه»، وغیر ذلک مما یؤکد حضوره وتواصله مع المؤمنین.

أنور: أحسنتم کثیراً... هل لی ان استمر فی اسئلتی؟

حسن: نعم لا بأس تفضلوا.

أنور: هناک سؤال اعرف جوابه ولکن لا بأس بطرحه وهو کیف یستطیع الإمام  علیه السلام ان یعیش کل هذا العمر الطویل؟

حسن: ما هو الجواب الذی تعرفه؟

أنور: أولاً -  طالما ان هناک شیئاً اسمه معجزة فلا مانع ان یطول عمر الإمام  علیه السلام بالمعجزة للمصلحة الکبری، وهذا ما اخبر عنه الإمام زین العابدین  علیه السلام بقوله: «فی القائم سُنَّة من نوح، وهی طول العمر».

ثانیاً -  ان طول العمر لم یکن مختصاً بالإمام  علیه السلام بل سبقه غیره فی ذلک کما فی أعمار الأنبیاء  علیهم السلام کنوح أو شعیب، وکما فی استمرار حیاة الخضر  علیه السلام وغیر ذلک.    

ثالثاً -  اثبت العلم إمکان حیاة الإنسان بعمر طویل إذا لم یعترضه عارض. هذا مقدار ما اعرفه.

حسن: أحسنتم هذا یکفی للاعتقاد بالأمر... ولا نضیف شیئاً لا حاجة لنا فیه.

أنور: أراک قد أصبت بالإعیاء.

حسن: تقدیرکم فی محله ....نلتقی غداً إن شاء الله.  

ص: 192

…الحلقة 58: دورنا فی الغیبة

أنور: سلام علیکم.

حسن: وعلیکم السلام ورحمة الله وبرکاته.

أنور: نعود إلی الأسئلة المتعلقة بالإمام المهدی  علیه السلام فاسأل عن دورنا فی غیبة الإمام  علیه السلام؟

حسن: دورنا الأول هو انتظار الفرج، وهذا ما اکدت علیه الروایات الآتیة:

1 - عن ینابیع المودة عن مناقب الخوارزمی عن أبی جعفر عن أبیه عن جده عن أمیر المؤمنین قال: قال رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم: «أفضل العبادة انتظار الفرج».

2 - وعن الاحتجاج، عن أبی حمزة الثمالی، عن أبی خالد الکابلی عن علی بن الحسین علیهما السلام قال: «تمتد الغیبة بولی الله الثانی عشر من أوصیاء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم والأئمة بعده، یا أبا خالد، إن أهل زمان غیبته القائلین بإمامته، المنتظرین لظهوره أفضل أهل کلّ زمان؛ لأن الله تعالی ذکره أعطاهم من العقول والإفهام والمعرفة ما صارت به الغیبة عندهم بمن_زلة المشاهدة، وجعلهم فی ذلک الزمان بمن_زلة المجاهدین بین یدی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بالسیف، أولئک المخلصون حقاً، وشیعتنا صدقاً والدعاة إلی دین الله سراً وجهراً، وقال  علیه السلام انتظار الفرج من أعظم الفرج».

3 - وعن الخصال الأربعمائة قال أمیر المؤمنین  علیه السلام: «انتظروا الفرج ولا تیأسوا من روح الله، فإن أحب الأعمال إلی الله عز وجلّ انتظار الفرج».

ص: 193

4 - وعن محاسن البرقی عن أبی عبدالله  علیه السلام قال: «من مات منکم علی هذا الأمر منتظراً له، کان کمن کان فی فسطاط القائم  علیه السلام».

أنور: هذه الروایات مما یشرح القلب ویظهر منها مقدار الثواب الکبیر للمنتظرین.

حسن: وهناک روایات توضح ان العبادة والعمل مع الخوف من دولة الباطل أفضل مما فی دولة الحق لما فیها من الأمن، وعن إکمال الدین عن عمار الساباطی قال: «قلت لأبی عبدالله  علیه السلام العبادة مع الإمام منکم المستتر فی السّر فی دولة الباطل أفضل، أم العبادة فی ظهور الحق ودولته مع الإمام الظاهر منکم؟.

فقال: یا عمار، الصدقة فی السّر والله أفضل من الصدقة فی العلانیة، وکذلک عبادتکم فی السّر، مع إمامکم المستتر فی دولة الباطل أفضل لخوفکم من عدوکم فی دولة الباطل وحال الهدنة، ممن یعبد الله فی ظهور الحق مثل العبادة مع الأمن فی دولة الحق اعلموا أن من صلی منکم صلاة فریضة وحداناً مستتراً بها من عدوّه قی وقتها فأتمها، کتب الله عز وجلّ له بها خمساً وعشرین صلاة فریضة وحدانیة، ومن صلی منکم صلاة نافلة فی وقتها فأتمها کتب الله عز وجلّ له عشر صلوات نوافل، ومن عمل منکم حسنة کتب الله له بها عشرین حسنة، ویضاعف الله تعالی حسنات المؤمن منکم إذا أحسن أعماله، ودان الله بالتقیة علی دینه، وعلی إمامه وعلی نفسه، وأمسک من لسانه، أضعافاً مضاعفة کثیرة إن الله عز وجلّ کریم.

ص: 194

قال: فقلت: جعلت فداک قد رغّبتنی فی العمل، وحثثتنی علیه، ولکنّنی أحب أن أعلم: کیف صرنا نحن الیوم أفضل أعمالاً من أصحاب الإمام منکم الظاهر فی دولة الحق، ونحن وهم علی دین واحد، وهو دین الله عز وجلّ؟.

فقال: إنکم سبقتموهم إلی الدخول فی دین الله، وإلی الصلاة والصوم والحج وإلی کل فقه وخیر، وإلی عبادة الله سراً من عدوّکم مع الإمام المستتر، مطیعون له، صابرون معه، منتظرون لدولة الحق، خائفون علی إمامکم وعلی انفسکم من الملوک تنظرون إلی حقّ إمامکم وحقّکم فی أیدی الظلمة، قد منعوکم ذلک، واضطروکم إلی جذب الدنیا وطلب المعاش مع الصبر علی دینکم وعبادتکم وطاعة ربّکم والخوف من عدوکم، فبذلک ضاعف الله أعمالکم فهنیئاً لکم هنیئاً.

قال: فقلت: جعلت فداک فما نتمنی إذاً أن نکون من أصحاب القائم  علیه السلام فی ظهور الحق؟ ونحن الیوم فی إمامتک وطاعتک أفضل أعمالاً من أعمال دولة الحق.

فقال: سبحان الله أما تحبون أن یظهر الله عز وجلّ الحق والعدل فی البلاد، ویحسن حال عامة الناس، ویجمع الله الکلمة ویؤلف بین القلوب المختلفة، ولا یعصی الله فی أرضه، وتقام حدود الله فی خلقه، ویردّ الحق إلی أهله، فیظهروه حتی لا یستخفی بشیء من الحقّ مخافة أحد من الخلق. أما والله یا عمار لا یموت منکم میّت علی التی أنتم علیها إلا کان أفضل عند الله عز وجلّ من کثیر ممن شهد بدراً واحداً فابشروا.

ص: 195

أنور: أیعنی إننا لا نتمنی الخروج لکی لا نخسر ثواب العبادة فی فترة الغیبة؟

حسن: کلا ألا تری قول الإمام  علیه السلام وجوابه لمن سأله ذلک فقال: سبحان الله أما تحبون أن یظهر الله عز وجل الحق والعدل فی البلاد... الخ).

أنور: هی واضحة تمام الوضوح.

حسن: وهناک آیات تؤید الانتظار والترقب لظهور الإمام  عجل الله فرجه الشریف کما فی هذه الروایات الآتیة:

1 - وعن إکمال الدین عن محمد بن الفضیل عن الرضا  علیه السلام قال: «سألته عن شیء من الفرج، فقال: ألیس انتظار الفرج من الفرج؟ إن الله عز وجلّ یقول: ((...فَانتَظِرُواْ إِنِّی مَعَکُم مِنَ الْمُنتَظِرِینَ))(1).

2 - وعن کمال الدین عن الرضا  علیه السلام: «ما أحسن الصبر وانتظار الفرج أما سمعت قول الله تعالی: ((... وَارْتَقِبُواْ إِنِّی مَعَکُمْ رَقِیبٌ))(2)، وقوله عز وجلّ: ((...فَانتَظِرُواْ إِنِّی مَعَکُم مِّنَ الْمُنتَظِرِینَ))(3)، فعلیکم بالصبر فإنه إنما یجیء الفرج علی الایأس فقد کان الذین من قبلکم أصبر منکم».

کما أن هناک روایة تشیر إلی أجر المنتظرین، کما فی کتاب الغیبة للشیخ الطوسی  قدس سره عن أبی عبدالله  علیه السلام  قال: قال رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم: «سیأتی قوم


1- سورة الأعراف، الآیة: 71.
2- سورة هود، الآیة: 93.
3- سورة الأعراف، الآیة: 71.

ص: 196

من بعدکم الرجل الواحد منهم له أجر خمسین منکم، قالوا: یا رسول الله نحن کنّا معک ببدر وأحد وحنین، ونزل فینا القرآن، فقال إنکم لو تحمّلوا لما حُمّلوا لم تصبروا صبرهم».

أنور: هل یعنی قولکم ان مجرد الانتظار یکفی فی العلاقة مع الله تعالی؟

حسن: قطعاً لا ....لابد من العمل والورع والتقوی وهذا ما ورد فی غیبة النعمانی عن أبی بصیر عن أبی عبدالله  علیه السلام اذ یقول: «من سرّه أن یکون من أصحاب القائم فلینتظر ولیعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده کان له من الاجر مثل أجر من أدرکه فجدّوا وانتظروا هنیئاً لکم ایتها العصابة».

أنور: بعد هذا الانتظار وهذا الجد والجهد هل سیتم الظهور؟

حسن: لا أظنک تسأل عن ذلک لعدم المعرفة، بل کأنّک ترید ما یؤید معرفتک من روایة أو غیرها؟

أنور: قل هکذا.

حسن: نعم سیدی سیکون الظهور، وسیقع فی الیوم الموعود إن شاء الله تعالی، وهذا ما تسالم علیه المسلمون وإلیک بعض الروایات عن المدرستین معاً:

1 - عن عبید بن أسباط بن محمد القرشی الکوفی، قال: حدثنی أبی، حدثنا سفیان الثوری عن عاصم بن بهدلة، عن زرَّ، عن عبدالله، قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: «لاتذهب الدنیا حتی یملک العرب رجل من أهل بیتی

ص: 197

یوطیء اسمه اسمی».

2 - عن عبدالجبار بن العلاء بن عبد الجبار العطار، حدثنا سفیان بن عیینة عن عاصم عن زرَّ عن عبدالله عن النبی  صلی الله علیه وآله وسلم قال: «یلی رجل من أهل بیتی یواطیء اسمه اسمی»، قال عاصم: وانا ابو صالح، عن أبی هریرة قال: «لو لم یبق من الدنیا إلاّ یوم لطول الله ذلک الیوم حتی یلی». قال ابو عیسی: «هذا حدیث حسن صحیح».

3 - عن إکمال الدین عن عمار الساباطی قال: «قلت لأبی عبدالله  علیه السلام العبادة مع الإمام منکم المستتر فی دولة الباطل أفضل، أم العبادة فی ظهور الحق ودولته مع الإمام الظاهر منکم؟ فقال: یا عمار، الصدقة فی السرّ والله أفضل من الصدقة فی العلانیة، وکذلک فی عبادتکم فی السرّ، مع إمامکم المستتر فی دولة الباطل أفضل لخوفکم من عدوّکم فی دولة الباطل وحال الهدنة.»

4 - عن إکمال الدین عن علی بن محمد بن زیاد قال: کتبت إلی أبی الحسن  علیه السلام أسأله عن الفرج، فکتب إلیّ: «إذا غاب صاحبکم عن دار الظالمین فتوقعوا الفرج».

أنور: أحسنتم کثیراً عندی سؤال مهم جداً جداً جداً.

حسن: ما هو هذا السؤال المهم جداً جداً جداً؟

أنور: هناک الکثیر ممن یدعی أنه من المنتظرین للظهور بل یدعی انه من المستعدین لنصرة الإمام  عجل الله فرجه الشریف ویدعو الله تعالی أن یجعله من شیعته والمستشهدین بین یدی الإمام وهو لا یتصف بأخلاق شیعة الإمام  عجل الله فرجه الشریف فهل یصح ذلک؟

ص: 198

حسن: أحسنتم فعلاً هذا من الأسئلة المهمة... إلیک یا أخی هذا التفصیل الذی سیریح قلبک:

 أ - ینبغی بالمؤمن ان یتصف بصفات أهل الایمان قولاً وفعلاً، کما ورد ذلک فی کثیر من الروایات، والتی منها:

1 -  قال رجل للحسین بن علی علیهما السلام: یا ابن رسول الله أنا من شیعتکم، قال: اتق الله ولا تدعین شیئا یقول الله لک کذبت وفجرت فی دعواک، إن شیعتنا من سلمت قلوبهم من کل غش وغل ودغل، ولکن قل أنا من موالیکم ومحبیکم.

2 - عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: إنما شیعة جعفر من عف بطنه وفرجه، واشتد جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأیت أولئک فأولئک شیعة جعفر.

3 - عن عبد الله بن الولید، قال: قال لنا أبو جعفر محمد بن علی: «یدخل أحدکم یده فی کم صاحبه ویأخذ ما یرید؟ قلنا: لا. قال: فلستم بإخوان کما تزعمون».

ب - إذا صار الإنسان مؤمناً متصفاً بصفات أهل الإیمان فعلیه ان یتصف بصفات المنتظرین  لظهور الإمام  عجل الله فرجه الشریف والناصرین له، والتی ذکرتها الروایات السابقة، ولا بأس ان نذکر هذه الصفات:

1 - أن یکون موالیاً للأئمة ومتبرئاً من أعدائهم.

2 - أن یکون من أهل الورع والاجتهاد فی العمل الصالح ویصلح نفسه قبل غیره.

ص: 99

3 - أن یکون مطمئناً أنّ أعماله تعرض علی رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم والأئمة علیهم السلام، فلا یفعل إلا ما یسرهم ویرضیهم.

4 - أن یکون محارباً لنفسه ومجاهداً لشهواته وصابراً فی مرضاة الله تعالی.

5 - أن یکون ممتثلاً لأوامر الله ورسوله  صلی الله علیه وآله وسلم والأئمة  علیهم السلام سیما إمام الزمان الذی یأمرنا بطاعة وکلائه والسیر علی نهجهم.

6 - أن یکون متأسیاً برسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم، ومتخلقاً بأخلاق الله تعالی «تخلقوا بأخلاق الله»، ((لَقَدْ کَانَ لَکُمْ فِی رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ))(1).

7 - أن یتصف بکل صفات النصیر للإمام  علیه السلام حتی یتسنی له الادعاء انه من أنصار الإمام  علیه السلام.

وهناک الکثیر من الکلام یجتمع فی هذه العبارة التی وردت فی قول الإمام الباقر علیه السلام: «شیعتنا من اطاع الله واتقی» وبخلاف هذا فلا یحق لأحد أن یقول کلاماً یمقته الله تعالی کما فی قوله تعالی: ((کَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ))(2)، أو فی قوله تعالی: ((أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَکُمْ...))(3).

أنور: أحسنت هذا کلام صریح ومریح جزاک الله خیراً.

حسن: أحسن الله إلیک سنلتقی غداً إن شاء الله تعالی.


1- سورة الأحزاب، الآیة: 21.
2- سورة الصف، الآیة: 3.
3- سورة البقرة، الآیة: 44.

ص: 200

…الحلقة 59: کلام فی من یدّعی السفارة عنه  عجل الله فرجه الشریف

أنور: سلام علیکم.

حسن: وعلیکم السلام ورحمة الله وبرکاته.

أنور: بعد حدیثکم أمس فکرت کثیراً فی مؤهلاتی، وسألت هل أنا مؤهلاً لأکون من المنتظرین؟ أو من الأنصار للإمام  علیه السلام؟ وخرجت بنتیجة مهمة، وهی لابد من تزکیة النفس عن قذارة الدنیا، ولابد من الکدح والعمل للوصول إلی القرب الإلهی، ولابد من الورع والابتعاد عن الشبهات، ولابد من التخلق بالأخلاق العلیا فی القول والفعل، ولابد من جعل الظاهر والباطن واحداً إلا فی تقیة، ولابد من الامتثال الکامل لأوامر الإمام  عجل الله فرجه الشریف، ولابد لابد لابد...

حسن: هذه خطوة جبارة لأقصد محاسبة النفس، وحثها علی العمل والصلاح والحرص علی تحصیل المؤهلات، وإلا بخلاف هذا سیکون الکلام مجرد ادعاء ویبقی المرء بعیداً عن الإمام  عجل الله فرجه الشریف، مهما أعطی لنفسه من عناوین ومناصب.

أنور: عبارَتک الأخیرة جمیلة... سیبقی المرء بعیداً عن الإمام  علیه السلام مهما أعطی لنفسه من عناوین ومناصب.

حسن: نعم وهذا ما یؤیده العقل والآیات والروایات الکثیرة.

ص: 201

أنور: أحسنت... لدی أسئلة أخری.

حسن: تفضل اسأل فانک صاحب الفضل فی ذلک.

أنور: الفضل لله ولرسوله وللأئمة والیک... أریدک ان تکلمنی باختصار ولکن بنفس العمق العلمی أو اکثر قلیلاً.

حسن: لا ادعی أننی من أهل العلم انما هی ثقافة إسلامیة.

أنور: شکراً لک علی کل حال فسؤالی هو أن تکلمنی عن السفارة والسفراء والمدّعین زوراً انهم علی علاقة بالإمام  علیه السلام؟

حسن: أحسنت السؤال... وإلیک الجواب.

بعد الغیبة الصغری التی حدثت سنة 260ه_ نصب الإمام  علیه السلام أربعة من السفراء الثقات الذین نالوا رضا الله ورسوله والأئمة سیما الإمام الحجة عجل الله فرجه الشریف، وقد مارس هؤلاء السفراء دورهم تحت رعایة الإمام ونظره الشریف فأنقل لک ما نقله الشیخ الطوسی قدس سره: «فأمّا السفراء الممدوحون فی زمان الغیبة، فأولهم من نصّبه أبوالحسن علی بن محمد العسکری، وأبو محمد الحسن بن علی بن محمد ابنه -  علیه السلام - وهو الشیخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعید العمری، وکان أسدیاً الی أن نقل فی حقّه عن الإمام علی ابن محمد الهادی -  علیه السلام - أنّه قال: هذا أبوعمرو الثقة الأمین ما قاله لکم فعنّی یقوله، وما أدّاه إلیکم فعنّی یؤدیه، وإلی أن نقل فی حقّه وابنه عن أبی محمد الحسن -  علیه السلام - واشهدوا علی أنّ عثمان بن سعید العمری وکیلی، وأنّ ابنه محمداً وکیل ابنی مهدیکم -  إلی أن قال -: وکانت

ص: 202

توقیعات صاحب الأمر -  علیه السلام - تخرج علی یدیّ عثمان بن سعید وابنه أبی جعفر محمد بن عثمان الی شیعته وخواصّ أبیه أبی محمد بالأمر والنهی والأجوبة عما تسأل الشیعة عنه إذا احتاجت الی السؤال فیه بالخط الذی کان یخرج فی حیاة الحسن -  علیه السلام - فلم تزل الشیعة مقیمة علی عدالتهما الی أن توفی عثمان بن سعید رحمه الله، وغسّله ابنه أبوجعفر، وتولی القیام به، وحصل الأمر کلّه مردوداً إلیه، والشیعة مجتمعة علی عدالته وثقته وأمانته؛ لما تقدم له من النصّ علیه بالأمانة، والأمر بالرجوع إلیه فی حیاة الحسن وبعد موته فی حیاة أبیه عثمان –     رحمه الله إلی أن  قال -: خرج التوقیع الی الشیخ أبی جعفر محمد بن عثمان بن سعید العمری –     رحمه الله - فی التعزیة بأبیه -  رضی الله عنه - وجاء فی التوقیع المذکور: أجزل الله لک الثواب، وأحسن لک العزاء، رزئت ورزئنا، وأوحشک فراقه وأوحشنا، فسرّه الله فی منقلبه، وکان من کمال سعادته أن رزقه ولداً مثلک یخلفه من بعده، ویقوم مقامه بأمره ویترحم علیه، وأقول الحمد لله، فإن الأنفس طیبة بمکانک وما جعله الله عزّوجلّ فیک وعندک، أعانک الله وقوّاک وعضدک ووفّقک وکان لک ولیاً وحافظاً وراعیاً.

ثم قال الشیخ  –     قدس سره -: والتوقیعات تخرج علی یده الی الشیعة فی المهمّات طول حیاته بالخطّ الذی کانت تخرج فی حیاة أبیه عثمان لا یعرف الشیعة فی هذا الأمر غیره، ولا یرجع الی أحد سواه، وقد نقلت عنه دلائل کثیرة ومعجزات الإمام (التی) ظهرت علی یده وأمور أخبرهم بها عنه

ص: 203

زادتهم فی هذا الأمر بصیرة، وهی مشهورة عند الشیعة وقدّمنا طرفاً منها، فلا نطوّل بإعادتها، الی أن روی أنّه لمّا حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمری الوفاة، کان جعفر بن احمد بن متیل جالساً عند رأسه وأبوالقاسم ابن روح جالساً عند رجلیه، فالتفت الی جعفر بن احمد بن متیل وقال: أمرت أن أوصی الی أبی القاسم الحسین بن روح، فقام جعفر بن أحمد بن متیل من عند رأسه، وأخذ بید أبی القاسم وأجلسه فی مکانه وتحوّل بنفسه الی عند رجلیه.

الی أن قال: لمّا اشتدت حاله اجتمع جماعة من وجوه الشیعة - الی أن قال-: فدخلوا علی أبی جعفر ر رضی الله عنه فقالوا له: إن حدث أمر فمن یکون مکانک؟ فقال لهم: هذا أبوالقاسم الحسین بن روح بن أبی بحر النوبختی، القائم مقامی، والسفیر بینکم وبین صاحب الأمر، والوکیل له، والثقة الأمین، فارجعوا إلیه فی أمورکم، وعوّلوا علیه فی مهمّاتکم فبذلک أمرت، وقد بلّغت.

إلی أن قال الشیخ: وکان أبوالقاسم –     رحمه الله - من أعقل الناس عند المخالف والموافق - الی أن قال -: وأوصی أبوالقاسم الی أبی الحسن علی بن محمد السمری  رضی الله عنه فقام بما کان الی أبی القاسم فلمّا حضرته الوفاة حضرت الشیعة عنده، وسألته عن الموکّل بعده، ولمن یقوم مقامه؟ فلم یظهر شیئاً من ذلک وذکر أنّه لم یؤمر بأن یوصی الی أحد بعده فی هذا الشأن الی أن قال: فأخرج الی الناس توقیعاً قبل وفاته نسخته:

ص: 204

«بسم الله الرحمن الرحیم، یا علی بن محمد السمری، أعظم الله أجر إخوانک فیک، فإنّک میت ما بینک وبین ستة أیام، فاجمع أمرک ولا توص الی أحد، فیقوم مقامک بعد وفاتک، فقد وقعت الغیبة التامّة، فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالی ذکره، وذلک بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً، وسیأتی شیعتی من یدّعی المشاهدة، ألا فمن ادّعی المشاهدة قبل خروج السفیانی والصیحة فهو کذّاب مفتر، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلیّ العظیم».

قال الشیخ: قال راوی الخبر: فنسخنا هذا التوقیع، وخرجنا من عنده، فلمّا کان الیوم السادس عدنا إلیه وهو یجود بنفسه، فقیل له: من وصیّک من بعدک؟ فقال: لله أمر هو بالغه وقضی، فهذا آخر کلام سمع منه رضی الله عنه وأرضاه».

فبعد هذا الحدیث الطویل الذی ملئ بالملاحظات التی تستحق التأمل والوقوف.هل اکتفیت؟

أنور: هل لک ان تذکر لی الملاحظات التی تأملتها؟

حسن: بکل سرور... فاسمع:

1 -  إن هؤلاء السفراء الأربعة: أبو عمرو عثمان بن سعید العمری وأبو جعفر محمد بن عثمان بن سعید العمری وأبو القاسم حسین بن روح النوبختی وأبو الحسن علی بن محمد السمری، قد صرح المعصوم بأسمائهم وصرح بأنهم رجال ثقات کرام أجلاء ومحل ثقة أهل البیت  علیهم السلام ففی هذا دلالة علی ان هذه الأهلیة للسفارة انحصرت بهؤلاء دون غیرهم.

ص: 205

2 -  قد تسالم الشیعة علی کونهم نوابا ووکلاء خاصین للإمام وآبائه علیهم السلام.

إن هؤلاء الأجلاء محل تقدیر الإمام  علیه السلام ما داموا قد التزموا بأوامره وتخلقوا بأخلاقه ولم یخرجوا عن ذلک قید أنملة، ولو خرجوا لأخرجهم الإمام علیه السلام عن مراتبهم ومقامهم.

3 -  إن الشیعة اجتمعوا علیهم ولم ینشقوا عنهم أو لم یخالفوهم أبداً.

4 - فی عصر الغیبة الصغری کان الإمام  علیه السلام یؤید وکلاءه بالتوقیعات الخارجة عنه بخلاف عصر الغیبة الکبری.

5 - قام السفراء بالنص علی من یخلفهم بأمر الإمام  علیه السلام، ولم یترکوا ذلک لأهوائهم أو آرائهم.

6 -  فی احتضار أبی جعفر محمد بن عثمان العمری کان یجلس عند رأسه رجل اسمه جعفر بن أحمد بن متیل وعند رجلیه الحسین بن روح ولکن عندما أخبر أن الوصی بعده هو الحسین بن روح قام جعفر بن أحمد عن مکان الرأس وأجلس الحسین بن روح وذهب إلی مکان الرجلین، ففی هذا خلق رفیع ودین قویم یدل علی ان الأمور تسیر وفق الأوامر الإلهیة لا وفق الرغبات الشخصیة.

7 -  إن الإمام  علیه السلام یصاب بالحزن والالم عند فقد العلماء والوکلاء عنه، فلذا یصح ما تقوله: نعزی صاحب العصر والزمان برحیل العالم... فلان... .

ص: 206

8 - إن الإمام  علیه السلام یدعو لوکیله بالتأیید والتسدید، وهذا یعنی أن الوکیل محل رعایة صاحب الأمر، وبدون دعائه ورعایته  علیه السلام سیواجه الوکیل الصعاب فی تأدیة دوره.

9 - أن معجزات الإمام  علیه السلام وکراماته تظهر علی ید وکیله.

وهناک استفادات جیدة من التوقیع الذی خرج إلی الناس فی حق السفیر الرابع علی بن محمد السمری.

أنور: لا تبخل علیّ بذکرها أرجوک.

حسن: سأذکرها لک ولکن بعد أن أطلعک علی نص التوقیع لکی تتأمل فیما استفدته أنا من النص.

أنور: حسناً زدتنی شوقاً.

حسن: أخرج السفیر الرابع إلی الناس توقیعاً قبل وفاته وهذا النص:

«بسم الله الرحمن الرحیم یا علی بن محمد السمری، أعظم الله أجر إخوانک فیک، فإنک میت ما بینک وبین ستة أیام، فاجمع أمرک ولا توص إلی أحد، فیقوم مقامک بعد وفاتک، فقد وقعت الغیبة التامّة، فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالی ذکره، وذلک بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً وسیأتی شیعتی من یدّعی المشاهدة، ألا فمن ادّعی المشاهدة قبل خروج السفیانی والصیحة فهو کذّاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلیّ العظیم». 

ص: 207

وأما الاستفادات فسیکون قسم منها جواباً لأسئلتک التی سألتها:

1 - ان فی فقد الأخ المؤمن سیما العالم أجراً لأخوانه الذین حزنوا لفراقه وصبروا علی أمر الله تعالی.

2 -  ان معرفة الأجل من أمور الغیبة الصغری التی لا یطلع علیها أحد إلا من أراد الله تعالی ذلک، أی أن معرفة ذلک لیس من المحال، کما یقال.

3 - إن الوصایة بأمر الإمام  عجل الله فرجه الشریف ولیس بأمر الوکیل.

4 - أشار إلی ان الغیبة الکبری قد وقعت بعد انتهاء الغیبة الصغری، وفی هذا دلالة علی وجود مصلحة فی انتهاء الغیبة الصغری، التی تختلف کلیاً عن الغیبة التامة من حیث إمکان التواصل مع الإمام  علیه السلام، وتشخیص السفراء وخروج التواقیع ومشاهدة الإمام  علیه السلام وغیر ذلک.

5 - التأکید علی ظهور الإمام  علیه السلام، ولکن لایتم ذلک إلا بإذن الله تعالی، وفیه أمران:

الأول - دعوة لعدم الیأس من الظهور.

الثانی -أامر الظهور مرتبط بالله تعالی جملة وتفصیلاً.

6 - اشارة إلی أن مدة الغیبة سیطول، وستتصف هذه المدة بعلامات منها قسوة قلوب الناس وهذا لا یکون إلا لکثرة الذنوب، وستملأ الأرض بالظلم والجور، ولابد من الوقوف عند هذا الأمر:

أ - لم یقل الإمام  علیه السلام: إملؤوها ظلماً وجوراً حتی یتم لنا الظهور.

ص: 208

ب -  لم یمدح الإمام الظلم والجور؛ کونه السبب الذی یعجل الظهور بل هو فی مقام الذم، فلا تبقی حجة لمن یطرح نظریة إملاء الأرض بالظلم والجور.

ج -إن الإمام  علیه السلام سیطهر الأرض من الظلم وأهله ومن الفجور وأهله، فکیف یصح لمن یدعو الناس إلی إکثار الفساد أن یکون محلاً لرضا الإمام  علیه السلام؟!! بل هو أول من یقتل.

7 -  ثم أکد الإمام  علیه السلام إن من یدعی المشاهدة «أی ان یکون متصلاً بالإمام هو من الشیعة، وهو مفتر کذّاب إذا کان الادعاء قبل خروج السفیانی أو وقوع الصیحة، فلیفهم أصحاب العقول أن هذه الأصوات النشاز ما هی إلا کذب وافتراء وطلب للدنیا».

8 - وفی المقطع الأخیر یقول الإمام  علیه السلام: «لا حول ولا قوة إلا بالله العلی العظیم» ففی هذا تأدیب للناس بأن لا یغتروا بما لدیهم من عقول أو صحة أو غنی أو مناصب أو قوة، فان ذلک بحول الله وقوته وبدون هذا الحول والقوة الإلهیة ما هذه الأشیاء إلا سراب بقیعه یحسبه الظمآن ماء.

أنور: أحسنت کثیراً لقد أعجبتنی هذه النظریة، وهذه النظرة، وهذه الاستفادة من قول الإمام علیه السلام.

حسن: أحسن الله إلیک ....هل لنا بشیء من الراحة؟

أنور: أنت تأمر وأنا أطیع.

ص: 209

…الحلقة 60: کذب من یدعی المشاهدة أو السفارة

أنور: سلام علیکم.

حسن: وعلیکم السلام ورحمة الله وبرکاته.

أنور: کنت قد سألت عن من یدعی المشاهدة أو السفارة، فأجبتنی بأن المدعی کذاب مفتر حسب تصریح الإمام  عجل الله فرجه الشریف وان من یدعی العلاقة الخاصة مع الإمام  عجل الله فرجه الشریف لیس إلا صوتاً نشازاً.

حسن: نعم أؤکد ذلک، وهناک ما یؤید هذا القول کالذی استظهره السید صدر الدین فی کتابه (المهدی) حیث قال: «فإن المراد تکذیب المدعی النیابة الخاصة بقرینة صدر الروایة»، واحتمل ذلک صاحب البحار بقوله: «لعله محمول علی من یدعی المشاهدة مع النیابة وإیصال الأخبار من جانبه  علیه السلام إلی الشیعة علی مثال السفراء ....».

أنور: إذن استقر الرأی علی أن المشاهدة المدعاة هی التی قرنت بدعوة النیابة الخاصة، وأما رؤیة الإمام  عجل الله فرجه الشریف ومشاهدته لا علی هذا النحو فلیس فیها إشکال.

حسن: بل تعج بها کتب الشیعة التی تصدت لذکر هذه اللقاءات مع الإمام  عجل الله فرجه الشریف ککتاب النجم الثاقب وجنة المأوی للمیرزا النوری قدس سره.

أنور: خطر فی ذهنی سؤال أتسمح لی بطرحه؟

ص: 210

حسن: تفضل.

أنور: ما هی الآثار التی تترتب علی مسألة الانتظار؟

حسن: ذکر أحد العلماء بعض هذه الآثار وأنا أذکرها بتصرف:

الأول - إن الانتظار بنفسه ریاضة للنفس تجعل المرتاض متوجهاً إلی المنتظر ومتهیّئاً للقائه.

الثانی -  یسهّل وقع المصائب والنوائب، ویخفف وطأتها، سیما إذا احتمل انتهاؤها بظهور الإمام  عجل الله فرجه الشریف.

الثالث - من لوازم الانتظار محبة الإنسان أن یکون من أصحاب الإمام علیه السلام ولازم هذه المحبة للصحبة السعی فی إصلاح النفس وتهذیب الأخلاق.

الرابع - یؤدی الانتظار إلی تهیئة المقدمات وإعداد القوة لنصرة الإمام عجل الله فرجه الشریف.

هذه الآثار التی ذکرها أحد العلماء قدس سره.

ص: 211

الفصل الخامس: المعاد

اشارة

  معنی المعاد

  الآیات والروایات الدالة علی البرزخ والمعاد

  حشر الحیوانات

  کلام فی التقیة

  کلام فی الرجعة

  کلام فی زیارة القبور

  ما معنی التشیع؟

ص: 212

ص: 213

…الحلقة 61: معنی المعاد

أنور: سلام علیکم.

حسن: وعلیکم السلام ورحمة الله وبرکاته.

أنور: لکی لا اثقل علیک اکتفی بهذا القدر عن الإمامة وفروعها ولا بأس ان انتقل إلی الأصل الأخیر من أصول الدین ألا وهو المعاد فماذا فی جعبتک عنه؟

حسن: لابد من الوقوف ابتداءً علی معنی المعاد اصطلاحاً، فلقد ذکر العلماء: أن المعاد: هو زمان عود الروح إلی بدنه الذی تعلق به فی الحیاة الدنیا، وهذا هو یوم القیامة أو إذا قصدنا مکان عود الروح فهو فی الآخرة.

أنور: هل هناک فرق بین المعاد والمیعاد؟

ص: 214

حسن: نعم هناک فرق واضح، فالمعاد کما بیّناه لکم، والمیعاد إشارة إلی الوعد لا إلی العود فلذا جاء فی قوله تعالی:((رَبَّنَا إِنَّکَ جَامِعُ النَّاسِ لِیَوْمٍ لاَّ رَیْبَ فِیهِ إِنَّ اللّهَ لاَ یُخْلِفُ الْمِیعَادَ))(1).

أنور: أحسنتم... الآن لابد أن نتحدث عن أمور المعاد، فأسأل عن الروح؟

حسن: الروح مخلوق مجرد أی لیس من المادة بشیء.

أنور: إذن یترکب الإنسان من بدن مادی وروح مجرد ألیس کذلک؟

حسن: بلی هو کذلک.

أنور: ولکن هل ترفدنی بدلیل علی ذلک؟

حسن: نعم... نحن نعلم بالعلم الحضوری أن هناک شیئاً غیر البدن وهو الروح وما یؤکد هذا قوله تعالی: ((وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ یُقْتَلُ فِی سَبیلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْیَاء وَلَکِن لا تَشْعُرُونَ))(2)، وفی هذه الآیة دلالة أخری وهی أن الروح باقیة حیة وإن خرجت من البدن.

أنور: أحسنتم... من خلال حدیثکم تحرکنا إلی السؤال الآخر... وهو هل هناک حیاة فی القبر؟

حسن: نعم وهذا ما یسمی بالحیاة البرزخیة أی الحیاة التی تعیشها الروح بین الدنیا والآخرة.

أنور: هل توضح لی أکثر؟


1- سورة آل عمران، الآیة: 9.
2- سورة البقرة، الآیة: 154.

ص: 215

حسن: نعم... إذا مات الإنسان انتقلت روحه إلی عالم البرزخ الذی هو عالم ما بین الدنیا والآخرة، فإذا کان الإنسان مؤمناً سیعیش فی روح وریحان، وإذا کان کافراً أو عاصیاً سیعیش فی عذاب وألم، ولذلک جاء فی القرآن الکریم ما یبین حیاة الشهداء الذین قتلوا فی سبیل الله تعالی کما فی قوله تعالی: ((وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُواْ فِی سَبِیلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْیَاء عِندَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ (169) فَرِحِینَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَیَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِینَ لَمْ یَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلاَ هُمْ یَحْزَنُونَ))(1)، ففی هذه الآیة إشارة صریحة إلی حیاة الشهداء وما فیها من النعیم والفرح والاستبشار... وهناک آیات أخری کثیرة تشیر إلی الحیاة البرزخیة بصراحة تامة کما فی قوله تعالی:((... وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَی یَوْمِ یُبْعَثُونَ))(2)، فهذا قول واضح إن الإنسان إذا مات انتقل إلی البرزخ حتی یوم البعث والنشور... وغیر ذلک مما یدل علی الحیاة البرزخیة.

أنور: هل لک أن تذکر لی شیئاً من الروایات التی تدل علی ذلک؟

حسن: نعم... لقد وردت روایات کثیرة فی ذلک وعند جمیع المسلمین منها:

1 - روی عن النبی  صلی الله علیه وآله وسلم: «أنه وقف علی قلیب بدر فقال للمشرکین الذین قتلوا یومئذ وقد ألقوا فی القلیب: لقد کنتم جیران سوء لرسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم وآله أخرجتموه من من_زله


1- سورة آل عمران، الآیة: 169 و 170.
2- سورة المؤمنون، الآیة: 100.

ص: 216

وطردتموه، ثم اجتمعتم علیه فحاربتموه، فقد وجدت ما وعدنی ربّی حقاً، فقال له عمر: یا رسول الله ما خطابک لهام قد صدیت، فقال له: مه یابن الخطاب فوالله ما أنت بأسمع منهم، وما بینهم وبین أن تأخذهم الملائکة بمقامع الحدید إلا أن اعرض بوجهی هکذا عنهم» وغیر ذلک من طوائف الأخبار.

2 - روایة تشیر إلی البرزخ، وتشیر إلی أن الأرواح فی البرزخ تکون فی أبدان تلائم تلک المرحلة کما عن أبی عبدالله  علیه السلام قال: «قلت له: جعلت فداک یرون أن أرواح المؤمنین فی حواصل طیور خضر حول العرش فقال: لا، المؤمن أکرم علی الله من أن یجعل روحه فی حوصلة طیر، لکن فی أبدان کأبدانهم».

أنور: هذا المقدار یکفی فی إثبات حقیقة البرزخ... وعندی سؤال آخر؟

حسن: تفضل.

أنور: یلزم من کلامک ان الموت لیس هو الانعدام والفناء... ألیس کذلک؟

حسن: لا شک فی ذلک بل هو انقطاع الأرواح ومفارقتها للبدن الدنیوی فقط والانتقال إلی البدن البرزخی، وهذا ما أشار إلیه أمیر المؤمنین  علیه السلام: «ایها الناس إنا خلقنا وإیاکم للبقاء لا للفناء، ولکنکم من دار تنتقلون، فتزودوا لما أنتم صائرون إلیه وخالدون فیه، والسلام».

ص: 217

وورد عن الإمام الحسن  علیه السلام ما یؤکد هذا المعنی ایضاً حیث سئل: «ما الموت الذی جهلوه؟ أنه قال: أعظم سرور یرد علی المؤمنین إذا نقلوا عن دار النکد إلی نعیم الأبد، وأعظم ثبور یرد علی الکافرین إذا نقلوا عن جنتهم إلی نار لا تبید ولا تنفد».

وما ورد عن الإمام الحسین  علیه السلام إذ یقول: «صبراً بنی الکرام فما الموت إلا قنطرة یعبر بکم عن البؤس والضرّاء إلی الجنان الواسطة، والنعیم الدائمة، فأیکم یکره أن ینقل من سجن إلی قصر؟! وما هو لأعدائکم إلا کمن ینتقل من قصر إلی سجن وعذاب، إن أبی حدثنی عن رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم:  أن الدنیا سجن المؤمن وجنة الکافر، والموت جسر هؤلاء إلی جنانهم وجسر هؤلاء إلی جحیمهم، وما کذبت ولا کذبت».

فالموت وسیلة للتحرر من قیود الشهوة؛ وسلاسل الدنیا الدنیة؛ وراحة بعد تعب وتخلص من أقذار وأوساخ الحیاة الدنیویة، والموت خروج من سجن إلی فسحة وراحة.

أنور: أحسنتم... إذا عرفنا أن الموت ما هو إلاّ انتقال من دار إلی دار فیعنی ان کلمة إعدام تعبیر مجازی؟

حسن: نعم هو کذلک... أو قل هو إعدام الحیاة الدنیویة بالنسبة للمیت.

أنور: أحسنتم... قلتم أن المعاد هو زمان عود الروح إلی بدنه الذی تعلق به فی الحیاة الدنیا... هل هذا ممکن مع کون البدن قد یصیر رماداً عند الاحتراق أو یصیر رمیما بعد مرور فترة طویلة علی موته أو توزع البدن فی بطون الوحوش والطیور وغیر ذلک؟

ص: 218

حسن: إن عود الأرواح إلی أبدانها ممکن ذاتاً ولا استحالة فیه، وقصدنا بممکن ذاتاً أی أن وقوع هذا الأمر دون وجود مانع من وقوعه أمر ممکن، وقولنا لا استحالة فیه أی لیس من المحال الذی لا وجود له.

أنور: المعاد لیس محالاً لأنه لیس إعادة للمعدوم حتی یکون محالاً... ألیس کذلک؟

حسن: أحسنت... إذ إن المعدوم حقیقة لا یمکن إعادته، لأنه لیس بشیء حتی یعاد أی المعدوم لیس موجوداً حتی یمکن إعادته.

أنور: إذن کیف تعاد الأرواح إلی أبدانها مع ما ذکرنا من تفتتها وتفرقها؟

حسن: إذا تفرقت أجزاء المیت وأصبحت هنا وهناک، فإعادتها هو جمع هذه المتفرقات کما فی قصة نبی الله إبراهیم  علیه السلام فلقد روی عن علی ابن إبراهیم فی تفسیره عن أبیه عن ابن أبی عمیر عن أبی أیوب عن أبی بصیر، عن أبی عبدالله  علیه السلام: «إن ابراهیم  علیه السلام نظر إلی جیفة، علی ساحل البحر تأکلها سباع البر، وسباع البحر ثم یثب السباع بعضها علی بعض، فیأکل بعضها بعضاً، فتعجب ابراهیم  علیه السلام فقال: ((رَبِّ أَرِنِی کَیْفَ تُحْیِی الْمَوْتَی))(1)، فقال الله له: ((أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَی وَلَکِن لِّیَطْمَئِنَّ قَلْبِی قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّیْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَیْکَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَی کُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ یَأْتِینَکَ سَعْیًا


1- سورة البقرة، الآیة: 260.

ص: 219

وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ)) فأخذ إبراهیم صلوات الله علیه الطاووس والدیک والحمام والغراب، قال الله عزَّ وجلّ: ((فَصُرْهُنَّ إِلَیْکَ)) أی قطعهن ثم اخلط لحماتهن وفرّقها علی کلّ عشرة جبال، ثم خذ مناقیرهن وادعهن یأتینک سعیاً، ففعل إبراهیم ذلک وفرّقهن علی کل عشرة جبال ثم دعاهن فقال: أجیبینی بإذن الله تعالی، فکان یجتمع ویتألف لحم کلّ واحد، وعظمه إلی رأسه، وطارت إلی إبراهیم، فعند ذلک قال إبراهیم: ((أَنَّ اللّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ))».

وفضلاً عن ذلک نقول إن الله تعالی رد علی منکری المعاد الذین یرون فیه شیئاً صعباً أو محالاً بقوله: ((وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِیَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ یُحْیِی الْعِظَامَ وَهِیَ رَمِیمٌ (78) قُلْ یُحْیِیهَا الَّذِی أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِکُلِّ خَلْقٍ عَلِیمٌ))(1)، وما روی عن هشام بن الحکم فیه إشارة إلی أمور کثیرة أخری تتعلق بالمعاد وبشبهة الأکل والمأکول وغیرها.

أنور: أقول إن سبب من ینکر المعاد هو لعدم معرفته بالله تعالی حق المعرفة ....أصحیح ما أقول؟

حسن: عین الصواب والصحة.

أنور: أراک تعبت من الحوار؟

حسن: لا بأس بالاستراحة لیوم غد إن شاء الله تعالی.


1- سورة یس، الآیة: 78 و 79.

ص: 220

…الحلقة 62: الآیات والروایات الدالة علی البرزخ والمعاد

أنور: سلام علیکم.

حسن: وعلیکم السلام ورحمة الله وبرکاته.

أنور: من خلال الآیات القرآنیة الکریمة أصبح أمر المعاد أمراً حتمیاً....فهل لک أن تذکرنی بالآیات فی ذلک؟

حسن: أذکر لک باقة من الآیات العطرة:

قوله تعالی: ((لا أُقْسِمُ بِیَوْمِ الْقِیَامَةِ (1) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)أَیَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَی قَادِرِینَ عَلَی أَن نُسَوِّیَ بَنَانَهُ (4) بَلْ یُرِیدُ الإِنسَانُ لِیَفْجُرَ أَمَامَهُ))(1).

وقوله تعالی: ((وَیْلٌ یَوْمَئِذٍ لِلْمُکَذِّبِینَ (10) الَّذِینَ یُکَذِّبُونَ بِیَوْمِ الدِّینِ (11) وَمَا یُکَذِّبُ بِهِ إِلاّ کُلُّ مُعْتَدٍ أَثِیمٍ))(2).

وقوله تعالی: ((وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِیَةٌ لا رَیْبَ فِیهَا وَأَنَّ اللَّهَ یَبْعَثُ مَن فِی الْقُبُورِ))(3).


1- سورة القیامة، الآیة: 1 - 5.
2- سورة المطففین، الآیة: 10 - 12.
3- سورة الحج، الآیة: 7.

ص: 221

وقوله تعالی: ((زَعَمَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَن لَّن یُبْعَثُوا قُلْ بَلَی وَرَبِّی لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِکَ عَلَی اللَّهِ یَسِیرٌ))(1).

کما إن هناک الکثیر من الروایات الدالة علی المعاد:

1 -  وأما کلمة المیعاد فهی مستعملة فی یوم القیامة، ولکنه لیست من العود بل هی من الوعد: ((رَبَّنَا إِنَّکَ جَامِعُ النَّاسِ لِیَوْمٍ لاَّ رَیْبَ فِیهِ إِنَّ اللّهَ لاَ یُخْلِفُ الْمِیعَادَ))(2)، نعم شاع استعماله فی کلمات المتشرعة، بل فی الآثار والأخبار، ومنها ما ورد عن مولانا أمیر المؤمنین  علیه السلام «فاتقوا الله تقیة من سمع فخشع» إلی أن قال: «وأطاب سریرة وعمر معادا واستظهر زاد الیوم لیوم رحیله».

2 - ومنها ما جاء فی بعض الأدعیة : «اللهم صل علی محمد وآل محمد أهل الذکر الذین أمرت بمسألتهم وذوی القربی الذین أمرت بمودتهم وفرضت حقهم وجعلت الجنة معاد من اقتص آثارهم».

3 - عن مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام: «أیها الناس إنا خلقنا وإیاکم للبقاء لا للفناء، ولکنکم من دار تنقلون، فتزودوا لما أنتم صائرون إلیه وخالدون فیه، والسلام».

4 - عن الحسن بن علی علیهما السلام حیث سئل: «ما الموت الذی جهلوه ؟ أنه قال: أعظم سرور یرد علی المؤمنین إذا نقلوا عن دار النکد إلی نعیم الأبد، وأعظم ثبور یرد علی الکافرین إذا نقلوا عن جنتهم إلی نار لا تبید ولا تنفد».


1- سورة التغابن، الآیة: 7.
2- سورة آل عمران، الآیة: 9.

ص: 222

أنور: أحسنت کثیراً... ولکن هل هناک دلیل عقلی یعضد الدلیل النقلی؟

حسن: الدلیل النقلی هو الذی یعضد الدلیل العقلی لأن العقل ینتج الأدلة قبل مجیء الشریعة.

أنور: ماذا تقصد بقولک هذا؟

حسن: أقصد أن العقل یفکر ویصل إلی نتائج ثم تأتی الشریعة فتقر ما استنتجه العقل إذا کان الاستنتاج موافقاً لها.

أنور: إذن لا بأس بذکر نتاجات العقل.

حسن: نعم.

1 - نقول: إن الله تعالی حکیم والحکیم لا یفعل عبثاً وسفهاً... إذن الله تعالی لا یفعل عبثاً وسفهاً، ثم نقول لو لم یکن للإنسان معاد لکان خلقه عبثاً وسفهاً... ولکن الله تعالی لا یفعل عبثاً ولا سفهاً إذن لابد أن یکون للإنسان معاد.

وهذه الآیة الکریمة: ((أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاکُمْ عَبَثًا وَأَنَّکُمْ إِلَیْنَا لا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَی اللَّهُ الْمَلِکُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْکَرِیمِ))(1)، فیها دلالة صریحة علی عدم العبثیة، وفیه إثبات المعاد.

2 - نقول: إن الله تعالی عادل والعادل لا یساوی بین الظالم والمظلوم؛ إذن لابد من القصاص من الظالم، ثم نقول: لو لم یکن للإنسان معاد یلزم التسویة بین الظالم والمظلوم، وبما أن الله تعالی لا یساوی بینهما وهذه الآیة


1- سورة المؤمنون، الآیة: 115 - 116.

ص: 223

الکریمة صریحة فیما قلناه: ((أَمْ نَجْعَلُ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ کَالْمُفْسِدِینَ فِی الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِینَ کَالْفُجَّارِ))(1)، وآیة أخری أکثر تفصیلاً للأمر (حم) (1) سورة الجاثیة.

3 -  نقول: إن الله تعالی وعد المطیعین بالثواب والعاصین بالعقاب أو بالجنة أو بالنار.

وبما أن الله تعالی لا یخلف الوعد فإذن لابد من معاد یقع فیه الوعد.

أنور: أحسنت کثیراً... عندی أسئلة أخری سأترکها إلی اللقاء القادم.

حسن: کما تحبون... نحن فی خدمتکم دوماً.

…الحلقة 63: حشر الحیوانات

أنور: سلام علیکم.

حسن: وعلیکم السلام ورحمة الله وبرکاته.

أنور: عندی بعض الأسئلة المتعلقة بالمعاد والآخرة...  فهل لی أن أسألها؟

حسن: جئنا لذلک... تفضلوا.

أنور: قرأت فی القرآن الکریم آیات فیها حشر للحیوان کقوله تعالی: ((وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِی الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ یَطِیرُ بِجَنَاحَیْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُکُم


1- سورة ص، الآیة: 28.

ص: 224

مَا فَرَّطْنَا فِی الکِتَابِ مِن شَیْءٍ ثُمَّ إِلَی رَبِّهِمْ  یُحْشَرُونَ))(1)، وکقوله تعالی: ((وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ))(2)، فماذا تفیدنا فی هذا الأمر؟

حسن: أجیبک بما قاله أحد علمائنا وهو الفاضل المقداد  قدس سره: «النقل الشریف دالّ علی أنه ما من دابّة فی الأرض ولا طائر یطیر بجناحیه إلا امم أمثالکم ما فرّطنا فی الکتاب من شیء ثم یحشرون، فهؤلاء منهم من یحکم العقل بوجوب البعثة وهو کل من له حقّ أو علیه حقّ للإنصاف والانتصاف، ومنهم من لم یحکم بوجوبه بل بجوازه کمن عدا هؤلاء».

کما روی عن أبی ذر ما یصلح جواباً لسؤالک: «بینا أنا عند رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم:إذ انتطحت عن_زان فقال النبی  صلی الله علیه وآله وسلم: أتدرون فیما انتطحا؟ فقالوا: لا ندری، قال: لکن الله یدری وسیقضی بینهما».

وانقل إلیک کلام العلامة المجلسی  قدس سره: «وأما حشر الحیوانات فقد ذکره المتکلمون من الخاصّة والعامة علی اختلاف منهم فی کیفیته، إلی أن قال: أقول: الأخبار الدالة علی حشرهم عموماً وخصوصاً، وکون بعضها ممّا یکون فی الجنّة کثیرة سیأتی بعضها فی باب الجنّة، وقد مرّ بعضها فی باب الرکبان یوم القیامة وغیره، کقولهم  علیهم السلام فی مانع الزکاة: تنهشه کلّ ذات ناب بنابها ویطؤه کلّ ذات ظلف بظلفها، وروی الصدوق فی الفقیه بإسناده عن السکونی بإسناده أن النبی صلی الله علیه وآله وسلم أبصر ناقة معقولة، وعلیها جهازها، فقال أین صاحبها؟ مروه فلیستعد


1- سورة الأنعام، الآیة: 38.
2- سورة التکویر، الآیة: 5.

ص: 225

غداً للخصومة، وروی فیه عن الصادق  علیه السلام أنه قال: أی بعیر حجّ ثلاث سنین، یجعل من نعم الجنّة، وروی سبع سنین، وقد روی عن النبی  صلی الله علیه وآله وسلم: استفرهوا ضحایاکم فإنها مطایاکم علی الصراط، وروی أن خیول الغزاة فی الدنیا خیولهم فی الجنة».

وفی هذه الأقوال ما یصلح للإجابة عن ذلک.

أنور: أحسنتم بقی أن أسأل عن فائدة الإیمان بالآخرة؟

حسن: هناک فوائد عدة نذکرها لکم:

1 -  إن الإیمان بالآخرة مع ما فیها من حساب وجزاء، وما فیها من أهوال ومنازل یدفعنا إلی ضبط عقائدنا ونیاتنا وأعمالنا وأقوالنا وفق ما تریده الشریعة منا.

2 - العمل وفق ما تریده الشریعة منا سیحقق السعادة الدنیویة للأفراد والمجتمعات معاً.

3 - حب الجنة ومقاماتها یقتضی الإخلاص فی العمل، والتخلق بالأخلاق الحسنة، وکره النار وأهوالها یحجبنا عن الخوض فی المعاصی والجرائم بل یبعدنا عن کل أشکال الباطل.

4 - الإیمان بالآخرة یبعث فی نفوسنا الامل ویطرد الیأس.

5 -  الإیمان بالآخرة یهوّن المصائب والبلایا ویقوی ملکة الصبر، ویقتل فینا حب الدنیا الذی رأس کل خطیئة. وغیر ذلک من الفوائد النفسیة والاجتماعیة.

أنور: أحسنت کثیراً. الآن وقد فرغنا من الحوار فی المعاد، فهل لک أن تکلمنی عن بعض الأمور العقائدیة؟

حسن: ما هی هذه الأمور التی ترید أن تعرفها؟

ص: 226

…الحلقة 64: کلام فی التقیة

أنور: مثلاً تحدثنی بشکل مختصر عن التقیة؟ وهل أن الالتزام بها واجب شرعی؟

حسن: قبل أن أبیّن لک حکم التقیة دعنی أعرفها وأذکر أسبابها:

التقیة: هی التحفظ عن ضرر الغیر بموافقته فی قول أو فعل مخالف للحق «تعریف الشیخ الأنصاری قدس سره».

 أسبابها:

1 - خوف من وقوع ضرر علی المتقی أو عرضه أو ماله، أو علی أحد نفوس المؤمنین، أو علی بیضة الإسلام.

2 - قد تکون التقیة مداراة من دون خوف الضرر، وانما لجلب مودة العامة، واستصلاحاً لحال المسلمین، وجمعا لکلمتهم، ولماً لشعثهم.

وقد وردت عن الأئمة الأطهار هذه الروایات التی تبین ضرورة التقیة:

أ -  روی عن الإمام الصادق  علیه السلام قوله: «التقیة دینی ودین آبائی»، «من لا تقیة له لا دین له».

ب - خبر هشام الکندی قال: سمعت أبا عبدالله  علیه السلام یقول: «ایاکم أن تعملوا عملاً نعیّر به، فإنّ ولد السوء یعیّر والده بعمله، کونوا لمن انقطعتم إلیه زیناً ولا تکونوا

ص: 227

علیه شیناً، صلّوا فی عشائرهم، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، ولا یسبقونکم إلی شیء من الخیر، فأنتم أولی به منهم، والله ما عبد الله بشیء أحبّ إلیه من الخباء قلت: وما الخباء؟ قال التقیة».

ج - قال الشیخ الأعظم الأنصاری  قدس سره: «أما الکلام فی حکمها التکلیفی فهو أن التقیة تنقسم إلی الأحکام الخمسة:

فالواجب منها: ما کان لدفع الضرر الواجب فعلاً وأمثلته کثیرة».

والمستحب: ما کان فیه التحرز عن معارض الضرر، بأن یکون ترکه مفضیاً تدریجیاً إلی حصول الضرر کترک المداراة مع العامة، وهجرهم فی المعاشرة فی بلادهم، فإنه ینجر غالباً إلی حصول المباینة الموجبة لتضرره منهم.

والمباح: ما کان التحرز عن الضرر وفعله مساویاً فی نظر الشارع، کالتقیّة فی إظهار کلمة الکفر علی ما ذکره جمع من الأصحاب ویدلّ علیه الخبر الوارد فی رجلین أُخذا بالکوفة وأُمرا بسبّ أمیر المؤمنین  علیه السلام.

والمکروه: ما کان ترکه وتحمّل الضرر أولی من فعله، کما ذکر بعضهم فی إظهار کلمة الکفر، وأن الأولی ترکها ممّن یقتدی به الناس إعلاءً لکلمة الإسلام، والمراد بالمکروه حینئذٍ ما یکون ضده أفضل.

والمحرّم منه: ما کان فی الدماء.

أنور: أحسنت... ولکن هناک من یقول إن التقیة نفاق والنفاق حرام مذموم فما تقول؟

ص: 228

حسن: أولاً - إن التقیة لا تکون إلا مع من یبغض الحق ویکره الإنصاف.

ثانیاً - إن التقیة بعکس النفاق فإذا قلنا إن التقیة هی إظهار الباطل وإخفاء الحق، فإن النفاق هو إظهار الإیمان وکتمان الکفر والتقیة بعکسه إظهار الکفر وکتمان الإیمان وهذا ما صرح به القرآن الکریم فی قوله تعالی: ((لاَّ یَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْکَافِرِینَ أَوْلِیَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِینَ وَمَن یَفْعَلْ ذَلِکَ فَلَیْسَ مِنَ اللّهِ فِی شَیْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَیُحَذِّرُکُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَی اللّهِ الْمَصِیرُ))(1)، وقوله تعالی: ((مَن کَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إیمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُکْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِیمَانِ وَلَکِن مَّن شَرَحَ بِالْکُفْرِ صَدْرًا فَعَلَیْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِیمٌ))(2).

ثالثاً -إن فطرة الإنسان تقتضی الدفاع عن النفس سیما إذا کان هذا الإنسان من المستضعفین وقد اکره علی فعل أو قول لیس بحق... وما یوضح ذلک ما جاء عن البخاری فی صحیحه فی باب الإکراه... ولا بأس أن أذکر لک أیضاً نصاً قرآنیاً یدل علی ذلک کما فی قوله تعالی: ((...إِلاَّ مَنْ أُکْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِیمَانِ وَلَکِن مَن شَرَحَ بِالْکُفْرِ صَدْرًا فَعَلَیْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِیمٌ))(3)، وقال: ((...إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً...))(4)، وهی تقیة. وقال: ((إِنَّ الَّذِینَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِکَةُ ظَالِمِی أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِیمَ کُنتُمْ قَالُواْ کُنَّا مُسْتَضْعَفِینَ فِی الأَرْضِ قَالْوَاْ


1- سورة آل عمران، الآیة: 28.
2- سورة النحل، الآیة: 106.
3- سورة النحل، الآیة: 106.
4- سورة آل عمران، الآیة: 28.

ص: 229

أَلَمْ تَکُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِیهَا فَأُوْلَئِکَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِیرًا (97) فَأُوْلَئِکَ عَسَی اللّهُ أَن یَعْفُوَ عَنْهُمْ وَکَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًا))(1)، وقال: ((وَمَا لَکُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِینَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْیَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنکَ وَلِیًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَدُنکَ نَصِیرًا))(2)، فعذر الله المستضعفین الذین لا یمتنعون من ترک ما أمر الله به، والمکره لا یکون إلا مستضعفاً، غیر ممتنع من فعل ما أمر به. وقال الحسن: التقیة إلی یوم القیامة. وقال ابن عباس فیمن یکرهه اللصوص فیطلق: «لیس بشیء». وبه قال ابن عمر وابن الزبیر والشعبی والحسن. وقال النبی  صلی الله علیه وآله وسلم: «الأعمال بالنیة».

وهناک الکتب الکثیرة التی ألفت فی هذا الموضوع لا یسع المقام لذکرها، فإذا أردت التوسع فعلیک بمراجعتها.

أنور: إذن بما انها موضوع واسع فسأکفیک عناء الحوار فیها، وما قلته یکفی، ولکن لا بأس من بیان أحکامها؟

حسن: سأذکر لک الأحکام الخمسة التی ذکرها الشیخ الأنصاری  قدس سره مرة أخری: «أما الکلام فی حکمها التکلیفی فهو أن التقیة تنقسم إلی الأحکام الخمسة:

فالواجب منها: ما کان لدفع الضرر الواجب فعلاً وأمثلته کثیرة.

والمستحب: ما کان فیه التحرز عن معارض الضرر، بأن یکون ترکه


1- سورة النساء، الآیة: 97 - 98.
2- سورة النساء، الآیة: 75.

ص: 230

مفضیاً تدریجیاً إلی حصول الضرر کترک المداراة مع العامة وهجرهم فی المعاشرة فی بلادهم، فإنه ینجرّ غالباً إلی حصول المباینة الموجبة لتضرره منهم.

والمباح: ما کان التحرز عن الضرر وفعله مساویاً فی نظر الشارع، کالتقیة فی إظهار کلمة الکفر علی ما ذکره جمع من الأصحاب ویدلّ علیه الخبر الوارد فی رجلین اخذا بالکوفة وامرا بسب أمیر المؤمنین  علیه السلام.

والمکروه: ما کان ترکه وتحمل الضرر أولی من فعله، کما ذکر بعضهم فی إظهار کلمة الکفر، وأن الأولی ترکها ممن یقتدی به الناس إعلاء لکلمة الإسلام، والمراد بالمکروه حینئذٍ ما یکون ضده أفضل.

والمحرم منه: ما کان فی الدماء.

أنور: أحسنت کثیراً... والآن أرید أن اسأل عن الرجعة؟

حسن: سل ما بدا لک.

…الحلقة 65: کلام فی الرجعة

أنور: ماذا تعرف عن الرجعة؟

حسن: نعتقد أن الله تعالی یعید قوماً من الأموات إلی الدنیا فی صورهم التی کانوا علیها (هذا قول الشیخ المظفر) أی أن الله تعالی سیرجع أناساً مؤمنین محضوا الإیمان محضاً وأناساً آخرین محضوا الکفر محضاً فی عهد ظهور الإمام المهدی  عجل الله فرجه الشریف فینتصر المؤمنون علی الکافرین والفاسدین ویذلونهم

ص: 231

ویقتصون منهم فی الدنیا، ثم ینتقلون إلی عذاب شدید وخزی فی الآخرة، فیتحقق العدل وینتصف المظلوم من الظالم.

أنور: هل إن الرجعة ممکنة؟

حسن: نعم حکمها حکم المعاد من حیث الوقوع والإمکان إلا أن الفرق بینهما هو: أن المعاد رجوع فی الآخرة وغیر مؤقت، والرجعة: رجوع فی الدنیا ومؤقت، والمعاد یشمل الجمیع، والرجعة تختص بقوم دون آخرین.

أنور: جزاکم الله خیراً.... إذن ما هی أدلة الرجعة؟

حسن: نستطیع أن نورد هذه الأدلة کالآتی:

أ - وقوعها فی الأمم السابقة: کإحیاء قوم بنی إسرائیل کما ورد فی قوله تعالی: ((أَلَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ خَرَجُواْ مِن دِیَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْیَاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَی النَّاسِ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لاَ یَشْکُرُونَ))(1)، وإحیاء عزیر کما فی قوله تعالی: ((أَوْ کَالَّذِی مَرَّ عَلَی قَرْیَةٍ وَهِیَ خَاوِیَةٌ عَلَی عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّیَ یُحْیِی هََذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ کَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ یَوْمًا أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَی طَعَامِکَ وَشَرَابِکَ لَمْ یَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَی حِمَارِکَ وَلِنَجْعَلَکَ آیَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَی العِظَامِ کَیْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَکْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَی کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ))(2)، وإحیاء سبعین رجلاً من قوم موسی کما فی قوله


1- سورة البقرة، الآیة: 243.
2- سورة البقرة، الآیة: 259.

ص: 232

تعالی: ((وَإِذْ قُلْتُمْ یَا مُوسَی لَن نُّؤْمِنَ لَکَ حَتَّی نَرَی اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْکُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاکُم مِّن بَعْدِ مَوْتِکُمْ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ))(1)، والمسیح یحیی الموتی کما یدل علیه قوله تعالی: ((وَرَسُولاً إِلَی بَنِی إِسْرَائِیلَ أَنِّی قَدْ جِئْتُکُم بِآیَةٍ مِن رَبِّکُمْ أَنِّی أَخْلُقُ لَکُم مِّنَ الطِّینِ کَهَیْئَةِ الطَّیْرِ فَأَنفُخُ فِیهِ فَیَکُونُ طَیْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأکْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْیِی الْمَوْتَی بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُکُم بِمَا تَأْکُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِی بُیُوتِکُمْ إِنَّ فِی ذَلِکَ لآیَةً لَّکُمْ إِن کُنتُم مُّؤْمِنِینَ))(2)، وإحیاء أصحاب الکهف کما یدل علیه قوله تعالی: ((وَلَبِثُوا فِی کَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِینَ وَازْدَادُوا تِسْعًا))(3).

أ - الآیات الدالة علی وقوع الرجعة قبل القیامة:

1 - کما فی قوله تعالی: ((وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُکَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ کَانُوا بِآیَاتِنَا لا یُوقِنُونَ (82) وَیَوْمَ نَحْشُرُ مِن کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّن یُکَذِّبُ بِآیَاتِنَا فَهُمْ یُوزَعُونَ (83) حَتَّی إِذَا جَاؤُوا قَالَ أَکَذَّبْتُم بِآیَاتِی وَلَمْ تُحِیطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا کُنتُمْ تَعْمَلُونَ))(4).

2 - وکذلک قوله تعالی: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنکُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُم فِی الأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَیُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمُ


1- سورة البقرة، الآیة: 55 و56.
2- سورة آل عمران، الآیة: 49.
3- سورة الکهف، الآیة: 25.
4- سورة النمل، الآیة: 82 - 84.

ص: 233

الَّذِی ارْتَضَی لَهُمْ وَلَیُبَدِّلَنَّهُم مِن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا یَعْبُدُونَنِی لا یُشْرِکُونَ بِی شَیْئًا وَمَن کَفَرَ بَعْدَ ذَلِکَ فَأُوْلَئِکَ هُمُ الْفَاسِقُونَ))(1).

3 - وکذلک قوله تعالی: ((قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَیْنِ وَأَحْیَیْتَنَا اثْنَتَیْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَی خُرُوجٍ مِّن سَبِیلٍ))(2).

4 - وکذلک کما فی قوله تعالی: ((وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَیْمَانِهِمْ لاَ یَبْعَثُ اللّهُ مَن یَمُوتُ بَلَی وَعْدًا عَلَیْهِ حَقًّا وَلکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لاَ یَعْلَمُونَ (38) لِیُبَیِّنَ لَهُمُ الَّذِی یَخْتَلِفُونَ فِیهِ وَلِیَعْلَمَ الَّذِینَ کَفَرُواْ أَنَّهُمْ کَانُواْ کَاذِبِینَ))(3).

5 - وکذلک کما فی قوله تعالی: ((کَیْفَ تَکْفُرُونَ بِاللَّهِ وَکُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْیَاکُمْ ثُمَّ یُمِیتُکُمْ ثُمَّ یُحْیِیکُمْ ثُمَّ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ))(4).

6 - وکذلک کما فی قوله تعالی: ((وَنُرِیدُ أَن نَّمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِینَ (5) وَنُمَکِّنَ لَهُمْ فِی الأَرْضِ وَنُرِی فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَا کَانُوا یَحْذَرُونَ))(5).

7 - وکذلک کما فی قوله تعالی: ((وَحَرَامٌ عَلَی قَرْیَةٍ أَهْلَکْنَاهَا أَنَّهُمْ لا یَرْجِعُونَ))(6).


1- سورة النور، الآیة: 55.
2- سورة غافر، الآیة: 11.
3- سورة النحل، الآیة: 38 و 39.
4- سورة البقرة، الآیة: 28.
5- سورة الفصص، الآیة: 5 و 6.
6- سورة الأنبیاء، الآیة: 95.

ص: 234

8 -  وکذلک کما فی قوله تعالی: ((إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِینَ آمَنُوا فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَیَوْمَ یَقُومُ الأَشْهَادُ))(1).

أنور: انا اشکرک علی ذکر هذه الآیات کأدلة ولکن لا اعرف کیف استدل بها؟

حسن: لک الحق فی ذلک سأذکر لک کل آیة علی انفراد وأبین وجه الاستدلال بها:

الآیة الأولی: ((وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُکَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ کَانُوا بِآیَاتِنَا لا یُوقِنُونَ (82) وَیَوْمَ نَحْشُرُ مِن کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّن یُکَذِّبُ بِآیَاتِنَا فَهُمْ یُوزَعُونَ (83) حَتَّی إِذَا جَاؤُوا قَالَ أَکَذَّبْتُم بِآیَاتِی وَلَمْ تُحِیطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا کُنتُمْ تَعْمَلُونَ)).

    الاستدلال بها:

1 - قوله تعالی: ((وَیَوْمَ نَحْشُرُ مِن کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا...)) فیه دلالة علی هذا الحشر لیس هو حشر یوم القیامة، لأنه مختص بفوج من الناس ولیس للجمیع کما هو حشر القیامة. وهذا ما أکده علی بن إبراهیم فی تفسیره بالإسناد عن حماد، عن الصادق  علیه السلام، قال: «ما یقول الناس فی هذه الآیة: ((وَیَوْمَ نَحْشُرُ مِن کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا))؟ قلت یقولون إنها فی القیامة. قال:  علیه السلام «لیس کما یقولون، إن ذلک فی الرجعة، أیحشر الله فی القیامة من کل أمة فوجاً ویدع الباقین؟ إنما آیة القیامة قوله: ((وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا)).


1- سورة غافر، الآیة: 51.

ص: 235

2 - إخراج الدابة التی هی من علامات الساعة، وفی بعض الروایات انها أمیر المؤمنین  علیه السلام قال: «وإنی لصاحب الکرّات ودولة الدول، وإنی لصاحب العصا والمیسم، والدابة التی تکلم الناس».

الآیة الثانیة: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنکُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُم فِی الأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَیُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمُ الَّذِی ارْتَضَی لَهُمْ وَلَیُبَدِّلَنَّهُم مِن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا یَعْبُدُونَنِی لا یُشْرِکُونَ بِی شَیْئًا وَمَن کَفَرَ بَعْدَ ذَلِکَ فَأُوْلَئِکَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)).

الاستدلال بها:

روی الشیخ الکلینی  قدس سره بالإسناد عن عبدالله بن سنان، قال: سألت أبا عبدالله  علیه السلام عن قول الله جلّ جلاله ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنکُمْ…)) فقال هم الأئمة  علیهم السلام.

الآیة الثالثة: ((قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَیْنِ وَأَحْیَیْتَنَا اثْنَتَیْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَی خُرُوجٍ مِّن سَبِیلٍ)).

المراد من الموتتین، موتة عند انتهاء آجالهم، والثانیة بعد عودتهم إلی الحیاة فی الرجعة.

ولکی اختصر لک الاستدلال بالآیات الکریمة دعنی استدل لک بالآیة الخامسة والآیة الثامنة لأنهما أشد وضوحاً من غیرها.

أنور: لا مانع من ذلک تفضل.

ص: 236

حسن: نعم لقد ورد فی قوله تعالی: ((کَیْفَ تَکْفُرُونَ بِاللَّهِ وَکُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْیَاکُمْ ثُمَّ یُمِیتُکُمْ ثُمَّ یُحْیِیکُمْ ثُمَّ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ)).

وجه الاستدلال بها:

کما قال الشیخ الحر العاملی: وجه الاستدلال بهذه الآیة انه اثبت الإحیاء مرتین، ثم قال بعدها (ثم إلیه ترجعون) والمراد به القیامة قطعاً.

الآیة الثامنة: ((إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِینَ آمَنُوا فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَیَوْمَ یَقُومُ الأَشْهَادُ)).

الاستدلال بها:

روی عن الإمامین الباقر والصادق علیها السلام «إن هذا النصر یکون فی الرجعة، ذلک لأن کثیراً من الأنبیاء والأوصیاء قتلوا وظلموا ولم ینصروا، وإن الله لا یخلف المیعاد».

أنور: وضحوا لنا قول الإمامین علیهما السلام.

حسن: نعم یقول الإمام  علیه السلام إن الأنبیاء والأوصیاء الذین جاءوا بالشرائع قتلوا وظلموا ولم ینتصروا، فمتی ینصر الله تعالی رسله؟ فلابد من یوم یرجعون فیه لینصرهم فی الحیاة الدنیا، ثم ینصرهم فی یوم القیامة أیضاً، وقوله (یوم یقوم الأشهاد) فیه دلالة أخری علی أن هناک نصرین نصراً فی الدنیا ونصراً فی الآخرة، والنصر فی الدنیا لا یتحقق إلا بالرجعة.

أنور: أحسنتم کثیراً جزاکم الله خیراً.

حسن: أحسن الله إلیکم فإذا أردت مراجعة تفاصیل الرجعة فهناک ما لا یقل عن أربعین کتاباً افرد لها.

ص: 237

أنور: هل لک أن تذکر لی بعضاً مما یسهل الرجوع إلیه.

حسن: نعم:

1 - کتاب الإیقاظ من الهجعة بالبرهان علی الرجعة للشیخ الحر العاملی. وهذا الکتاب من الکتب الواسعة فی تناول هذا الموضوع حیث فیه ما یقارب (600) حدیث و(63) آیة وأدلة وخزائن أخری.

2 - الشیعة والرجعة للشیخ محمد رضا الطبسی.

3 - الرجعة للسید محمد مؤمن الحسینی.

أنور: شکراً لکم.

حسن: عفواً.

…الحلقة 66: کلام فی زیارة القبور

أنور: سلام علیکم.

حسن: وعلیکم السلام ورحمة الله وبرکاته.

أنور: الیوم أرید أن أسأل عن زیارة القبور؟

حسن: نعم... من الأمور التی نالت عنایة الشیعة الإمامیة هی زیارة قبور النبی والأئمة  علیهم السلام، فقاموا بتعمیرها من حیث البناء والتواجد امتثالاً لأوامر أهل البیت  علیهم السلام.

ص: 238

أنور: ولکن هناک من قال بتحریم ذلک فکیف تردون؟

حسن: اتفقت الأمة الإسلامیة علی استحباب زیارة القبور إلاّ الوهابیة ومن یقول بقولهم، ولقد اعتمد هؤلاء علی أمرین:

1 -  إن زیارتها عبث لا فائدة فیها، ما هی إلا طین وحجر لا یضر ولا ینفع.

والجواب  -  إن زیارة القبور فیها نفع للزائر والمزور، فهی للزائر موعظة ومحل عبرة وتذکر للموت وتزهّد فی الدنیا وغیر ذلک، وأما للمزور ففیها ثواب وعطاء سیما إذا قرئ عند قبره القرآن هذا فی غیر الأنبیاء والأولیاء وأما إذا کان القبر لنبی أو ولی فإن زیارتهما تعد نوعاً من التعظیم والاقتداء بصاحب القبر فتکسب الزائر الثواب الجزیل سیما إذا کان قبر رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم وأهل بیته  علیهم السلام کما فی الروایات:

یروی عن قاسم بن یحیی عن جده الحسن بن راشد عن عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله  علیه السلام قال: «بینما الحسین بن علی  علیه السلام فی حجر رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم إذ رفع رأسه فقال له یا أبة ما لمن زارک بعد موتک فقال یا بنی من أتانی زائرا بعد موتی فله الجنة و من أتی أباک زائرا بعد موته فله الجنة و من أتی أخاک زائرا».

عن أحمد بن محمد بن عیسی عن علی بن أسباط عن عثمان بن عیسی عن المعلی بن أبی شهاب عن أبی عبد الله  علیه السلام قال: «قال الحسین  علیه السلام لرسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم ما جزاء من زارک فقال یا بنی من زارنی حیا أو میتا أو زار أباک أو زار أخاک أو زارک کان حقا علی أن أزوره یوم القیامة حتی أخلصه من ذنوبه».

ص: 239

إن زیارة قبر رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم وزیارة قبور الشهداء وزیارة قبر الحسین  علیه السلام تعدل حجة مع رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم.

2 - إن زیارة القبور انما هی زیارة لأموات غیر قابلین للتفهیم بدلیل قوله تعالی: ((...وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَن فِی الْقُبُور))(1)، وقوله تعالی: ((إِنَّکَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَی وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِینَ))(2).

الجواب - إن الزائر لا یخاطب الجثث الهامدة تحت التراب وانما یخاطب الأرواح الحیة فی عالم البرزخ، واما حیاة الأرواح فقد تم ذکر أدلتها فی أصل المعاد وعالم البرزخ کقوله تعالی: ((وَلَنَبْلُوَنَّکُمْ بِشَیْءٍ مِنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِینَ))(3)، کقوله تعالی: ((فَرِحِینَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَیَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِینَ لَمْ یَلْحَقُواْ بِهِم مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلاَ هُمْ یَحْزَنُونَ))(4)، کقوله تعالی: ((وَإِذْ یَتَحَاجُّونَ فِی النَّارِ فَیَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا إِنَّا کُنَّا لَکُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِیبًا مِّنَ النَّارِ))(5).

أنور: أحسنت هل لک أن تؤید قولک بجواز زیارة القبور بأدلة؟


1- سورة فاطر، الآیة: 22.
2- سورة النمل، الآیة: 80.
3- سورة البقرة، الآیة: 155.
4- سورة آل عمران، الآیة: 170.
5- سورة غافر، الآیة: 47.

ص: 240

حسن: هناک الکثیر من الروایات فی هذا الأمر:

1 - ما ورد عن بریدة مرفوعاً عن النبی  صلی الله علیه وآله وسلم: «کنتُ نهیتکم عن زیارة القبور ألا فزوروها».

2 - عن أبی سعید الخدری مرفوعاً:«إنی نهیتکم عن زیارة القبور فزوروها، فإن فیها عبرة».

3 - وعن أنس بن مالک مرفوعاً: نهیتکم عن زیارة القبور فزوروها فإنها تذکّرکم الموت.

أنور: أحسنت... ما دمنا نتحدث عن زیارة القبور هل لی أن أسأل؟

حسن: نعم... تفضلوا.

أنور: إن زیارة القبور من أجل طلب الشفاعة والتوسل بصاحب القبر وهذا بذاته یعد شرکاً فی نظر البعض... فکیف تردون؟

حسن: هذا سؤال جید... قلنا إن الذین یشنعون وینتقصون الزائرین هم الوهابیة، ومنشأ کلامهم إما الجهل أو لتعصب الأعمی... ولنا ان نرد علیهم بما یلی:

أولاً -  إن الشفاعة التی هی طلب شیء من الشفیع لا تعد شرکاً ولا حتی عبادة.

ثانیاً - عندما أطلب من الشفیع أمراً لا أقصد أن هذا الشفیع هو رب أو إله یفعل ما أُرید، وانما اقصد أن الشفیع عبد مقرب إلی الله تعالی یستجاب له أکثر مما یستجاب لی.

ص: 241

ثالثاً -  إن الشفعاء الصالحین لا یشفعون إلاّ بإذن الله تعالی ووفق شروط معینة فی المشفوع له، أی أن المشفوع له مؤمن بالله تعالی ورسوله وعترته الطاهرة وبکل ما جاء به رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم إلاّ أن له ذنوباً تمنع إجابة دعائه.

رابعاً - القرآن الکریم یؤکد هذا المعنی من خلال قوله تعالی: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَسُولٍ إِلاَّ لِیُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوکَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَحِیمًا))(1)، ففی أدنی تأمل نجد أن التوبة والمغفرة مرتبطة باستغفار الرسول الأکرم  صلی الله علیه وآله وسلم أو بالحضور عند رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم مع الاستغفار.

فالشفاعة من باب ((وَابْتَغُواْ إِلَیهِ الْوَسِیلَةَ))(2)، فإذا قلت: إن الأنبیاء والأولیاء لا یشفعون ولا یشفّعون. قلت: ترد علیک آیات کثیرة تثبت الشفاعة منها:

قوله تعالی: ((اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَیُّ الْقَیُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِی یَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ یَعْلَمُ مَا بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ یُحِیطُونَ بِشَیْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ کُرْسِیُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ یَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِیُّ الْعَظِیمُ (255) لاَ إِکْرَاهَ فِی الدِّینِ قَد تَّبَیَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَیِّ فَمَنْ یَکْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَیُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ


1- سورة النساء، الآیة: 64.
2- سورة المائدة، الآیة: 35.

ص: 242

اسْتَمْسَکَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَیَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ))(1)، وقوله تعالی: ((وَلا یَمْلِکُ الَّذِینَ یَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ یَعْلَمُونَ))(2)، وغیر ذلک.

أنور: ولکن یقولون إن طالبی الشفاعة یفعلون کما یفعل المشرکون فی تقربهم إلی الله تعالی بالأصنام؟

حسن: هذا کلام یدل علی جهل قائله:

أولاً - نحن لانری الأنبیاء والأولیاء آلهة کما یری المشرکون الأصنام آلهة.

ثانیاً - نحن لا ندعی أن الأنبیاء والأولیاء یفعلون فعل الله تعالی بینما یری المشرکون أن الأصنام تفعل فعل الله.

ثالثاً - إن التوسل أمر جائز بدلیل قوله تعالی: ((یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَیهِ الْوَسِیلَةَ وَجَاهِدُواْ فِی سَبِیلِهِ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ))(3)، وقوله تعالی: ((قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَکُمْ رَبِّیَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ (98) فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَی یُوسُفَ آوَی إِلَیْهِ أَبَوَیْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِینَ))(4).

رابعاً - إن النبی والأئمة  علیهم السلام وسائل لتلقی الفیض الإلهی لما لهم من قابلیات واستعدادات لذلک.


1- سورة البقرة، الآیة: 255 و256.
2- سورة الزخرف، الآیة: 86.
3- سورة المائدة، الآیة: 35.
4- سورة یوسف، الآیة: 98 و 99.

ص: 243

أنور: هذا کلام لا أعرف معناه... ماذا تقصد؟

حسن: أقصد إذا أراد الله تعالی الجواد المطلق أن یجود علی خلقه، فلابد من وجود مخلوقات لها قابلیة تتحمل هذا العطاء دون أن یصاب بالغرور أو یقع فی التجاوز، ولیس هذا إلاّ المعصوم، وأَضرب لک مثلاً لیتضح الأمر أکثر: کان لعیسی  علیه السلام من القدرة أن یحیی الموتی ویخلق من الطین کهیئة الطیر فینفخ فیه فیکون طیراً بإذن الله تعالی، وکان موسی  علیه السلام یفعل المعجزات بعصاه، وکان لرسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم القدرة علی التصرف فی الکون إلا أنهم لم یستغلوا ذلک تبعاً لهواهم أو رغباتهم أو یفعلوا ما یریدون تبعاً لغضبهم وهکذا، فهؤلاء أناس لهم من القابلیات ما یؤهلهم أن یفیض الله تعالی علیهم جوده، فإذن هم أکمل منا وأعلی درجة تؤهلهم أن یکونوا واسطة بین المذنبین وبین ربهم سبحانه.

أنور: أحسنت سیدی.

حسن: أزیدک أن عیسی  علیه السلام کان وجیهاً عند الله تعالی کما فی قوله تعالی: ((إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِکَةُ یَا مَرْیَمُ إِنَّ اللّهَ یُبَشِّرُکِ بِکَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِیحُ عِیسَی ابْنُ مَرْیَمَ وَجِیهًا فِی الدُّنْیَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِینَ))(1)، فهذا یعنی ان الوجاهة وسیلة لقضاء حاجة الناس عند من یقدر هذه الوجاهة.

وهناک کتب کثیرة کتبت فی التوسل والشفاعة فإذا رغبت بالمزید فعلیک بها.

أنور: أحسنت ما قدمته کفانی وروی ظمئی.

حسن: الحمد لله... إذن سنلتقی إن شاء الله تعالی.


1- سورة آل عمران، الآیة: 45.

ص: 244

…الحلقة 67: ما معنی التشیع؟

أنور: سلام علیکم.

حسن: وعلیکم السلام ورحمة الله وبرکاته.

أنور: التشیّع والتسنن أو الشیعة والسنة هاتان کلمتان شائعتان، فیختلجنی سؤال مهم فی هذا الأمر وهو؛ إذا کان الدین واحداً وهو للبشریة جمعاء فلمَ انقسم أتباعه إلی طائفتین؟

حسن: قبل الخوض فی إجابة هذا السؤال لابد من معرفة هذه الکلمة (شیعة) والوقوف علی معناها اللغوی والاصطلاحی:

الشیعة لغة: الأتباع والأعوان، أو کل قوم اجتمعوا علی أمر فهم شیعة أو هی الفرقة من الناس.

الشیعة اصطلاحاً: هو کل من اتبع أمیر المؤمنین  علیه السلام وقدمه علی غیره، فصار یطلق علی أنصار الإمام علی بن أبی طالب  علیه السلام وأتباعه وموالیه.

وهناک من الروایات التی تؤید هذا المعنی ما ورد عن تفسیر الصافی عن الأمالی عن جابر بن عبدالله قال: «کنا عند النبی  صلی الله علیه وآله وسلم فأقبل علی بن أبی طالب علیه السلام فقال النبی  صلی الله علیه وآله وسلم قد أتاکم أخی ثم التفت إلی الکعبة فضربها بیده ثم قال: والذی نفسی بیده إن هذا وشیعته لهم الفائزون یوم القیامة، ثم قال: إنه أولکم إیماناً معی

ص: 245

وأوفاکم بعهد الله، وأقومکم بأمر الله وأعدلکم فی الرعیة وأقسمکم بالسویة وأعظمکم عند الله مزیّة، قال: نزلت ((إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِکَ هُمْ خَیْر الْبَرِیَّةِ))(1)، وکان أصحاب محمد إذا أقبل علیٌّ قالوا جاء خیر البریة.

واما انقسام المسلمین إلی طائفتین فهو بسبب المواقف السیاسیة والطمع الدنیوی.

أنور: کیف ذلک؟

حسن: لا أرید أن أفتق جروحاً محتقنة لما فی ذلک من سلبیات.

أنور: لا بأس أن تمر علیها مرور الکرام؟

حسن: لقد ثبتت أحقیة الإمام علی  علیه السلام فی الخلافة والوصایة فی حیاة الرسول الأکرم  صلی الله علیه وآله وسلم ولکن بعد وفاته  صلی الله علیه وآله وسلم انقلب القوم علی أعقابهم وحصل ما حصل فی سقیفة بنی ساعدة، ومن ذلک الوقت وفی ذلک المکان أصبح المسلمون طائفتین عملیاً، طائفة بقیت علی ما هی علیه من التشیّع لعلی  علیه السلام وطائفة أعلنت الرفض بعد ان کانت تکتمه فی حیاة الرسول الأکرم  صلی الله علیه وآله وسلم.

أنور: ماذا تقصد بقولک عملیاً؟

حسن: أقصد أنهم کذلک علی مستوی القلوب فقط ولکن بعد وفاة النبی صلی الله علیه وآله وسلم خرج ما فی القلوب إلی الخارج، أقصد هذا من قبل الرافضین لعلی علیه السلام.

أنور: هناک من یقول ان مبدأ التشیّع ابتدعه رجل یهودی یسمی عبدالله ابن سبأ؟


1- سورة البینة، الآیة: 7.

ص: 246

 حسن: هذا کلام مفتری وکذب محض بدلیل:

1 -  ما دل من الروایات علی خلاف هذا الکذب کما ورد عن الحاکم الحسکانی الحنفی  النیسابوری __ من أعلام القرن الخامس للهجرة __، بألفاظ وطرق متعددة تبلغ حدّ التواتر، نقتبس منها ما ورد عن یزید بن شراحیل الأنصاری کاتب الإمام علی  علیه السلام قال: «سمعت الإمام علیاً یقول : حدثنی رسول الله  صلی الله علیه وآله وسلم وأنا مسنده إلی صدری فقال: أما تسمع قول الله عز وجل: ((إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِکَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیَّةِ))(1)، هم أنت وشیعتک وموعدی وموعدکم الحوض إذا اجتمعت الأمم للحساب تدعون غرّاً محجلین» وما رواه القندوزی الحنفی بطرق متعددة عن الدیلمی فی مسنده والطبرانی فی الکبیر عن أبی رافع: إن النبی  صلی الله علیه وآله وسلم قال: «یا علی، أول أربعة یدخلون الجنّة أنا وأنت والحسن والحسین وذریّاتنا خلف ظهورنا وأزواجنا خلف ذریّاتنا وأشیاعنا عن أیماننا وشمائلنا».

2 -  إن مبدأ التشیّع کان ثابتاً وبلسان النبی الأکرم  صلی الله علیه وآله وسلم کما ورد فی أعلاه وغیره، وهذا قبل ظهور فریة عبدالله بن سبأ.

3 -  إن عبدالله بن سبأ أسطورة مختلقة اختلقها أعداء الشیعة.

4 -  کیف نصدق أن یکون لرجل یهودی أسلم فیما بعد، أن یکون له کل هذا الأثر الفکری فیؤثر علی کبار الصحابة وأقدسهم کسلمان الفارسی أو أبی ذر أو عمار أو المقداد أو... الخ.


1- سورة البینة، الآیة: 7.

ص: 247

5 - علی فرض صحة وجود هذا الرجل فإن أمیر المؤمنین  علیه السلام حرّقه بالنار لغلوه کما نقل ذلک عن بعض علماء الشیعة.

أنور: یقولون هناک نظریات یرجع أصل التشیّع إلیها... ماذا تقول؟

حسن: نعم ولکن هذه النظریات مردودة جملة وتفصیلاً، وبأدنی تأمل فی ذلک تری وهن هذه النظریات.

 أنور: هل لک أن تذکر ذلک علی سبیل الإیجاز؟

 حسن: النظریة الأولی: ترجع التشیّع إلی ما بعد وفاة النبی  صلی الله علیه وآله وسلم، وهذا مردود أن التشیع ثابت فی حیاة النبی  صلی الله علیه وآله وسلم کما قلت لک.

النظریة الثانیة: ترجع أصل التشیّع إلی أحداث عهد عثمان بن عفان وترد کما ردت الأولی.

النظریة الثالثة: ترجع أصل التشیّع إلی أحداث الطف وشهادة الإمام الحسین  علیه السلام. 

النظریة الرابعة: ترجع أصل التشیّع إلی الأصول الفارسیة.

النظریة الخامسة: ترجع أصل التشیّع إلی أحداث عهد الإمام الصادق علیه السلام.

وغیر ذلک وکل هذا مردود مرفوض.

أنور: أحسنتم کثیراً... أری علی وجهک رغبة فی الکلام؟

حسن: أرید أن اختم حواری بما یلی:

1 -  إن مذهب أهل البیت  علیهم السلام أنشئ فی زمن النبی الأکرم  صلی الله علیه وآله وسلم وعلی یدیه بعکس المذاهب المستحدثة.

ص: 248

2 -  إن هذا المذهب مفتوح للجمیع لا غموض ولا أوهام ولا لف ولا دوران فیه. 

3 -  یجب الفصل بین المذهب وبین معتنقیه حتی لا یقع الخلط فیحسب ما یصدر من الناس من سلبیات علی أصل المذهب، وهذا عین الغبن.

4 -  من یرید أن یحکم علی مذهب التشیّع یجب ان یقرأه اولاً ویعرضه علی القرآن والسنة الصحیحة والإسلام الحق لیری مدی تطابقه معهم.

5 -  ندعو جمیع أصحاب الفکر الحر أن یطلعوا علی مذهبنا، ویحاکموه، وذلک بالحوار مع علمائنا الحقیقیین.

6 -  أدعوک یا أنور إلی التأمل فی حوارنا وأن تحکم بعدل وإنصاف علی مذهبنا.

أنور: أنا أشکرک علی هذا الحوار العلمی العمیق ولی الفخر أن أکون من أهل الحق.

ص: 249

المحتویات

المقدمة

…الحلقة 1: تمهید

…الحلقة 2: فی التقلید

…الحلقة 3: فی المقلَّد

الفصل الاول: التوحید

…الحلقة 4: فی وجود الله تعالی

…الحلقة 5: فی وجود الله تعالی

…الحلقة 6: فی صفات الله تعالی

…الحلقة 7: فی بیان أنواع التوحید

…الحلقة 8: فی إن تعظیم أهل البیت  علیهم السلام لیس شرکاً

…الحلقة 9: فی بیان أنواع أخری من التوحید

ص: 250

…الحلقة 10: فی أن الاستعانة بغیر الله لا تعد شرکاً

…الحلقة 11: فی أن لا حول ولا قوة إلا بالله تعالی

…الحلقة 12: فی تکملة صفاته تعالی

…الحلقة 13: فی تکملة صفاته تعالی

…الحلقة 14: فی تکملة صفاته تعالی

…الحلقة 15: فی تکملة صفاته تعالی

الفصل الثانی: العدل الالهی

…الحلقة 16: مقدمة فی العدل الإلهی

…الحلقة 17: أمن صفات الذات العدل أم الفعل؟

…الحلقة 18: تفسیر الشرور والبلایا

…الحلقة 19: هل إن البلایا عقوبة؟

…الحلقة 20: هل إن العقوبة مساویة للذنب؟

…الحلقة 21: فی القضاء والقدر

…الحلقة 22: تکملة فی القضاء والقدر

…الحلقة 23: تکملة فی القضاء والقدر

…الحلقة 24: أمن الله الحسنة والسیئة أم من العبد؟

…الحلقة 25: ما معنی کون الهدایة والضلالة بیده سبحانه؟

…الحلقة 26: هل إن السعادة والشقاء من الله تعالی؟

ص: 251

الفصل الثالث: النبوة

…الحلقة 27: بیان معنی النبوة وفوائد البعثة

…الحلقة 28: تکملة فی فوائد البعثة

…الحلقة 29: هل إن البعثة لطف الهی؟

…الحلقة 30: بیان المعجزة

…الحلقة 31: ما الفرق بین المعجزة والسحر؟

…الحلقة 32: طرق إثبات النبوة

…الحلقة 33: صفات النبی ومنها العصمة

…الحلقة 34: هل إن العصمة تسلب الاختیار؟

…الحلقة 35: عصمة النبی فی الأمور الفردیة والاجتماعیة

…الحلقة 36: تکملة فی صفات الأنبیاء

…الحلقة 37: کلام فی النبوة الخاصة

…الحلقة 38: فی صفات نبی الإسلام

…الحلقة 39: عوامل بناء شخصیة الإنسان

…الحلقة 40: کلام فی فصاحة القرآن الکریم وبلاغته

…الحلقة 41: کلام فی القرآن الکریم

…الحلقة 42: کلام فی عالمیة الرسالة وخاتمیتها

…الحلقة 43: تکملة فی الرسالة

ص: 252

الفصل الرابع: الإمامة

…الحلقة 44: مفهوم الإمامة

…الحلقة 45: إن الإمامة من أصول الدین أم من فروعه؟

…الحلقة 46: إن الإمامة بالبیعة أم بالنص؟

…الحلقة 47: ما هی صفات الإمام ووظائفه؟

…الحلقة 48: ما هو مصدر علم الإمام؟

…الحلقة 49: هل إن الإمام یعلم الغیب؟

…الحلقة 50: لماذا لا یعلم أهل البیت  علیهم السلام علومهم لجمیع الناس؟

…الحلقة 51: هل یجب طاعة الأئمة ومحبتهم؟

…الحلقة 52: لماذا صار حبهم واجباً؟

…الحلقة 53: تکملة فی المودة

…الحلقة 54: إن الإمامة بالنص أم بالانتخاب؟

…الحلقة 55: الدلیل علی إمامة أولاده

…الحلقة 56: هل یجب الإیمان بوجود الإمام المهدی عجل الله فرجه الشریف ؟

…الحلقة 57: تفاصیل الغیبتین

…الحلقة 58: دورنا فی الغیبة

…الحلقة 59: کلام فی من یدّعی السفارة عنه  عجل الله فرجه الشریف

…الحلقة 60: کذب من یدعی المشاهدة أو السفارة

ص: 253

الفصل الخامس: المعاد

…الحلقة 61: معنی المعاد

…الحلقة 62: الآیات والروایات الدالة علی البرزخ والمعاد

…الحلقة 63: حشر الحیوانات

…الحلقة 64: کلام فی التقیة

…الحلقة 65: کلام فی الرجعة

…الحلقة 66: کلام فی زیارة القبور

…الحلقة 67: ما معنی التشیع؟

ص: 254

ص: 255

ملحق

الصفحة

النص

المصدر

9

أبی الله إلا إن تجری الأمور

عن أبی عبد الله (ع) (أبی الله إلا أن تجری الأشیاء إلا بأسباب فجعل لکل شیء سبب) الکافی: ج1، ص183. بصائر الدرجات: ص525.

12

العلم إما مطبوع أو مسموع

(العلم علمان: مطبوع ومسموع، ولا ینفع المسموع إذا لم یکن المطبوع) میزان الحکمة - محمد الریشهری: ج3 - ص2043.

13

التقلید فی اللغة: هو أن نضع قلادة فی رقبة المقلد

(التقلید: قلده القلادة: جعلها فی منطقة) المعجم الوسیط: ص754

14

فلینظروا من کان صائناً 

(فأما من کان من الفقهاء صائنا لنفسه...) بحار الأنوار - العلامة ألمجلسی - ج 2 - ص 88.

17

حلال محمد حلال إلی یوم القیامة

بحار الأنوار __ العلامة ألمجلسی: ج86 __ ص148

24

أرکبت سفینة فی البحر

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی, ج3 __ ص41.

24

فبعث فیهم رسله

نهج البلاغة خطب الإمام علی (ع): ج1 __ ص24.

24

فطرهم علی المعرفة

الکافی - الشیخ الکلینی - ج 2 - ص 13.

25

وجود الأفاعیل التی دلت

الکافی __ للشیخ الکلینی: ج1 __ ص81.

30

معنی واحد أنها لیس له فی الأشیاء

التوحید: الشیخ الصدوق, ص84.

34

أطلب العلم من المهد إلی اللحد

الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل __ السید ناصر مکارم الشیرازی, ص504.

47

یعلم عجیج الوحوش فی الفلوات

شرح نهج البلاغة: ابن أبی الحدید ألمعتزلی, ج10 __ ص188.

49

أول الدین معرفته

شرح نهج البلاغة: ابن أبی الحدید ألمعتزلی, ج1 __ ص72.

ص: 256

52

إن الله تبارک وتعالی کان ولا شیء غیره

الکافی: للشیخ الکلینی, ج8 __ ص94, والبحار: ج4 __ ص69.

52

إن الله لا اله إلا هو کان حیا

التوحید: الشیخ لصدوق, ص141.

58

فالله تعالی لا یجور ولا یظلم

عقائد الإمامیة - الشیخ محمد رضا المظفر - ص 40. ونعتقد أن من صفاته تعالی الثبوتیة الکمالیة أنه عادل غیر ظالم، فلا یجوز فی قضائه ولا یحیف فی حکمه، یثیب المطیعین، وله أن یجازی العاصین، ولا یکلف عباده ما لا یطیقون ولا یعاقبهم زیادة علی ما یستحقون.

65

لو یعلم المؤمن ماله فی المصائب

التحفة السنیة (مخطوط): عبد الله الجزائری, 68.

66

إلا إن الشجرة البریة اصلب عودا

الإلهیات: الشیخ جعفر السبحانی, ص283.

71

أربعة لا ینظر الله إلیهم

الخصال: الشیخ الصدوق: 203.

74

هی الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء

الکافی: الشیخ الکلینی,ج2 __ ص158.

74

أو تدری ما قدر

المحاسن: احمد بن محمد بن خالد البرقی, ج1 __ ص244.

78

یا ابن ادم بمشیئتی کنت أنت الذی تشاء

الإلهیات: الشیخ جعفر السبحانی, ص713.

84

الشقی من شقی فی بطن أمه

التوحید: الشیخ الصدوق, ص356.

85

الشقی من علم الله وهو بطن أمه

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی, ج5 __ ص157.

93

ولا بعث الله نبیا ولا رسولاً

الکافی: للشیخ الکلینی, ج1 __ ص13.

93

فبعث الله محمدا

شرح نهج البلاغة: أبن أبی الحدید المعتزلی: ج9 __ ص103.

93

إلی أن بعث الله محمدا

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی, ج89 – ص33.  

94

یا هشام ما بعث الله

الکافی: الشیخ الکلینی, ج1 __ ص16.

94

لم یکن بد من رسول الله بینه وبینهم

لم یکن بد من رسول الله بینه وبینهم, معصوم  عوائد الأیام: المحقق النراقی, ص535.

112

صلوا کما رأیتمونی أصلی

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی: ج82 __ 279.

129

والله لقد سمعت من محمد

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی, ج18 __ ص168.

135

بأبی أنت وأمی یا رسول الله,

میزان الحکمة: محمد الرشیهری, ج4_ ص3206.

136

حلال محمد حلال إلی یوم القیامة

بحار الأنوار __ العلامة ألمجلسی: ج86 __ ص148

138

إن الإمامة أجل قدرا

عیون أخبار الرضا (ع): الشیخ الصدوق, ج2 __ ص196.

ص: 257

149

من مات ولم یعرف إمامه زمانه

وسائل الشیعة: الحر العاملی, ج16 __ ص246.

150

البیعة هی العهد علی الطاعة

تاریخ ابن خلدون: ابن خلدون: ج1 __ ص209.

151

وأما حقی علیکم

نهج البلاغة: خطب الإمام علی (ع),ج1 __ 84. 

152

فان آمنتم بی فبایعونی

الإلهیات: الشیخ جعفر السبحانی, ج4 __ ص63.

153

أرأیت إن نحن بایعناک

الغدیر: الشیخ الأمینی, ج7 __ ص134.

153

ما أحسن ما تدعو إلیه

أعیان الشیعة: السید محسن الأمین, ج1 __ 45.

153

لو سألنی سیابه من الأرض

مفاهیم القرآن (العدل والإمامة): الشیخ جعفر السبحانی, ص 107. 

156

إن الإمام واحد دهره

بدایة المعرفة الإلهیة فی شرح عقائد الأمامیة_ السید محسن الخزازی, ج2 ص45.

156

للإمام علامات

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی, ج25 __ ص116.

159

علمنی رسول الله

(علمنی ألف باب من الحلال والحرام). الخصال: الشیخ الصدوق, ص643.

159

الأئمة علماء صادقون

الکافی: للشیخ الکلینی, ج1 __ 271,

160

قلت لأبی عبد الله اخبرنی عن علم عالمکم

الکافی: الشیخ الکلینی, ج1 __ ص264.

161

إن الله تعالی احکم وأکرم

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی, ج26 __ ص138.

161

من شک أن الله تعالی

بصائر الدرجات: محمد بن الحسن الصفار, ص143.

163

الله اجل واعز وأکرم

الکافی: الشیخ الکلینی, ج1 __ ص262.

163

مالکم تسؤون رسول الله (صلی)

الکافی: الشیخ الکلینی, ج1 __ ص219. 

164

قال رسول الله (صلی) من سلم علیّ

الأمالی: الشیخ الطوسی,  ص167.

164

أن الله الملائکة سیاحین

جواهر الکلام: الشیخ ألجواهری, ج20 __ ص83.

164

إن الحسین بن علی (علیه السلام) عند ربه

وسائل الشیعة: الحر العاملی, ص55.

165

لو شئت أن اخبر کل رجل

نهج البلاغة: خطب الإمام علی (ع), ج2 __ ص90.

171

ود المؤمن للمؤمن من أعظم

شرح أصول الکافی: مولی محمد صالح المازندرانی 8 __ ص364.

171

أی عری الإیمان أوثق

الکافی: للکلینی, ج2 __ ص126.

171

تحببوا إلی الله ببغض أهل المعاصی

أجوبة مسائل جار الله: السید شرف الدین, ص225.

171

کل من لم یحب علی الدین

الحدائق الناظرة: المحقق البحرانی, ج18 __ ص152.

ص: 258

173

نحن الأمة الوسط

الکافی: للکلینی, ج1 __ ص191.

173

أفتری أن من لا تجوز شهادته

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی,ج23 __ 350.

174

کل من دان الله عز وجل

الکافی: الشیخ الکلینی, ج1 __ 183.

174

إن الله تبارک وتعالی لو شاء لعرف

مکیال المکارم: میرزا محمد تقی الأصفهانی, ج1 __ ص418.

174

النجوم أمان لأهل السماء

کشف الغطاء: الشیخ کاشف الغطاء, ج1 __ ص8, نقلا عن مسند احمد بن حنبل

175

إن الرجل ربما یحب الرجل

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی, ج23 __ ص239.

175

هی والله فریضة من الله

التفسیر الصافی: الفیض الکاشانی, ج6 __ ص365.

175

أنا من أهل البیت الذین افترض الله مودتهم

تفسیر مجمع البیان: الشیخ الطبرسی, ج9 __ ص50.

176

قالوا یا رسول الله (صلی) من قرابتک

نهج الحق وکشف الصدق: العلامة الحلی, ص176.

176

لا یحبک إلا مؤمن 

سیر أعلام النبلاء: الذهبی, ج5 __ ص19

177

لا یبغضک إلا منافق

شرح نهج البلاغة: ابن أبی الحدید ألمعتزلی, ج4 __ 63.

180

هذا أخی ووصی وخلیفتی

السقیفة: الشیخ محمد رضا المظفر, ص70.

180

أما ترضی إن تکون منی

شرح إحقاق الحق: السید المرعشی, ج2 __ ص180.

180

إلا من کنت مولاه فهذا علی مولاه

بدایة المعارف الالهیة فی شرح عقائد الامامیة: السید محسن الخزازی,ج2 __ ص98.

182

من سره أن یحیی حیاتی

الکافی: الشیخ الکلینی, ج1 __ ص209.

182

أنا رسول الله علی الناس اجمعین

الکافی: الشیخ الکلینی, ج1 __ ص216.

185

من مات ولم یعرف إمام زمانه

وسائل الشیعة: الحر العاملی, ج16 __ ص246.

185

لما اسری بی إلی السماء

کفایة الأثر: الخزاز ألقمی, ص186.  

187

المهدی من ولدی یکون له غیبة

ینابیع المودة لذوی القربی: القندوزی, ج3. ص387

طوبی لمن أدرک قائم آهل بیتی

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی, ج51 __ ص73. 

187

للقائم منا غیبة أمدها طویل

کمال الدین وإتمام النعمة: الشیخ الصدوق, ص303.

187

إذا خرج ذاک التاسع

أعیان الشیعة: السید محسن الأمین, ج2 __ ص55.

188

قائم هذه الأمة هو التاسع من ولدی

أعلام الوری بأعلام الهدی: الشیخ الطبرسی, ج2 __ 230.

188

إن لصاحب هذا الأمر لغیبتین

الغیبة: الشیخ الطوسی, ص61.

188

إذا خرج ذاک التاسع من ولد أخی الحسین 

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی, ج51 __ ص132.

ص: 259

190

لا بد للغلام من غیبة

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی, ج52 __ ص90.

190

صاحب هذا الأمر تعمی ولادته

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی, ج52 __ ص92.

190

لم تخل الأرض من خلق الله آدم 

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی, ج23 __ ص6.

191

إذا فقد الخامس من ولد السابع

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی, ج51 __ ص150.

191

وإنی أمان لأهل الأرض

کما الدین وإتمام النعمة: الشیخ الصدوق, ص207.

192

إنا غیر مهملین لمراعاتکم

تهذیب الأحکام: الشیخ الطوسی, ج1 __ ص38.

192

یفقد الناس إمامهم

الإمامة والتبصرة: ابن بابویة ألقمی, 126. 

192

والله إن صاحب الأمر لیحضر الموسم 

من لا یحضره الفقیه: الشیخ الصدوق, ج2 __ ص250.

193

فی القائم سنة من نوح

الخرائج والجرائح: قطب الدین الراوندی: ج2 __ ص966.

194

أفضل العبادة انتظار الفرج

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی, ج52 __ ص125.

194

تمتد الغیبة بولی الله الثانی عشر 

الاحتجاج: الشیخ الطبرسی: ج2 __ ص50. 

194

انتظروا الفرج ولا تیأسوا من روح الله

الخصال: الشیخ الصدوق: 616.

195

من مات منکم علی هذا الأمر

احمد بن محمد بن خالد البرقی: ج1 __ ص173.

195

الصدقة فی السر والله أفضل

وسائل الشیعة: الحر ألعاملی, ج1 __ ص57, نقلاً عن الإکمال, ص362.

197

سبحان الله إما تحبون إن یظهر الله عز وجل

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی,52 __ ص128. 

197

ألیس انتظار الفرج من الفرج

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی, ج52 __ ص129, نقلا عن إکمال الدین.

197

ما أحسن الصبر وانتظار الفرج

کمال الدین وإتمام النعمة: الشیخ الصدوق, ص645.

198

سیأتی قوم من بعدکم

الغیبة: الشیخ الطوسی, ص457.

198

من سره أن یکون من أصحاب القائم 

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی, ج52 __ ص140, نقلا عن الغیبة للنعمانی.

198

لا تذهب الدنیا حتی یملک العرب

العمدة: ابن البطریق, ص436.

198

یلی رجل من أهل بیتی

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی, ج51 __ ص103.

199

لو لم یبقی من الدنیا

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی, ج51 __ ص74.

199

الصدقة فی السر والله أفضل

وسائل الشیعة: الحر ألعاملی, ج1 __ ص57, نقلاً عن الإکمال, ص362.

199

إذا غاب صاحبکم عن دار

کمال الدین وإتمام النعمة: الشیخ الصدوق, ص381.

ص: 260

200

اتق الله ولا تدعن شیئا

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی, ج65 __ ص156.

200

إنما شیعة جعفر من عف بطنه وفرجه

الخصال: الشیخ الصدوق, ص296.

200

یدخل أحدکم یده فی کم

الإخوان: ابن أبی الدنیا, ص205. 

201

تخلقوا بأخلاق الله

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی, ج58 __ ص129.

201

شیعتنا من أطاع الله واتقی 

البدایة والنهایة: ابن کثیر, ج9ص 340.

206

(فإما السفراء الممدوحون)

الغیبة: الشیخ الطوسی, ص353 __ 395.

208

یا علی بن محمد السمری

الغیبة: الشیخ الطوسی, ص 395.

210

لا حول ولا قوة إلا بالله العلی العظیم

الغیبة: الشیخ الطوسی, ص 395.

211

لعله محمول علی من یدعی

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی, ج52 __ ص151.

217

انه وقف علی قلیب بدر

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی, ج6 __ ص255.

218

قلت له: جعلت فداک  یرون

الکافی: الشیخ الکلینی, ج3 __ ص244.

218

أیها الناس إنا خلقنا

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی, ج70 __ ص96.

219

ما الموت الذی جهلوه

معانی الإخبار: الشیخ الصدوق, ص288.

219

صبرا بنی الکرام فما الموت

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی, ج6 __ ص154.

220

إن إبراهیم (علیه السلام)

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی, ج7 __ ص36.

223

فاتقوا الله تقیة من سمع فخشع

نهج البلاغة: خطب الامام علی (علیه السلام ), ج1 __ ص137.

123

اللهم صل علی محمد وآل محمد

المصباح: الکفعمی,686.

223

أیها الناس إنا خلقنا

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی, ج70 __ ص96.

223

ما الموت الذی جهلوه

معانی الإخبار: الشیخ الصدوق, ص 288.

226

النقل الشریف دال

بدایة المعارف الإلهیة فی شرح عقائد الأمامیة: السید محسن الخزازی, ص270, نقلا عن شریف معاد. 

226

أتدرون فیما انتطحا

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی, ج7 __ 256.

226

وإما حشر الحیوانات

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی, ج7 __ 256.

227

أی بعیر حج ثلاث سنین

من لا یحضره الفقیه: الشیخ الصدوق, ج2 __ ص293.

227

استفرهوا ضحایاکم

بحار الأنوار: العلامة ألمجلسی, ج7 __ 277.

228

التقیة دینی ودین إبائی 

عوالی اللئالی: ابن أبی جمهور الاحسائی, ج2 __ ص104. 

228

من لا تقیة له

فقه الرضا: علی بن بابویة, 388.

228

إیاکم إن تعملوا عملا

فقه الصادق (ع): السید محمد صادق الروحانی, ج11 __ ص421.

ص: 261

229

أما الکلام فی حکمها

التقیة: الشیخ الأنصاری, ص39. 

230

التقیة إلی یوم القیامة

صحیح البخاری: البخاری, ج8 __ ص56.

231

أما الکلام فی حکمها

التقیة: الشیخ الأنصاری, ص39. 

236

لیس کما یقولون

تفسیر ألقمی: علی بن إبراهیم ألقمی, ج1 __ ص24. 

237

وانی لصاحب الکرات

بصائر الدرجات: محمد بن الحسن الصفار, ص220.

238

إن هذا النصر یکون فی الرجعة

الرجعة أو العود إلی الحیاة الدنیا بعد الموت: مرکز الرسالة: 43.

240

بینما الحسین بن علی (علیه السلام)

کامل الزیارات: جعفر بن محمد بن قولویة, ص40.

240

قال الحسین (علیه السلام) لرسول الله (صلی)

کامل الزیارات: جعفر بن محمد بن قولویة, ص40.

242

کنت نهیتکم عن زیارة

المعتبر: المحقق الحلی, ج1 __ ص339.

242

إنی نهیتکم عن زیارة القبور

الغدیر: الشیخ الامینی, ج5 __ ص167.

242

نهیتکم عن زیارة القبور

الغدیر: الشیخ الامینی, ج5 __ ص.166

246

قد أتاکم أخی

تفسیر الصافی: الفیض الکاشانی, ج5 __ ص355.

248

هم أنت وشیعتک

(هم أنت وشیعتک ومیعادی) روضة الواعظین: الفتال النیسابوری, ص105.

248

یا علی أول أربعة یدخلون 

ینابیع المودة لذوی القربی: القندوزی, ج2 __ ص356.

ص: 262

صدر لقسم الشؤون الفکریة والثقافیة

فی العتبة الحسینیة المقدسة

تألیف

اسم الکتاب

ت

السید محمد مهدی الخرسان

السجود علی التربة الحسینیة

1

زیارة الإمام الحسین علیه السلام باللغة الانکلیزیة

2

زیارة الإمام الحسین علیه السلام باللغة الأردو

3

الشیخ علی الفتلاوی

النوران ___ الزهراء والحوراء علیهما السلام __ الطبعة الأولی

4

الشیخ علی الفتلاوی

هذه عقیدتی __ الطبعة الأولی

5

الشیخ علی الفتلاوی

الإمام الحسین علیه السلام فی وجدان الفرد العراقی

6

الشیخ وسام البلداوی

منقذ الإخوان من فتن وأخطار آخر الزمان

7

السید نبیل الحسنی

الجمال فی عاشوراء

8

الشیخ وسام البلداوی

إبکِ فإنک علی حق

9

الشیخ وسام البلداوی

المجاب بردّ السلام

10

السید نبیل الحسنی

ثقافة العیدیة

11

السید عبدالله شبر

الأخلاق (تحقیق: شعبة التحقیق) جزئین

12

الشیخ جمیل الربیعی

الزیارة تعهد والتزام ودعاء فی مشاهد المطهرین

13

لبیب السعدی

من هو؟

14

السید نبیل الحسنی

الیحموم، أهو من خیل رسول الله أم خیل جبرائیل

15

الشیخ علی الفتلاوی

المرأة فی حیاة الإمام الحسین علیه السلام

16

ص: 263

السید نبیل الحسنی

أبو طالب علیه السلام ثالث من أسلم

17

السید محمدحسین الطباطبائی

حیاة ما بعد الموت (مراجعة وتعلیق شعبة التحقیق)

18

السید یاسین الموسوی

الحیرة فی عصر الغیبة الصغری

19

السید یاسین الموسوی

الحیرة فی عصر الغیبة الکبری

20

الشیخ باقر شریف القرشی

حیاة الإمام الحسین بن علی (علیهما السلام) ___ ج1

21

الشیخ باقر شریف القرشی

حیاة الإمام الحسین بن علی (علیهما السلام) ___ ج2

22

الشیخ باقر شریف القرشی

حیاة الإمام الحسین بن علی (علیهما السلام) ___ ج3

23

الشیخ وسام البلداوی

القول الحسن فی عدد زوجات الإمام الحسن علیه السلام

24

السید محمد علی الحلو

الولایتان التکوینیة والتشریعیة عند الشیعة وأهل السنة

25

الشیخ حسن الشمری

قبس من نور الإمام الحسین علیه السلام

26

السید نبیل الحسنی

حقیقة الأثر الغیبی فی التربة الحسینیة

27

السید نبیل الحسنی

موجز علم السیرة النبویة

28

الشیخ علی الفتلاوی

رسالة فی فن الإلقاء والحوار والمناظرة

29

علاء محمدجواد الأعسم

التعریف بمهنة الفهرسة والتصنیف وفق النظام العالمی (LC)

30

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.